"يدخل النزاع السوري الذي يعد أحد أكثر النزاعات دموية في العالم عامه الثاني عشر بما له من تأثير مدمر على الأطفال ذوي الإعاقة"، بهذه العبارة لخصت الباحثة في مجال الإعاقة في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أمينة سيريموفيتش، حال الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في سورية، خصوصاً في الشمال السوري، إذ تبذل الجهود من قبل عدة أطراف لنيل هؤلاء الأطفال حقهم من التعليم بكافة أشكاله، في ظل تحديات صعبة.
يسلط مدير مركز الجسر الذهبي لذوي الاحتياجات الخاصة وسيم ستوت، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، الضوء على أهمية تعليم هذه الفئة، سواء التعليم الأساسي أو المهني، وحتى الرياضي، ليكون لهؤلاء الأطفال فاعلية في المجتمع، مشيراً إلى أنّ مركزه يقدم الرعاية التعليمية والمهنية والصحية والرياضية، وأن الفكرة انطلقت عبر مبادرة من والدته في بدايات الثورة، حين اكتشفت أنّ أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة زادت خلال الحرب، سواء بسبب الإصابات، أو نتيجة زواج الأقارب والزواج المبكر، وأن هذا يفاقم الأزمات النفسية، فمع الحرب المستمرة، يعاني من فقد يده، أو قدمه، أو عينه بشكل أكبر من غيره، وبالتالي يجب عدم تهميشهم، وتمكينهم ودمجهم في المجتمع. ويضيف ستوت: "لا يخلو الطريق من صعوبات وتحديات، خاصة التكلفة المالية التي تعد العائق الأساسي لأي مشروع، فالمركز غير مدعوم، والعاملون متطوعون، ولا كفاءات متخصصة في هذا المجال، ونحاول العمل على دورات تدريب. لدينا مدرسون، لكنّهم ليسوا متخصصين في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وفي ظل عدم وجود جهة داعمة، فإننا نعاني من عجز متكرر عن تغطية تكلفة الدورات وتأمين رواتب المعلمين".
ومن بين الصعوبات الأخرى التي يواجهها المركز أنّ المكان ليس مجهزاً لذوي الاحتياجات الخاصة. لكن، رغم الصعوبات هناك طموحات، إذ يسعى مركز الجسر الذهبي إلى إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في مجتمع آمن، وأن يتمكن بعضهم من استكمال التعلم والتخرج للعمل أو ممارسة الرياضة، لكنّ كل ذلك يحتاج إلى دعم، معنوي، وإعلامي، ومادي أيضاً.
في الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريراً بعنوان "كان من الصعب حقاً حماية نفسي"، شددت فيه على أن الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة معرضون للأذى، ويفتقرون إلى الخدمات الصحية، والتعليم، والمساعدات الإنسانية لحماية أنفسهم. وركزت المنظمة في تقريرها على منطقة شمال غربي سورية المكتظة بذوي الاحتياجات الخاصة، والذين يفتقرون إلى البنية التحتية المناسبة لظروفهم.
تتحدث مديرة مركز الأمل لتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة في ريف إدلب الشمالي غنوة نواف، لـ"العربي الجديد"، عن فكرة إنشاء المركز، قائلة إنها كانت عضواً في لجنة حماية الطفل، وفي لجنة تمكين المرأة، وعملت سابقاً مع الأطفال ممن لديهم متلازمة داون، ومن لديهم نقص أكسجة وضمور، في حلب، كما كانت متطوعة في عدة فرق خدمية تقدم الدعم النفسي لأطفال المخيمات. تتابع: "خلال عملي، رأيت الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحتاجون لدخول المدارس، وعندما كنت أسأل ذويهم عن أسباب عدم ذهابهم إلى المدرسة، يجيبون أنّها لا تقبلهم. عندها قررت إنشاء المركز، وفريقنا المتطوع لديه خبرة جيدة، وكلّ ما يهمنا هو مصلحة الطفل، وتعريف المجتمع بالطفل بشكل صحيح، فلا نريد أن يبقى مهمشاً، وهدفنا تأهيل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ودمجهم في المجتمع، ولدينا مدرسون مختصون ذوو خبرة، وحقق المركز عدة قصص نجاح". تلفت نواف إلى أنّ المركز يرعى نحو 100 طفل حالياً، وهذا يعتبر إنجازاً رائعاً لأنّ العاملين متطوعون، والإمكانات محدودة، لكنّ الجميع يعملون بشغف من أجل رعاية الأطفال.
ويعلّق أيضاً: "واجهتنا الكثير من الصعوبات والتحديات، ومنها توفير الكوادر، وأجور النقل، وإيجار المبنى، وكلّها لوجستيات تحتاج إلى تمويل كبير. المركز يخدم الأطفال ممن لديهم متلازمة داون وتوحد، كما أطفال الإعاقة السمعية، ويوفر معلمين للغة الإشارة، ولدينا أيضا 150 طفلاً على قائمة الانتظار، ولم نستقبلهم في المركز لعدم توفر تمويل كافٍ، وكانت لدينا شراكة مع منظمة بنيان لمدة ثمانية أشهر، لكنّها انتهت، ونتطلع إلى جهة تدعم مشروعنا حتى لا نضطر إلى إغلاق المركز، وفي رؤيتنا المستقبلية، سنتيح تدريبات مهنية لمن لديهم متلازمة داون من عمر 4 إلى 15 سنة".
تحاول بعض المنظمات الإنسانية في شمال غربي سورية أن تدمج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة بالتعليم، بما يتناسب مع ظروفهم الصحية، ومد جسور التعاون بين المدارس ومراكز التعليم المتخصصة. تقول فاطمة (38 سنة) وهي والدة طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، لـ"العربي الجديد"، إنّ ابنها البالغ من العمر 7 سنوات لديه توحد، ومع بلوغه سنّ الخامسة كانت موقنة أنّه يستحيل عليه التأقلم في أيّ من رياض الأطفال، وحاولت تعليمه في المنزل مستعينة بأطباء ومدربين عن طريق الإنترنت، لكنّ الفائدة كانت محدودة للغاية، وتضيف: "منذ العام الماضي، يذهب ابني إلى أحد المراكز الخاصة بتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، وأصبح متعلقاً بالمركز، ويحب الذهاب يومياً". تتابع: "عندي طفل آخر، لكنّني أخشى على طفلي الذي لديه توحد أن يعيش منبوذاً. التعليم فرصة له ليندمج في المجتمع، ليكون يوماً من الأيام فاعلاً".