مرّة جديدة، ارتسمت الفرحة على وجوه أفراد عائلة الفلسطيني أسامة وصفي عثمان، من سكان مدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية المحتلة. بناته الثلاث التوائم ضحى وآلاء وإسراء أتممنَ دراساتهنّ الجامعية وحصلنَ على شهادات بكالوريوس في هندسة الكمبيوتر والهندسة المعمارية والهندسة المدنية على التوالي، من جامعة بيرزيت وسط الضفة. وهنّ كنّ قد حصلنَ على منح جامعية، بعد تفوّقهنّ في امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) في عام 2016، ثمّ تفوّقنَ في دراساتهنّ الجامعية. والفرحة أتت مضاعفة للعائلة وللتوائم الثلاثة لأنّها اقترنت بتخرّج شقيقتهنّ الصغرى سجى التي التحقت بالجامعة بعدهنّ بعام واحد، وتخرّجت معهنّ بشهادة بكالوريوس في المحاسبة وإدارة الأعمال من الجامعة ذاتها.
الوالد أسامة يعمل سائق حافلة لنقل تلاميذ المدارس في مدينته طولكرم، على الرغم من أنّه يحمل شهادة جامعية في هندسة الكمبيوتر. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه "بتخرّج الأربعة، التوائم الثلاثة والابنة الصغرى، يكون قلبي قد اطمأنّ. الآن أبنائي جميعاً (ابنان اثنان وخمس بنات) أتمّوا المرحلة الجامعية الأولى"، مضيفاً أنّ "من يرغب منهم في إكمال دراسته، عليه العمل وتحصيل تكاليفها، علماً أنّني سوف أشجّعه. فأنا أوصلتهم مع والدتهم (حائزة على شهادة دبلوم في اللغة الإنكليزية) إلى برّ الأمان. فالشهادة هي حصن الإنسان في هذه الأيام الصعبة".
ويتابع الوالد: "لم تكن السنوات الماضية سهلة. ففي مرحلة ما، كان لديّ سبعة أبناء في الجامعة في وقت واحد. الصغرى في سنتها الجامعية الأولى، والتوائم الثلاثة في السنة الثانية، والثلاثة الآخرون (ابنان اثنان وابنة واحدة) يتابعون دراستهم في تركيا، أحدهم طالب طبّ في مرحلة التخصص". ويتساءل: "ماذا يريد الأبوان من هذه الدنيا أكثر من تقديم أبناء صالحين ومنتجين ومتفوّقين للمجتمع؟". ويؤكد أنّ "المهمة كانت شاقة جداً. فالنجاح له ضريبة مادية، ولا تستطيع منع ابنك من الدراسة بحجة الحالة المادية. وعندما يكون متفوقاً، فهو يختار تخصصات متقدّمة تتطلب ميزانية ضخمة. حينها كذلك لا يمكنك أن تقول له كلا".
في امتحانات الثانوية العامة، حصلت ضحى وآلاء وإسراء على معدّلات مرتفعة. فحلّت إسراء في المرتبة الرابعة في فلسطين في الفرع الصناعي والأولى في محافظة طولكرم بمعدّل 96.8 في المائة. أمّا معدّل آلاء فكان 95.1 في المائة في الفرع العلمي، وضحى 94.8 في المائة في الفرع ذاته. وهذا أمر خفّف من الأعباء عن والدهنّ، لأنّ كلّ واحدة منهنّ حصلت على منحة دراسية كاملة من جامعة بيرزيت، شريطة أن يبقينَ محافظات على التفوّق في خلال الدراسة الجامعية، وهذا ما كان. ومع دخول شقيقتهنّ الصغرى إلى الجامعة، خضعت إلى الشرط ذاته، ولم تخيّب الشابات الأربع ظنّ العائلة بهنّ، وحافظنَ على مستوى متقدّم جداً لدرجة أنّ تكاليف دراسة الأخت الصغرى بمعظمها تحمّلتها الجامعة لأنّها كانت متفوقة على أقرانها.
تخبر آلاء "العربي الجديد" أنّ "سنوات الدراسة الخمس مرّت كسرعة البرق من جهة. كأنّني أنهيت الثانوية العامة، أمس. لكنّني عندما أستذكر تفاصيل تلك السنوات، أشعر وكأنّ اليوم الواحد منها سنة كاملة، والسنوات الخمس دهر". تضيف أنّ "التجربة لم تكن قط سهلة. لقد انتقلت مع شقيقتَيّ ضحى وإسراء للعيش في مدينة رام الله وحدنا في سكن منفصل عن عائلتنا التي بقيت في طولكرم، وكنّا نعود في نهاية كلّ أسبوع. اعتمدنا على أنفسنا في توفير متطلبات الحياة وفي إدارة شؤون البيت الجديد". وتتابع آلاء: "صحيح أنّنا حصلنا على منح من الجامعة، لكنّ تخصص الهندسة عموماً، وتخصص المعمارية تحديداً، يستلزم ميزانية خاصة، بسبب المتطلبات الكثيرة من قبيل الكتب والملفات والأقلام والكرتون ومعدّات المراسم وغيرها، وهذه كلّها مكلفة جداً. لكنّ والدي لم يقصّر معنا قط. كان دائماً يقول لنا: لا تقلقنَ. ادرسنَ وحصّلنَ علامات ولا تسألنَ عن أيّ شيء آخر".
ولا تخفي ضحى لـ"العربي الجديد": "كنّا نقتصد جداً في مصاريفنا، ولا نأتي إلا بالضروري. أمّا العبء الأكبر علينا فقد كان يتمثّل في المحافظة على مستوى متفوّق في الدراسة، وإلا فقدنا المنحة. لكنّنا والحمد لله لم نخيّب رجاءهم (القائمين على الجامعة) فينا". من جهتها، تؤكد ضحى أنّهنّ طموحات، وتكشف لـ"العربي الجديد" أنّ "الهدف المقبل هو دراسة الماجستير، لكنّنا سوف نحاول العثور على فرص عمل في تخصصاتنا، فنكتسب بذلك خبرة عملية ونجمع تكاليف الدراسة ثمّ نكمل المشوار". تضيف: "لقد حان دورنا لنردّ لأبي وأمي جزءاً من المعروف. عليهما أن يستريحا بعد هذه السنوات الطويلة من العناء. نحن اليوم قادرات على مواصلة الطريق مسترشدات بهما وبنصائحهما".