طلاب لبنان يعودون إلى المدارس بخوفٍ وقلقٍ: كورونا دمّر عاداتنا

12 أكتوبر 2020
مخاوف في ظل انتشار الفيروس (حسين بيضون)
+ الخط -

على وقعِ تحليق عدّاد فيروس كورونا في لبنان لجهة الإصابات والوفيات، فتحت المدارس أبوابها، اليوم الإثنين، لطلاب التاسع أساسي (بروفيه)، والثاني والثالث ثانوي، على أن يلتحق طلاب الروضات والأول الثانوي وصفي السابع والثامن أساسي في مواعيد لاحقة حدّدها القرار رقم 463 التنظيمي للعام الدراسي 2020 – 2021.

انطلاقة العام الدراسي في لبنان لن تكون ككل سنة، أولاد خائفون، وأهال قلقون، وأساتذة مرتبكون، والفيروس ينتشر بينهم، ولا يملكون إلّا الإجراءات الوقائية لمواجهة الوباء العالمي الذي فرض نمط حياة جديدا يصعب التأقلم معه.

طلاب لبنان (حسين بيضون)
مخاوف واحتياطات من الفيروس (حسين بيضون)

الخوف يمكن ملاحظته في عيون التلاميذ، وهم يدخلون المدرسة، ضائعين، تائهين، الكمامات تغطي نصف وجوههم، يخشون من التقاط أي شيء أو لمس الباب الحديدي، ينظرون إلى زملائهم الذين اشتاقوا إليهم عن قرب، بعدما فرّقهم التعليم عن بعد، من دون أن يتمكنوا من إلقاء التحية الطبيعية مع عناقِ الاشتياق وقبلاتِ الترحيب، فيكتفون بالسلام من بعيدٍ أو بقبضةِ اليدِ يليها التعقيم والتطهير.

يقول أحد التلاميذ، لـ"العربي الجديد"، وهو يدخل إلى الباحة، "لست خائفاً على نفسي، إنّما على أهلي، فوالدي يعاني من مرض السكري، ووالدتي مناعتها ضعيفة، ولا أعرف كيف يمكن أن أتدبّر نفسي في الصف، فهناك عادات علينا تخطّيها، وسلوكيات يجب أن نلتزم بها لسلامتنا وحماية عائلاتنا وزملائنا". في حين، اشتكى تلميذ آخر من فتح المدارس، وأكد أنّه "رغم صعوبة التعلم عن بعد، والظروف الاقتصادية التي تواجه عائلات كثيرة، لكن تبقى صحّة الإنسان أهمّ من كل شيء".

طلاب لبنان (حسين بيضون)
ضرورة اتباع إجراءات السلامة (حسين بيضون)

الأهالي، بدورهم، قلقون، فهم من جهة لا يودّون أن يخسر أولادهم عامهم الدراسي، وعانوا الكثير من التعليم عن بعدٍ، لكنّهم في الوقت نفسه لن يرتاح بالهم، علماً أنّ عدداً من الأهالي، ومنهم رودين خوري، فضّلت عدم إرسال ابنها إلى المدرسة، فهي تعاني من مشاكل صحية وتعافت من سرطان الثدي، ولا تريد تعريض حياتها أو ابنها للخطر. أما رنا شديد، وهي والدة طالب "بروفيه"، فتقول، لـ"العربي الجديد"، إنّ الخوف كبير من عودة ابنها إلى المدرسة، في ظلّ الانتشار السريع لفيروس كورونا، خصوصاً أنّ هناك حالات كثيرة لا تظهر عليها الأعراض، ويمكن بالتالي أن تنقل العدوى إلى طلاب آخرين لم يكونوا على علمٍ بإصابة زميلهم في الصف.

 وفي المقابل، فإنّ التدريس عن بُعد لم يكن له أي مفعول إيجابي على التلاميذ، لأسباب كثيرة، عدا عن عدم اعتياد الطلاب في لبنان على هذا النموذج، فهناك مشكلة التقنين الكهربائي، والبطء الشديد في الإنترنت، وعدم قدرة كل الأهالي على مساعدة أولادهم في هذا الإطار، وهناك من عليه أن يذهب إلى وظيفته ولا يستطيع في الوقت نفسه أن يترك أولاده في المنزل يدرسون وحدهم، خصوصاً الصغار في السن، وغيرها من المشاكل التي واجهت أهالي الطلاب.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وتضيف شديد، أنّ الاتكال يبقى على الله، وعلى مدى قدرة المؤسسات التعليمية بإداراتها أن تحافظ على سلامة أولادنا، وتفعّل الرقابة والإجراءات التي على الطلاب والأساتذة أن يلتزموا بها، رغم أنه حتى في هذه الإجراءات هناك خوف من أن تكون استثنائية تبعاً لإمكانات كل مدرسة لناحية تأمين مواد التعقيم والتنظيف.

حال الأساتذة ليس أفضل، تقول إحدى المعلمات في مدرسة خاصة في بيروت (غير مخوّلة التصريح باسمها)، لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أن هذه السنة كانت كابوسا بالنسبة إليها، فلم تكن فقط تدرّس التلامذة عن بعد، بل قامت بمجهود كبير لتعلّم نفسها أولاً كيفية استخدام التطبيق وتجهيز المواد التعليمية والتنسيق بين الطلاب، في ظلّ صعوبة التواصل السريع نظراً لمشكلة الإنترنت، وهي اليوم، تعود إلى المدرسة وستحرص على ارتداء الكمامة في كل الأوقات وتعقيم اليدين بشكل مستمرّ، ومراقبة مدى التزام التلامذة في الصف بالإجراءات، علماً أنها تؤكد في المقابل، أنّ المهمة لن تكون سهلة.

ووضعت وزارة التربية انطلاقاً من القرار المذكور، جملة تدابير وإجراءات، تتزامن مع عودة الطلاب إلى المدارس اليوم، وتبدأ من المنزل، حيث ينطلق النقل المدرسي أو باصات المؤسسات التعليمية إلى مدخل المؤسسة وصولاً إلى قاعة التدريس، في حين يتم توزيع الطلاب على مجموعات قبل الظهر وبعده، على ألّا يتخطّى عددهم في الصف الواحد 18 تلميذاً، تطبيقاً للتعليم المدمج الذي يرتكز في ظلّ الظروف الراهنة على احترام نسبة الـ50 في المائة، من سعة الصفوف كحدٍّ أقصى، وتطبيقا للتباعد الاجتماعي، مع اتباع مجموعة قواعد وسلوكيات في ظلّ الظروف الصحية الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان والعالم وذلك لمنع انتقال وانتشار فيروس كورونا.

وتبعاً للمادة الثالثة من القرار المُشار إليه، فإنّه "في الحالات التي يكون فيها عدد التلامذة الإجمالي في الصف الواحد أقلّ من 18 تلميذاً، يبقى الصف مجموعة واحدة إذا كانت مساحة الغرفة تراعي التباعد الاجتماعي، ويعتمد التدريس الحضوري في الأسبوع الأول، وفي الأسبوع التالي، يكون التدريس عن بُعد، وعلى مدير المدرسة أو الثانوية، أن يعمد إلى تنظيم برنامج للتدريس وتوزيع التناوب بين المجموعات الصفية، بما يساهم في تأمين عدد حصص التدريس للملاك والمتعاقدين."

وأحدث قرار وزارة التربية الإعلان عن بدء العام الدراسي، اليوم الاثنين، موجة اعتراضات من جانب الأهالي والمواطنين، الذين رأوا في هذه الخطوة تناقضاً مع واقع المرحلة الخطيرة التي يمرّ بها لبنان والتي أشار إليها المعنيون أنفسهم، مع قرار وزارة الداخلية والبلديات، أمس الأحد، توسعة دائرة البلدات والقرى المعزولة، من 111 بلدة إلى 168، ما دفعهم إلى التساؤل، عن كيفية التحاق الطلاب الذين يقطنون في قرى وبلدات مغلقة بمدارسهم، وكيف يُمكن أن يصدر عن السلطات المعنية، قراران متناقضان تماماً، الأول بتشديد الإقفال التام بذريعة الحد من انتشار كورونا السريع محلياً، والثاني بفتح المدارس وتعريض حياة الطلاب لخطر الإصابة بالفيروس أو انتقال العدوى، يُقابلهما تصريح وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن لقناة "الجديد" المحلية، بأنّ لبنان في المرتبة الثانية في العالم بنسبة الإصابات بفيروس كورونا ويقترب من النموذج الإسباني، وهي كلها قرارات تتخذ، في حين يشهد القطاع الاستشفائي والصحي انهياراً كبيراً.

وفي هذا الإطار، أوضحت وزارة التربية، في بيان، أمس الأحد، أنّ "من قرأ جيداً قرارَي وزيري الداخلية والتربية، يجد أنهما يلتقيان تماماً لجهة الإقفال التام للمؤسسات التعليمية الواقعة في القرى والبلدات المقفلة، وعدم التحاق الهيئتين الإدارية والتعليمية والتلامذة والعاملين القاطنين في المناطق المقفلة بأماكن عملهم في المؤسسات التعليمية غير المشمولة بقرار الإقفال.

المساهمون