خصصت جامعات دولية كثيرة جزءاً من منحها الدراسية السنوية "رفيعة المستوى" للطلاب السوريين الذين هجرت الحرب في بلادهم كثيرين منهم، من دون أيّ أفق واضح لحلّ الأزمة المستمرة
منذ عام 2013، في ظلّ الحرب السورية، بدأ تدهور التعليم العالي يتجلى في البلاد. وفي ذلك الحين تداعت 35 جامعة ومؤسسة تعليمية عليا، من مختلف أنحاء العالم، إلى تقديم منح دراسية متفاوتة التمويل، ما بين جزئي وكامل، للطلاب السوريين، سواء من هم في الداخل أو في دول اللجوء. أطلق يومها "التحالف السوري لدعم التعليم العالي خلال الأزمات" موقعاً إلكترونياً بالشراكة مع تلك الجهات الأكاديمية في أوروبا والولايات المتحدة، للإعلان عبره عن المنح الدراسية التي تقدمها للطلاب السوريين.
وفي حين تراجع عدد من تلك الجامعات، بعد سنوات الحرب الطويلة، عن تعهداته، خصوصاً مع كثرة الطلاب الراغبين في المنح، حرص برنامج "تشيفنينغ" البريطاني، الخاص بالمنح الدراسية المجانية، على استقبال الطلاب السوريين وتخصيص أكبر عدد ممكن من المقاعد لهم، داخل وخارج سورية، كان آخرها منحة دراسة الماجستير في بريطانيا بجميع الاختصاصات، وقد أعلن عنها في سبتمبر/ أيلول الماضي.
كذلك، أعلنت جامعات هولندية عدة عن تقديم منح للطلاب السوريين ضمن منح للدول التي تشهد حروباً ونزاعات، بهدف دعم الطلاب المتميزين الذين يساهمون بنشاط في مجتمعهم، وبتغطية كاملة للرسوم الدراسية وتكاليف الإقامة، بحسب طالب الدكتوراه علي الجاسم. يقول الجاسم الذي يتابع دراسته في جامعة "أوتريخت" الهولندية لـ"العربي الجديد": "بدأت قصة منحتي خلال طلب منظمة البحث العلمي الهولندية تقديم عناوين أبحاث مطلع عام 2018 للحاصلين على درجة الماجستير، فتقدمت من ضمن مئات المتقدمين حول العالم، بعنوان: شبكات العنف وظاهرة الشبيحة بعد الثورة السورية. وبعد تصفيات ومقابلات عبر جولات عدة، بقينا ثمانية مرشحين جرى قبولهم. ومن الجدير بالذكر أنّ من بين الثمانية كنا خمسة سوريين في اختصاصات مختلفة". يتابع: "استمر العمل على هذا البحث طوال عام ونصف العام، تمكنت خلالها من كسر حاجز الغربة، والتشبيك مع الأوساط الأكاديمية، ومعرفة الفوارق عن مناهجنا العلمية، والمشاركة في ندوات بحثية خارجية، من بينها ندوة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، وذلك ببحث عن: تجييش منظمات المجتمع الدولي - الاتحاد الوطني للطلبة مثالاً. وكنت المشارك الوحيد غير الحاصل على الدكتوراه". يتابع الجاسم المنحدر من ريف حلب: "بعد تلك التجارب والتشبيك وتوغلي أكثر بحيثيات الموضوع وحصولي على لقاءات وبيانات وإحصاءات، تبين لي أنّ الظاهرة كبيرة التوسع ويمكن أن تشكل أطروحة دكتوراه، فتقدمت للمنحة بجامعة أوتريخت، لأبحاث الدكتوراه، لكنّ الفرصة كانت هذه المرة أكثر صعوبة، وليس للاجئ أيّ امتيازات. خضنا خلال عام كامل جولات تنافس على أربعة مقاعد فقط، وربما لسوء الحظ، ثم جرى تقليص المقاعد إلى اثنين فقط، وكنا سبعة مرشحين في المرحلة النهائية، أجرينا المقابلة مع مجلس البحث العلمي بهولندا، فكنت أحد الطالبين اللذين قُبلا من أصل 370 متنافساً حول العالم في المرحلة الأولى".
ويزداد عدد الجامعات التي تقدم منحاً للطلاب، خصوصاً الذين تشهد بلادهم حروباً ونزاعات كسورية، لكنّ تلك الجامعات، بحسب الأكاديمي السوري عبد الناصر إبراهيم، لا تفضل السوريين لجهة القبول، وإن قدمت امتيازات عدة لجهة العدد، فالشروط الصارمة للمانحين تطاول السوريين، وليس صحيحاً ما يشاع، خصوصاً عن جامعات تركيا. يتابع لـ"العربي الجديد" أنّ المنح التي تقدم للسوريين مستمرة وقد ازداد عددها بعد الثورة عام 2011، لكنّ معظم شروطها صعبة بالقياس لظروف الطالب السوري المنقطع عملياً عن الدراسة منذ سنوات أو تابع تحصيله في الخارج، عبر جامعات لا يعترف بها مقدمو المنح أحياناً. ويشير إبراهيم، وهو أستاذ الإدارة، في جامعة "ماردين" التركية، إلى أنّ بريطانيا تقدم على نحو سنوي منحاً للدراسات العالي (ماجستير ودكتوراه) وكذلك للاندماج وتعلم اللغة بهدف متابعة التحصيل الجامعي كما فعلت إحدى جامعات بريطانيا، قبل أعوام، عبر منحة "الرشيد" التي حملت اسم الشاب السوري أحمد الرشيد، الذي ساهم في تأهيل السوريين في بريطانيا لمتابعة تعليمهم الجامعي. والرشيد في الأساس حاصل على منحة دراسية في العنف والصراع والتنمية، من جامعة "لندن". ويستدرك إبراهيم أنّ معظم السوريين لا تشملهم المنح، خصوصاً منح الدراسات العليا، لأنّ شرط العمر أساسي، وعادة ما ينقطع السوريون سنوات عن الدراسة، ما يعني خروجهم من المنافسة بسبب شرط العمر، كما تؤكد المنح على المعدل النهائي للتخرج، وهو عادة 80 في المائة وما فوق، بالإضافة إلى خطاب القبول وإتقان اللغات الأجنبية.
وتبقى الجامعات التركية هي الأكثر استقطاباً للسوريين والتي تقدم لهم تعليماً مجانياً، إذ تشير مصادر رسمية تركية إلى أنّ إجمالي أعداد الطلاب السوريين الذين يرتادون جامعات البلاد بلغ العام الماضي 27 ألفاً، من بينهم أكثر من 7700 طالبة. ويقول مدير مؤسسة "عالم إسطنبول" للقبول الجامعي، جهاد العويد، لـ"العربي الجديد" إنّ معظم المنح من الجامعات الخاصة، محدودة جداً وتمويلها جزئي، لكنّ منح الدولة التركية في الجامعات الحكومية هي الأهم للطلاب السوريين، لأنّها ممولة بالكامل وتغطي التكاليف كافة من أقساط الجامعة إلى بدل السكن والتأمين صحي، وتكاليف السفر والتأشيرات للمتقدمين من خارج تركيا، بالإضافة إلى راتب شهري.