لم يسمح زملاء الطالبة الفلسطينية في جامعة بيرزيت، شمال مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، ليان نزار كايد (23 عاماً)، لقوات الاحتلال الإسرائيلي، بسرقة الفرحة منها ومن عائلتها، فرفعوا صورتها بين الخريجين، لتكون حاضرة في حفل تخرجها، وإن صورياً، إذ تقبع في سجون الاحتلال، بعد الحكم عليها بالسجن 16 شهراً، بتهمة ممارسة العمل النقابي الطلابي داخل أروقة الجامعة.
في حفل التخرّج، صعدت والدة الأسيرة ليان، عفاف زبدة، إلى المنصة لتتسلّم شهادة ابنتها الجامعية التي تخصصت في علم الاجتماع، وسط تصفيق حار وتقدير كبير من الحضور. ويقول والدها نزار كايد لـ"العربي الجديد": "كان يوماً مشهوداً. إدارة الجامعة والطلّاب عموماً وزملاء ليان خصوصاً كانوا بانتظارنا عند مدخل الجامعة حاملين صورة كبيرة لها. حظينا باهتمام كبير. الحفل كان وطنياً بامتياز، فقد ألقت أيقونة فلسطين منى الكرد، ابنة حي الشيخ جراح، كلمة الخريجين، وبعدها بدأوا بتلاوة أسماء الخريجين، حتى وصلوا إلى اسم ابنتي ليان. حينها، غصت القاعة بالتصفيق مع صعود زوجتي إلى المسرح لتسلم الشهادة". يضيف: "مهما كانت قوية ومتماسكة، فهي أم. تعيش غصة فراق ابنتها الصغيرة. وأيّ فراق! هي في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأنا أيضاً تأثرت جداً. فعلى الرغم من أنّ لدينا ابنتين تخرجتا سابقاً، فالفرحة منقوصة جداً بسبب عدم وجود ليان بيننا".
ليان هي الابنة الوسطى لعائلة تتكون من أبوين وابنين وثلاث بنات يقطنون في بلدة سبسطية، شمال مدينة نابلس، في شمال الضفة الغربية، وهي طالبة متفوقة على الصعيد الأكاديمي، حصلت على معدل 96 في المائة في الثانوية العامة لتلتحق بجامعة بيرزيت، في اختصاص علم الاجتماع.
اعتقلت ليان كايد في 8 يونيو/ حزيران 2020 عند حاجز "زعترة" العسكري الإسرائيلي المقام جنوبي نابلس برفقة والدتها. ويروي كايد تفاصيل تلك الدقائق العصيبة قائلاً: "أوقف جيش الاحتلال سيارة والدتها التي كانت تقلها، وبعدما طلبوا هويتها الشخصية أنزلوها من السيارة لتفتيشها". يتابع: "في هذه الأثناء، تحدّث إليها هاتفياً ضابط في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) وأبلغها أنّها موقوفة. قيّد جنود الاحتلال يديها وقدميها بقيود حديدية، وأجلسوها على كرسيّ في الخارج قبل نقلها إلى معسكر قريب لإجراء فحص طبي، من دون أي وجود لمترجم أثناء سؤالها عن وضعها الصحي".
بعد الانتهاء من الأسئلة الطبية، نُقلت ليان مجدداً إلى الحاجز، وقدّم لها جنود الاحتلال الطعام والماء، ورفضوا إزالة القيود عن يديها سواء أثناء الطعام أو الذهاب إلى الحمام، إلى أن نقلت في مركبة (البوسطة المخصصة لنقل الأسرى) من الحاجز إلى سجن هشارون على مدى ثلاث ساعات، حرمت فيها من شرب المياه بحجة عدم توفره".
بعدها، نُقلت ليان إلى مراكز التحقيق وخضعت لتعذيبٍ قاسٍ لأكثر من أسبوعين، ووجّه الاحتلال لها تُهمة المشاركة في فعاليات نقابية. إلّا أنّ عدم اعترافها بذلك زاد من حقد المحققين عليها. ويقول والدها: "احتجزوا ليان في زنزانة فيها كاميرات مراقبة، وتعرضت لشتائم متواصلة من قبل جنائيين في الزنازين المقابلة. إلّا أنّ نقلها المتكرر من سجن هشارون المقام في شمال فلسطين المحتلة إلى سجن عوفر غربي رام الله لاستكمال التحقيق كان وسيلة أخرى للضغط عليها وإرهاقها، لكنّها صمدت صموداً يُشهد له، وفق زميلاتها اللواتي تحررن قبلها من الأسر".
لم تتمكّن العائلة من زيارة ليان منذ اعتقالها سوى مرتين، بعد وقف الاحتلال زيارات أهالي الأسرى الفلسطينيين بحجة كورونا، لكن، تصلهم منها رسائل مطمئنة نسبياً، كما يوضح الأب. ويقول: "هي شعلة من الحيوية والنشاط، فاندمجت سريعاً في حياة الأسر، كونها شاعرة تكتب الخواطر والمقالات وتنظم القصائد. استثمرت وقتها في المطالعة والمشاركة في الدورات الثقافية والاجتماعية وغيرها مما يعقد للأسيرات. كما خطّت قصائد تروي حكايات صمود وثبات الأسيرات على الرغم من المعاناة والوجع". والخطوة الأبرز في مسيرة ليان الاعتقالية هي إشرافها حالياً على تدريس الأسيرات غير المتعلمات، لا سيما الصغيرات.
وتُلاحق سلطات الاحتلال الطلاب الفلسطينيين بشكلٍ متواصل، وتستدعي عدداً منهم وتعتقل عدداً آخر، في محاولة لتصوير العمل الطلابي وكأنّه عمل خطير على أمن المنطقة.
في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومراكز التحقيق حالياً 41 أسيرة، من بينهن طالبات جامعيات منهن واحدة في الدراسات العليا. وتحاكَم الطالبات بتهم تتعلّق بعملهن الطلابي والنقابي داخل الجامعة، إذ يتهمهن الاحتلال بالمشاركة في أنشطة طلابية تدّعي أنّها تمسّ بأمن المنطقة، وما زالت ثلاث منهن يقبعن في سجن "الدامون" بانتظار صدور أحكام بحقهن.