تعاني العاصمة العراقية بغداد من اختناقات مرورية تتعاظم يوماً بعد آخر في ظل عدم جدوى الحلول الترقيعية للحكومة. ويؤكد مدير المرور العام اللواء طارق إسماعيل الربيعي لـ"العربي الجديد" أن بغداد تكتظ بـ4 ملايين سيارة يومياً، ويكشف مقترحات الحكومة لمشاريع الطرقات والجسور.
تعاني بغداد منذ عقود من مشكلة الاختناقات المرورية التي جعلتها تصنّف بين أسوأ مدن العالم على صعيد ظروف العيش، فما الذي يؤخر إيجاد حلول؟
لم تخضع شوارع بغداد لأي تحديث، ولم تضف إليها طرقات جديدة منذ 40 عاماً، كما لم تشهد هذه الشوارع تشييد جسور وأنفاق تواكب منطق زيادة عدد السكان من 12 مليوناً نهاية سبعينيات القرن الماضي إلى 43 مليوناً العام الماضي، بحسب أرقام أصدرتها وزارة التخطيط. وغياب مشاريع التحديث ليس من مسؤولية مديرية المرور العام المحددة مهمتها بتنظيم حركة السير، وليس تخطيط الشوارع وتجهيزها وتوسيعها، وهو ما تتحمله مباشرة أمانة بغداد ووزارة الإعمار والبلديات.
ما هو تقييم مديرية المرور لإطلاق الحكومة في مطلع مارس/ آذار الجاري حزمة مشاريع أولى حددت هدفها الأساس بفك الاختناقات في بغداد؟
حدد برنامج متكامل مواقع المشاريع ونوعية الأعمال التي تتطلبها والتكاليف المالية الخاصة بها، علماً أن مخصصات هذه الحزمة المالية مؤمنة بعيداً عن الموازنة، ما يعني أنها لن تنتظر إقرار موازنة عام 2023 للشروع في العمل. والحزمة الحالية هي الأولى، وتتضمن 16 مشروعاً من أصل 150 مشروعاً من المقرر تنفيذها تدريجاً وفق حزم متعددة ستطلق تباعاً. وستمتد مواعيد إنجاز مشاريع الحزمة الأولى بين عام وعام ونصف، لأن معظمها ضخمة وعملاقة ويتطلب إنجازها وقتاً غير قصير. وحالياً يجري درس ملفات تكليف الشركات التي ستتولى مهمات تنفيذ المشاريع تمهيداً لإطلاق الأعمال الميدانية خلال فترة شهر.
ما هي المقترحات التي قدمتها مديرية المرور لفك الاختناقات؟
اقترحت مديرية المرور شراء لوحات السيارات القديمة واستثمارها في تسجيل المركبات الجديدة لضمان أن تتواجد آليات مقابل أخرى تصبح خارج الخدمة. ونحن نعتبر أن تطبيق هذا المقترح سيوقف زيادة عدد السيارات الموجودة في الشوارع. كما اقترحت المديرية فتح أسواق حرة على حدود العراق مع دول الجوار للسماح ببيع العراقيين آلياتهم بأسعار مقبولة، علماً أننا نتوقع أن تساهم هذه الخطوة في بيع نصف عدد السيارات الموجودة في العراق، تمهيداً لاستيراد أخرى من الطرز الحديثة حصراً. كذلك طالبنا بإيقاف استيراد الدراجات النارية باستثناء تلك التي تستخدمها الدوائر الحكومية. ونعتبر أن تطبيق هذه المقترحات سيُخفف كثيراً من الاختناقات المرورية.
ما عدد السيارات والمركبات في بغداد حالياً، وما سبب التدفق على شوارعها واستمرار زيادة هذا العدد؟
يبلغ عدد الآليات المسجلة في مديرية المرور مليونين و800 ألف، ونعتقد بأن 4 ملايين آلية بعضها غير مُسجّلة تسير في بغداد يومياً، ويقود نصفها سكان من العاصمة نفسها، والبقية سكان يأتون من محافظات مختلفة. ويضاف إلى هذه الآليات الدراجات النارية ومركبات متنوعة أخرى.
هل يؤخذ برأي مديرية المرور في تنفيذ مشاريع بناء المجمعات التجارية والمؤسسات الحكومية في مناطق الاكتظاظ السكاني ببغداد؟
لا يحصل ذلك مُطلقاً رغم أنه من الواضح جداً أن بناء المشاريع التي تجذب السكان، أكانت مواقع تجارية أو حكومية، يترافق مع تنفيذ خطط عشوائية في اختيار المواقع والتشييد، ما يزيد مشكلة الاختناقات المرورية. وطالبت مديرية المرور كثيراً بلا جدوى بأن يؤخذ برأيها، ويجري اختيار مواقع المشاريع خارج المدن مع العمل لنقل مقار الجامعات والوزارات إلى خارج العاصمة بغداد، علماً أن المخالفات لا تتوقف عند هذا الحد، إذ تفتح أيضاً شوارع تجارية داخل مناطق سكنية لا تتضمن في الأصل مساحات واسعة لتنفيذ أية مشاريع.
هل يحصل إدخال المركبات إلى العراق في شكل غير قانوني، ومن دون فرض رسوم وضرائب، وهل تطابق جميع المركبات المواصفات المحددة؟
لا تزيد في العراق نسبة الضرائب والرسوم المفروضة على المركبات عن نسبة 25 في المائة من قيمتها ما يشجّع على استمرار الاستيراد، ومسؤولية هذا الموضوع تتحملها وزارة التخطيط والهيئة العامة للضرائب وهيئة الجمارك.
وفي الأردن مثلاً تفرض السلطات ضريبة 150 في المائة من قيمة كل آلية تدخل البلد، وترتفع إلى 200 و400 في المائة للآليات ذات المنشأ الأميركي والألماني. أما بالنسبة إلى المواصفات المطبقة في العراق فالباب مفتوح على مصراعيه لاستيراد المركبات من دون وضع شروط تراعي خصوصاً ظروف البنى التحتية في الشوارع والطرقات العامة، وهو أمر يتسبب في عشوائية يزيدها أيضاً الوجود الهائل للآليات في العراق بسبب شيوع ثقافة امتلاك كل شخص آلية خاصة بفضل التحسّن الاقتصادي في البلد، وهكذا تملك كل عائلة عراقية ما معدله بين آليتين وثلاث.
ما أسباب مواجهة أصحاب السيارات في العراق مشكلتي تأخر تسلّم اللوحات المرورية وتغييرها بعد عدة أعوام، ولماذا يستعصي إيجاد حل؟
يرتبط سبب تأخير اللوحات المرورية بمشاكل مالية ولوجستية تخص إجراءات التعاقد مع الشركات العالمية المُجهّزة، وعدم توفر الاعتمادات المالية المفقودة منذ سنوات في مديريتنا بسبب تأخر إقرار الموازنات وعدم وجود موازنات مالية للدولة. وبين عامي 2014 و2022 لم ترصد أية موازنات لمديرية المرور التي دخلت شهر مارس/ آذار هذا العام من دون موازنة أيضاً. قبل أعوام قليلة لم تكن المخصصات كافية، ونرى أن الحل الأمثل يتمثل في توقيع عقد مع معمل خاص لطبع اللوحات. ونحن ماضون لشراء معمل متكامل من ألمانيا، وإطلاق عمله هذا العام، وهذه الفكرة موجودة منذ أعوام لكنها تعثرت بسبب اجتهادات خاطئة لمسؤولين سابقين. وفي ما يتعلق بتغيير اللوحات يجب أن يحصل ذلك كل 10 أعوام لأن العراق عضو في اتفاق فيينا لعلامات وإشارات الطرق الموقعة عام 1968 التي تطالب بتحديث اللوحات كي تواكب التطور العالمي خاصة في مجال العلامات الأمنية.
أعلنت مديرية المرور قبل أشهر عن لوحات جديدة موحدة مع إقليم كردستان، فما الذي سيختلف في مواصفاتها مقارنة بتلك السابقة؟
ستسمح اللوحات الجديدة للعراقيين بالسفر بآلياتهم الخاصة عبر الدول الموقعة على اتفاق فيينا وحول العالم أيضاً، كما سيسهّل ذلك كثيراً حركة نقل المسافرين والبضائع مع هذه الدول.
عبرت دول مجاورة للعراق مرحلة المترو والقطار المعلق، وبدأت تبتكر أساليب جديدة لضمان انسياب السير، لماذا بقي العراق من دون تنفيذ مشاريع مماثلة؟
هذه المشاريع موجودة كدراسات ومخططات، وبينها الطرق الحلقية السريعة المحيطة ببغداد والقطار المعلّق ومترو بغداد، لكنها تعطلت بسبب مشاكل مالية، والحكومة الحالية وضعت برنامجاً لبدء أعمال هذه المشاريع التي ستنفذ في شكل متتابع بدءاً من العام الحالي.
ما حقيقة طلب مديرية المرور عدم تطبيق اتفاقات تسمح بفتح باب دخول الشاحنات المحمّلة بأوزان كبيرة من دول الجوار كطريق ترانزيت لنقل البضائع؟
قررنا ذلك لأن عبور هذه الشاحنات يضرّ كثيراً بالشوارع الداخلية في بلدنا، علماً أنه يجب التشدد في إلزام جميع الشاحنات التي تنقل بضائع عبر العراق بالخضوع لقاعدة الأوزان المحورية من أجل الحدّ من الحمولات الزائدة التي تضرّ بالبنى التحتية للطرقات والجسور، وتتسبب في مشاكل فيها يمكن أن تؤدي أيضاً إلى حصول حوادث وخسائر في الأرواح. وتتحمل هذه المسؤولية دائرة الطرقات والجسور في وزارة البلديات وإدارات المحافظات التي تشهد مرور آليات التحميل.
ما هي غالبية أسباب الحوادث في العراق؟
استخدام الهواتف الخليوية أثناء القيادة، وعدم وضع حزام الأمان، وعدم التقيد بالسرعات المسموحة بين أبرز أسباب حوادث السير في العراق. والقيادة بسرعة زائدة خصوصاً تتسبب في إصابات بليغة ووفيات لشباب تمتلئ ردهات طوارئ المستشفيات بذويهم في مشاهد قاسية جداً. من هنا تلزم مديرية المرور جميع السائقين منذ أشهر بوضع حزام الأمان، وطبقت جدول غرامات قد يصل إلى حجز المركبات، ما جلب نتائج جيدة للغاية على صعيد الالتزام وتقليل عدد الحوادث والوفيات.
هل يفاقم عدم وجود رادارات وكاميرات في الشوارع المخالفات المرورية التي تتسبب أيضاً في اختناقات؟
بالطبع. تعمل الحكومة لتعميم الحوكمة الإلكترونية في جميع الدوائر، وسيسمح تطبيقها في دائرة المرور باستخدام التقنيات الحديثة وتعميمها مثل الرادارات والكاميرات لرصد المخالفات وجباية أموال الغرامات، ويحتاج الموضوع حالياً إلى رصد مخصصات مالية ضمن الموازنة الاستثمارية للدولة، ونعتقد بأن الحكومة ستمضي في هذا الاتجاه. وما يعطل أيضاً خطط مديرية المرور معاناتها من عدم منحها نسبة 25 في المائة من أموال وارداتها بموجب قانون المرور رقم 43، إذ تذهب هذه الأموال إلى وزارة المالية ولا يعود منها شيء إلى دائرتنا، ونحن لا نطالب إلا بتطبيق هذا القانون.
هل أخذت مشكلة طرق الموت طريقها إلى الحل أم ما زالت تحصد مزيداً من الأرواح؟
وُضعت قبل أكثر من عامين معالجات حقيقية وبدأ تنفيذ مشاريع لتوسيع هذه الطرق عبر جانبي الذهاب والإياب وتحسين واقعها، وبينها طريق بغداد - بابل السريع، وبغداد - كركوك، وبغداد - البصرة، والبصرة - ذي قار، وذي قار - الديوانية. ويمكن القول إن الحوادث تنحسر وتتراجع شيئاً فشيئاً، في حين تبقى المشكلة الأهم عدم التزام الشاحنات بالأوزان المحورية للتحميل، ما يلحق أضراراً كبيرة في الطرقات تؤدي إلى تكرار الحوادث.