هل يمكن أن تكون ثمّة صحراء سائلة؟
عندما ذكر ذلك الصياد السنغالي أنّ الصيادين باتوا يجوبون صحراء سائلة ولا يحصلون على ما يكفي لإطعامهم، تعبيراً عن قلة الأسماك في المحيط، كان يريد الحديث عن تكاثر القوارب الكبيرة المبحرة من بعيد التي تجمع أسماكهم بما يفوق قدرة قواربهم الصغيرة والتي يُذهب بها إلى ما وراء الأفق. لم يكتفِ الغرباء بذلك، بل أقاموا مصانع على شواطئ البلاد لمعالجة الصيد الوفير وتحويله إلى غذاء، ربما كما قيل لهم للخنازير والحيوانات الأخرى، فيما تتضوّر آلاف الأسر جوعاً.
"في الماضي كان النهر عميقاً ومواسم الصيد طويلة. الآن باتت الأسماك نادرة ويواجه النهر مشاكل عديدة"، هكذا عبّر رئيس اتحاد الصيادين في دلتا النيجر جبار دينيبو عن حالهم. فالأمر عندهم لم يعد كما كان، فقد بات عدد الذين يعيشون من صيد الأسماك في المنطقة في تراجع مستمر في أكبر منطقة رطبة في غرب أفريقيا.
من يصدّق أن يجوع البشر هنا؟
هنا حيث يخرج نهر النيجر، العملاق الأفريقي الذي ينبع من مرتفعات سيراليون وغينيا، عن مساره الطبيعي لينقسم إلى فروع، مشكلاً جغرافيا بيئية وبشرية استثنائية تعايش فيها آلاف الصيادين والمزارعين ومربّي المواشي ردحاً من الزمن، قبل أن تضربها موجة التغيّرات المناخية وينقلب ثراؤها البيئي فقراً وتتزايد رقعة الصحراء وتنضب الموارد وتتبدّل أنماط العيش التقليدية. ومنذ ذلك الحين، لم تعد المواسم واضحة والتناغم الذي كان سائداً بين السكان لم يعد قائماً.
الصحراء باتت تقضم الأرض الرطبة شيئاً فشيئاً، وتبتلع في كلّ عام مساحة من حوض النهر نفسه، على حدّ قول مدير هيئة تنمية الصيد البحري في الدلتا حميدو توري، الذي أضاف أنّ "الأرصفة الرملية تقطع عن النهر مناطق كانت منتجة جداً، والآن لم تعد مليئة بالأسماك". نعم.. لم يعد النهر يؤمّن لقمة العيش.. فماذا يتبقى لهؤلاء سوى السفر؟
مجبرون على السفر إلى المجهول في استعادة لحياة الأجداد، من دون أن يُقال عنهم إنّهم نازحون بيئيون، بل أصبحوا ينعتونهم بالمهاجرين لكأنّهم اختاروا الأمر بمحض إرادتهم. إنّهم كأسلافهم بلا خيارات، وبلا قدرة على مجابهة الآخر الذي طمع في خيراتهم وعرف كيف يستغلها في نمط جديد من الاستغلال.
كتب جون هينلي في صحيفة ذا غارديان البريطانية، في سبتمبر/ أيلول 2021، أنّ "معهد الاقتصاد والسلام في سيدني بأستراليا توصّل إلى أنّ 1.2 مليار شخص يعيشون في 31 دولة ليست لديها المرونة الكافية لتحمل التهديدات البيئية"، أضاف أنّ "19 دولة من بين هذه الدول تواجه أكبر عدد من التهديدات، بما في ذلك نقص المياه والغذاء والتعرّض الأكبر للكوارث الطبيعية، وهي أيضاً من بين أقلّ 40 دولة سلمية في العالم".
إذن هي تهديدات تتجدّد في كلّ يوم، وليست الصحراء السائلة وحدها التي غيّرت ديموغرافيا مناطق عديدة هشّة بيئياً.
(متخصص في شؤون البيئة)