تصرخ الطفلة الفلسطينية ليان الباز "لا أريد أطرافاً اصطناعية، ازرعوا لي ساقي"، في كل مرة يوقظها الألم الحاد في المستشفى حيث ترقد وقد تملكها الرعب بعدما بُترت ساقاها، فيما عمليات القصف الإسرائيلي تحصد مزيدًا من الضحايا في قطاع غزة.
ترفض الفتاة البالغة 13 عاما التي التقاها فريق وكالة "فرانس برس" في قسم الأطفال في مستشفى ناصر في خانيونس، في جنوب قطاع غزة، أن تتصور نفسها مع أعضاء اصطناعية، هذا إن تمكنت من الحصول عليها في القطاع الذي يفتقر إلى سبل البقاء الأساسية.
"لا أريد أطرافا صناعية، أريد أن يزرعوها ثانية ـ ليست مقطوعة تماما بإمكانهم إعادة زرعها"
وتؤكد صارخة: "لا أريد أطرافا اصطناعية، أريد أن يزرعوها ثانية ـ ليست مقطوعة تماما بإمكانهم إعادة زرعها".
وتروي قائلة: "ذهبت يوم الخميس إلى منزل أختي بعد ولادتها طفلها الأول حتى أعتني بها، فجأة استيقظت ووجدت نفسي في المستشفى". وفي كل مرة تفتح عينيها مع تلاشي مفعول مسكنات الأوجاع ترى ساقيها المضمدتين.
توضح والدتها لمياء الباز أن ليان أصيبت الأسبوع الماضي في قصف حي القرارة في خانيونس.
تقصف إسرائيل دونما هوادة قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وسط كارثة إنسانية تعالت معها الأصوات المطالبة بهدنة ووقف إطلاق النار، لكنها صرخة في واد.
وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحركة حماس، السبت، ارتفاع حصيلة الضحايا في قطاع غزة منذ بدء الحرب إلى 9488 شخصا، بينهم 3900 طفل و2509 نساء.
وتسأل ليان التي غطت الجروح وجهها وذراعيها أيضا: "كنت أحلم أن أصبح ممرضة أنا وصديقاتي، كيف سأعود إلى المدرسة وصديقاتي يمشين وأنا لا أستطيع المشي؟".
وتتابع: "الأطراف الاصطناعية يتم فكها، لا أريد ساقين يمكن فكهما، أريدهما ثابتتين".
وتحاول والدتها طمأنتها بالقول: "سأكون بجانبك يا ماما، أنت بخير الحمد لله وستكونين بأفضل حال، ما زال المستقبل أمامك".
وتروي الوالدة البالغة 47 عاما أن القصف أودى بحياة ابنتيها إخلاص وختام وحفيدين أحدهما رضيع وُلد قبل أيام. وكانوا جميعا في منزل إخلاص التي وضعت مولودها للتو.
واضطرت الوالدة إلى التعرف على جثتي ابنتيها في المشرحة وتقول: "كانتا أشلاء. تعرفت على ختام من قرطها وعلى إخلاص من شكل أصابع قدميها".
"سأكون قوية؟"
تتلقى لمى الآغا البالغة 14 عاما وشقيقتها ساره البالغة 15 عاما العلاج في قسم الحروق وترقدان في سريرين متجاورين، بعدما أصيبتا في ضربة في 12 أكتوبر/تشرين الأول. وبين السريرين، تجلس والدتهما حابسة دموعها.
وقتلت في القصف سما شقيقة سارة التوأم وشقيقهما الأصغر يحيى وعمره 12 عاما، على ما توضح الوالدة.
وتظهر على رأس لمى التي حلق شعرها جزئيا غرز وآثار حروق وعلى جبينها أيضا.
تقول لمى: "نقلوني إلى هنا... طلبت منهم أن يساعدوني على الجلوس، حين فعلوا اكتشفت أن ساقي بترت".
وتضيف: "شعرت بألم وضيق كبير في صدري، لكني حمدت ربي أني ما زلت على قيد الحياة". وتتابع قائلة: "أحلم منذ صغري أن أصبح طبيبة، سأركب طرفا اصطناعيا وسأواصل دراستي وهوايتي، سأكون قوية من أجلي ومن أجل أهلي".
يوضح الطبيب ناهض أبو طعيمة، مدير مستشفى ناصر، أنه أمام العدد الكبير من الجرحى وبسبب النقص في الإمكانيات المتاحة، "لا يجد الأطباء أمامهم خيارا آخر غير البتر لتجنب المضاعفات".
ويؤكد: "أحيانا يكون القرار صعبا جدا، إذ نضطر للمفاضلة بين إنقاذ حياة المصاب أو إنقاذ الطرف المصاب".
"أين ساقي؟"
يرتدي أحمد أبو شحمة البالغ 14 عاما قميص كرة قدم مع سروال قصير وهو محاط بأبناء عمه، ويمشي متكئا على عكازين في باحة منزله الذي تحول إلى أنقاض في شرق خانيونس حيث كان يمارس هذه الرياضة.
حين استيقظت سألت أخي أين ساقي، قال لي إنها موجودة لكني لا أشعر بها بسبب البنج، ضحك علي حتى الصباح ثم أخبرني ابن عمي"
وقد بترت رجله اليمنى بعدما أصيب بقصف دمر المبنى الذي تسكنه عائلته، ما أدى إلى مقتل ستة من أبناء عمومته وزوجة عمه.
ويروي قائلا: "حين استيقظت، سألت أخي أين ساقي، قال لي إنها موجودة لكني لا أشعر بها بسبب البنج، ضحك علي حتى الصباح ثم أخبرني ابن عمي".
ويروي الفتى: "كنت أبكي وأتوقف عن البكاء وأقول الحمد لله ثم أعاود البكاء".
ويضيف: "أول ما بدر في ذهني أني لن أتمكن من المشي ولعب كرة القدم التي أمارسها يوميا في الحارة وفي الأكاديمية، التي التحقت بها قبل الحرب بأسبوع".
وأحمد من مشجعي نادي برشلونة الإسباني، في حين يشجع أبناء عمه غريمه الرئيسي ريال مدريد الإسباني أيضا.
ويقول ابن عمه فريد أبو شحمة: "لو ترجع الأيام والوقت للوراء وترجع لأحمد رجله لشجعت فريقه وتخليت عن ريال مدريد".
( فرانس برس)