طفلة المعادي... جرائم التحرّش في مصر لا ترحم الصغار

12 مارس 2021
تكثر الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال (فايد الجزيري/ Getty)
+ الخط -

ما شهدته منطقة المعادي، إحدى أشهر مناطق العاصمة المصرية القاهرة، أخيراً، أثار غضباً شعبياً كبيراً. فقد تعرضت طفلة، أُطلق عليها إعلامياً اسم طفلة المعادي، للتحرّش في مدخل عقار في منطقة المعادي. وأظهر مقطع فيديو وثّقته كاميرا مراقبة في العقار، ونشرته امرأة تعمل في مختبر طبي في الدور الأول من العقار، وتداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لحظة محاولة رجل التحرش بالطفلة عبر ملامسة أجزاء من جسدها، قبل أن تواجهه المرأة ويلوذ بعدها بالفرار.
أعدّ المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، بالتعاون مع منظمات حقوقية، دراسات أظهرت أن مصر تشهد نحو 20 ألف حادثة تحرّش واغتصاب سنوياً، علماً أن 85 في المائة من الضحايا أطفال. واستناداً إلى خط نجدة الطفل (الخط الساخن) في المجلس القومي للأمومة والطفولة، تبين وجود ارتفاع في نسب الاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال، والتي يصفها خبراء بـ "الكارثة الاجتماعية" التي تتطلب حلولاً عاجلة وقرارات صارمة.
في هذا الإطار، يقول مدير خط نجدة الطفل صبري عثمان، إنه قبل وقوع حادثة طفلة المعادي، تلقى خط نجدة الطفل 193 بلاغاً عن اعتداءات بدنية، و105 اعتداءات جنسية متنوعة بحق الأطفال مع بداية العام الجاري. كما تلقى 11 ألف بلاغ عن اعتداءات بدنية وجنسية بحق الأطفال عام 2020، موضحاً أن هذه الأرقام تخص الحالات المعلن عنها فقط، وليس تلك التي يفضّل أهل الضحايا التستر عليها. ويعدّ الأطفال ما بين أربع إلى ست سنوات أكثر عرضة للاغتصاب، يليهم الأطفال ما بين 10 سنوات و18 سنة، وقد تصدرت الإناث النسبة الأكبر.
يضيف عثمان أن خط نجدة الطفل تلقى أخيراً بلاغاً من منطقة الصف في حلوان (جنوب القاهرة)، عن قيام ثلاثة شبان باستدراج ثلاثة أطفال والاعتداء عليهم جنسياً، ما أدى إلى اعتقالهم. ويشير إلى أن جرائم الاعتداء الجنسي تتركز بشكل أكبر في محافظات القاهرة الكبرى، أي القاهرة والجيزة والقليوبية، بالإضافة إلى محافظات الوجه البحري، بينما تقل في محافظات الصعيد. ويعزو الأمر إلى التفكك الأسري وارتفاع معدلات الطلاق وغياب الرادع الديني، بالإضافة إلى زيادة أعداد أطفال الشوارع، مطالباً بضرورة تشديد العقوبات. 

في السياق نفسه، تشير أرقام وزارة التضامن الاجتماعي إلى أن عدد أطفال الشوارع في البلاد يقدر بـ 17 ألفا، فيما تؤكد دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن أعدادهم وصلت إلى مليونين، وجميعهم يمرون بتجارب قاسية كالاعتداء الجنسي والتعذيب.
من جهتها، تطالب أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس سامية خضر، بضرورة إنشاء مراكز إيواء للأطفال المشردين في المحافظات المصرية كافة، بسبب كثرة تعرضهم لاعتداءات جنسية. وتؤكد أن وجود نحو 30 مركزاً تشرف عليها وزارة التضامن الاجتماعي غير كافٍ. وترى أن المتهم بحادثة المعادي يعاني من اضطراب البيدوفيليا (هوس جنسي بالأطفال)، وذلك حتى لو كان متزوجاً ولديه عائلة.

طفلى مصرية (محمد الشاهد/ فرانس برس)
تحتاج وغيرها من الأطفال إلى الحماية (محمد الشاهد/ فرانس برس)

أما المحامي محمد عبد العزيز، فيقول إن جريمة هتك العرض طبقاً للمادة 268 قسمت إلى ثلاث عقوبات: العقوبة الأولى 3 سنوات كحد أدنى و15 سنة كحد أقصى، والثانية 7 سنوات كحد أدنى وتصل إلى 15 سنة كحد أقصى، والثالثة قد تصل إلى المؤبد. وبعد مرور 20 عاماً، يمكن للأهل التقدم بطلب التماس للإفراج عن السجين، وذلك بعد التأكد من حسن السير والسلوك خلال فترة وجوده في السجن. 
وفي وقت سابق، قررت النيابة العامة المصرية حبس المحاسب في إحدى شركات العقارات محمد جودت (37 عاماً)، لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيق، بعد اتهامه بالاعتداء الجنسي وخطف طفلة تبيع المناديل الورقية في حي المعادي في القاهرة، وملامسته أعضاءها، فيما أقر المتهم أمام النيابة العامة بما حدث، مدعياً أنه كان يمزح مع المجني عليها لسابق معرفته بها. وكان المتهم قد انفصل عن زوجته منذ 6 أشهر، ولديه طفلان، ويسكن في ميدان الحرية في حي المعادي، وأكد أنه يعرف الطفلة جيداً ودائماً ما يشتري منها المناديل.
وألقت أجهزة الأمن القبض على المتهم بعد هروبه من منزله ومحاولته الاختفاء بعد انتشار صورته على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وبينت التحقيقات أن الطفلة ووالدتها تبيعان المناديل، وقد استدرج المتهم الطفلة بعدما أوهمها أنه سيعطيها جنيهاً، ليأخذها إلى مدخل العقار من دون معرفته بوجود كاميرا مراقبة. وحين رأته موظفة الاستقبال أونجي أسامة التي تعمل في معمل في الدور الأول للعقار من خلال الكاميرا، تمكنت من إنقاذ الفتاة.
وخلال اعترافه بما حدث أمام النيابة العامة بعد إلقاء القبض عليه يوم الثلاثاء الماضي، قال: "لم أقصد فعل ذلك، بل كنت أمزح معها". ويؤكد أنه منفصل عن زوجته منذ ستة أشهر ولديه طفلان. وفي اليوم التالي، استمعت النيابة العامة إلى أقوال شهود العيان.
تجدر الإشارة إلى أن وحدة الرصد والتحليل في إدارة البيان في مكتب النائب العام المستشار حمادة الصاوي، كانت قد شاهدت فيديو التعدي على الطفلة في مدخل العقار في منطقة المعادي، بعد نشره على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل "السيدة البطلة". واستدعت النيابة العامة المرأة التي نشرت الفيديو. لدى سؤالها عن مضمون ما تم نشره، أقرت بتعدي المتهم على الطفلة، ومحاولته كشف بعض المناطق الحساسة في جسدها، فتركت المعمل لإنقاذ الفتاة وواجهته بتسجيل الكاميرا، فهرب على الفور. 
وفي أول تصريح لأوجيني أسامة، بطلة اليوم الدولي للمرأة، كما أطلق عليها إعلامياً، قالت إن الطفلة في نفس عمر ابنتها، لذلك لم تتردد في إيقاف المعتدي. أضافت أن مجرد تخيّلها أن الموقف نفسه قد يتكرر مع ابنتها من دون أن تجد من ينقذها دفعها لمواجهة المتهم وعدم التهاون معه، علماً أنه أنكر فعلته فور مواجهته، ثم هرب مسرعاً بعدما اكتشف وجود
كاميرا مراقبة.

رفض للتحرش في مصر (أحمد إسماعيل/ الأناضول)
رفض للتحرش في مصر (أحمد إسماعيل/ الأناضول)

وتقول "السيدة البطلة" إنها لم تبلغ الشرطة عقب الحادث، بل فوجئت باتصال الشرطة بها بعد نشر الفيديو. وكانت قد نشرت الفيديو على حسابها الخاص على فيسبوك، وطلبت من متابعيها نشر الفيديو على أوسع نطاق، مؤكدة على ضرورة القصاص منه في ميدان عام، ليصبح عبرة لغيره. أضافت أن الفيديو أزيل من قبل إدارة فيسبوك وتم إغلاق حسابها الخاص بعد ساعات من نشره. لكنها فوجئت برد فعل غير متوقع وتواصلت الشرطة معها فور انتشار الفيديو. تضيف أنها تلقت الكثير من رسائل الشكر والامتنان لموقفها الشجاع.


تكريم البطلة
من جهتها، تقول وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، إن تواجد الأطفال في الشوارع لفترات طويلة ومن دون رعاية، يعرضهم للتحرش وتعاطي المخدرات والإساءة. تضيف: "نحارب هذه الظاهرة بكافة أشكالها"، موضحة أن الطفلة المعتدى عليها تحتاج إلى دعم نفسي وإعادة تأهيل وتوعية، مؤكدة أنه سيتم اتخاذ الإجراءات المناسبة للتعامل مع الطفلة نفسياً واجتماعياً. وتؤكد أن الوزارة دائمة البحث عن أسر هؤلاء، موضحة أنهم في حاجة إلى الاندماج في المجتمع. كما تتحدث عن جهود الوزارة في هذا الإطار، وذلك من خلال مبادرة الإسعاف الاجتماعي التي تستهدف فاقدي الرعاية والفتيات اللواتي يتعرضن لخطر التحرش. فالهدف هو محاولة الحفاظ على هذه الفئة المعرضة للكثير من المخاطر.
وأشارت إلى العمل البطولي الذي قامت به موظفة الاستقبال التي رأت ما حدث ولم تتردد في حماية الطفلة ومحاولة أخذ حقها، مؤكدة على نية الوزارة تكريمها، نظراً لما تمثله من نموذج إيجابي، "ونحتاج في المجتمع إلى مزيد من النماذج المماثلة".


ليس تحرشاً
إلى ذلك، تؤكد رئيسة المجلس القومي للمرأة مايا مرسي، أن عقوبة الفاعل ستكون مشددة، موضحة أن المادتين 268 و269 من البند الرابع في قانون العقوبات، تنصّان على أنه كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك، يُعاقب بالسجن المشدد، مشيرة إلى أن العقوبة تتشدد إذا كان المعتدى عليهم قصّراً. تتابع أن المادة 116 من قانون الطفل، تنص على تشديد عقوبة أي جريمة ضحيتها أطفال، أو إذا ارتكبها أحد والديه أو من له وصاية عليه، ما يعني تشديد العقوبة بحق المتحرش.
من جهتها، تقول المحامية بالنقض هالة محمود، إن القانون شدد العقوبات بحق مرتكبي مثل هذه الجرائم، موضحة أن الواقعة لا تعتبر "تحرشاً" كما يعتقد كثيرون، بل إنها "جريمة هتك عرض، وقد نص القانون في هذه الحالة على عقوبة مشددة تصل إلى السجن خمسة عشر عاماً، إذا كانت المجني عليها قاصراً". تضيف أن استدراج المجني عليها إلى العقار باعتباره مكاناً نائياً خال من المارة، سيؤدي إلى اتهامه بالخطف أيضاً، مؤكدة أن القانون لا يتهاون في مثل هذه القضايا، والعقوبة ستكون مشددة ولن تقتصر على عام أو عامين.


 

المساهمون