استمع إلى الملخص
- رغم الحريات الجديدة، لا تزال هناك مخاوف من تأثيرات الماضي، حيث كان النظام السابق يعتمد على تجنيد الطلاب لكتابة تقارير أمنية. سقوط النظام أزال هذه القيود، مما سمح للطلاب بالمشاركة في بناء مستقبل سياسي جديد.
- تاريخيًا، كانت الحياة السياسية في الجامعات تحت سيطرة نظام الأسد. ومع إلغاء المادة الثامنة من الدستور، بدأت الجامعات تستعيد دورها في بناء الحياة السياسية، معززة دور الشباب في قيادة التغيير.
تعبر السورية فيروز العلي، الطالبة في كلية الآداب بدمشق، عن سعادتها بالقدرة على النقاش السياسي مع زملائها في الكلية، بعدما أدى سقوط نظام الأسد إلى كسر حواجز الخوف داخل الجامعات. تقول: "بات مألوفاً بالنسبة للشباب التعبير عن ميولهم السياسية من دون خوف من التقارير الأمنية، بعد أن كانت عناصر من أجهزة المخابرات تتولّى التجسس على المدنيين، وخصوصا الطلاب. كأنّني أعيش في مسلسل حمام القيشاني (عرض العمل وقائع تاريخية في حارة سورية)".
وتقول العلي لـ"العربي الجديد": "الحديث السياسي يطغى على جلسات الطلاب بين المحاضرات منذ عاد الدوام إلى الكليات. وتشغل تطورات الملف السوري، وإلى أين يمكن أن تفضي الأمور شريحة الشباب حالياً. نستمع إلى مجموعة كبيرة من الآراء والتحليلات المبنية على المنطق والثقافة السياسية أو على تخمينات لا ترتبط بالواقع بالضرورة. كنا نفتقد هذا المناخ في الحياة الجامعية الأمر الذي كان يؤثر سلباً على وعي الشباب بقضايا بلده. كنا ملزمين بالصمت حتى في جلسات الرفاق الموثوقين، خشية أن تكون ثقتنا في غير محلها، فينتهي بنا المطاف في جلسة تحقيق داخل أحد الأفرع الأمنية التابعة لنظام بشار الأسد".
من جهته، يبدي أحمد عبد اللطيف الذي يدرس بكلية طب الأسنان في جامعة دمشق، مخاوفه التي تبدو "مشروعة" بالنسبة إليه، إذ أن كثرة الأخبار السياسية والأمنية تتفاعل في جلسات الحوار والأصدقاء. والأصوات التي ترتفع اليوم لمناقشة أي قضية تشير إلى أن شريحة الشباب كانت مكبوتة سياسياً بقرار من نظام الأسد، لأنها الشريحة الأكثر قدرة على إحداث التغيير. أمر جعله يعمل على قمع الطلاب الجامعيين وتكميم أفواههم من خلال تجنيد تعداد كبير من الطلاب لكتابة التقارير، ولا يبدو أن الطلاب سيتمكنون من معرفة من كان يكتب التقارير على وجه الدقة بسبب احتراف المربعات الأمنية، وبالتالي ضياع الأدلة المادية على كتاب التقارير وعملاء المخابرات".
حواجز الخوف انتهت في سورية
بدوره، يقول أمجد البركو الذي يدرس الطب البشري، إنه "من الطبيعي سماع صوت الشباب عالياً خلال هذه الفترة. كل حواجز الخوف من الحديث في السياسة انتهت مع سقوط بشار الأسد. ومن الطبيعي جداً أن يكون هناك تضارب في الآراء بين الطلاب الجامعيين. مستويات الثقافة متفاوتة بينهم، وهذا لا يرتبط بمستويات التعليم. كما أن الميول السياسية باتت أكثر وضوحاً لدى مختلف الشرائح الطلابية، لأن كثيرين كانوا يخفون أفكارهم السياسية خوفاً من مخابرات النظام التي يمكن أن تقتاد الطلاب من داخل المحاضرات إلى جهة لا يعلم بها أحد. ولا يمكن لأي كان أن يسأل عنه حينها. فالسؤال عن أحد المقبوض عليهم بتهمة سياسية يعد جريمة في حد ذاتها. اليوم، أخوض النقاشات مع الطلاب من مختلف التوجهات السياسية"، لافتاً إلى أن الطلاب أو شريحة الشباب هي أكثر الشرائح المطاَلبة بتحمل مسؤولياتها خلال المرحلة الحالية والمستقبلية، لضمان حياة سياسية ومجتمعية تمكن من بناء اقتصاد قوي في سورية.
في 26 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة تصريف الأعمال السورية، قراراً يتيح للطلاب المنقطعين عن الدراسة في المرحلة الجامعية الأولى والدراسات العليا بسبب مواقفهم السياسية منذ عام 2011، التقدّم بطلبات للعودة إلى قيدهم السابق في الجامعات العامة والخاصة على حد سواء.
الحديث في السياسة كان قد وجد لنفسه مكاناً بين شريحة ضيقة من الطلاب إثر أحداث 2004 في مدينة القامشلي (اندلعت مواجهات عنيفة بين الأكراد وبعض العشائر العربية سرعان ما تدخلت فيها قوات الأمن السوريّة، ثم امتدت الاضطرابات إلى بقية المناطق الكردية واستمرت ستة أيام). واتّهم نظام الأسد في ذلك الوقت أحزاباً كردية بالتحرّك للانفصال، وترك للطلاب من أبناء المنطقة الشرقية في المدن الجامعية قمع أي نشاط طلابي كردي آنذاك. وغالباً ما تحول أي تحرك إلى شجار جماعي ينتهي بتدخل الأمن لاعتقال الطلاب الأكراد فقط.
وتكررت التجربة عام 2011، إذ كانت تحركات الطلاب وتجاوبهم مع الثورة السورية تقمع داخل الحرم الجامعي والسكن الطلابي، من طلاب وصفوا لدى قيادات الحزب بـ"الفعالين". وكانت التظاهرات أو التجمعات الطلابية التي تنادي بالحرية والتغيير تنتهي بشجار جماعي، ثم تتوالى التقارير الأمنية إلى مخابرات النظام وتتضمن أسماء الطلاب الذين شاركوا في التظاهرة ليصار إلى اعتقالهم.
تغيرت الصورة كثيراً اليوم من وجهة نظر سوسن يونس، التي تدرس الحقوق في جامعة دمشق. وتقول لـ"العربي الجديد": "سقوط بشار الأسد أزاح الأقفال عن أفواه الشباب. اليوم بتنا قادرين على التعبير عن ذواتنا وعن معتقداتنا السياسية. ورغم أن الأيام الأولى من سقوط النظام أفضت إلى وجود شحنة عاطفية لا يمكن وصفها بالطائفية، إلا أن هذه الشحنة انتهت سريعاً لدى غالبية الطلاب. وبات البحث عن مستقبل جيد للبلاد يجمع غالبية من يتناقشون في السياسية وإن اختلفوا في التوجه السياسي والرأي والطريقة التي يعربون فيها عن هذا الرأي. عليه، فإن سقوط النظام أعاد للجامعات دورها الريادي في بناء الحياة السياسية للبلاد، ولن يكون هناك من يقود الشباب بعصا المخابرات بعد اليوم".
دجّن نظام الأسد الحياة السياسية في الجامعات خصوصاً، وفي سورية عموماً، من خلال إجباره الأحزاب التي كانت موجودة في سورية قبل أن تتشكل دولة الأسد، على الدخول في ائتلاف أحزاب يسيطر عليه بشكل مباشر تحت مسمى "الجبهة الوطنية التقدمية" التي بدأت أعمالها عام 1972. وهي الطريقة التي تمكن من خلالها حافظ الأسد من منع الأحزاب من العمل التنظيمي داخل الجامعات والأوساط الشابة، تاركاً لنفسه هذا الحق دوناً عن حلفائه المفترضين.
وعلى امتداد العقود الماضية من عمر الدولة السورية، كان من النادر أن يجاهر طالب بالانتماء إلى غير حزب البعث وفقاً للدستور حتى عام 2012. وعلى الرغم من أن بشار الأسد عمل على شطب ما يعرف بالمادة الثامنة من الدستور، التي كانت ترسخ البعث "حزباً قائداً للدولة والمجتمع"، إلا أنها بقيت فاعلة من خلال تحكم الحزب بـ"اتحاد الطلبة".
وعلى الرغم من كون الأخير منظمة طلابية، إلا أن انتخاباته كانت تتم وفقاً لما يسمى بـ"الاستئناس الحزبي"، إذ يُنتخب ضعف العدد المطلوب لقيادات الاتحاد الفرعية والمركزية، وتقوم قيادة حزب البعث المركزية بتسمية من تراهم موثوقين ومناسبين لها من بين هؤلاء، علماً أن كل طلاب الجامعات يصفون انتخابات اتحاد الطلبة بـ"الصورية"، إذ لا ينجح في الاستئناس إلا من ترضى عنهم القيادة أساساً، ولا مجال للخطأ نهائياً.