تواجه السويد صعوبة في استقطاب نحو 10 آلاف شرطي إضافي لمواجهة تحديات متزايدة في البلاد مع زيادة ملحوظة في الأعمال الإجرامية العنيفة التي ترتكبها عصابات في السنوات الأخيرة. وقد وضعت حكومة استوكهولم هدفاً قبل وقت قصير يقضي بتجنيد ذلك الرقم الكبير بحلول عام 2024، ولكنّه هدف يصطدم بالواقع الذي يصفه خبراء محليون بأنّه صعب التحقيق.
على الرغم من توفير الموارد والجهود، فإنّ آلاف المتقدّمين إلى امتحانات القبول في كليات الشرطة يفشلون فيه. وفي حين تلجأ الحكومة إلى تسهيلات لتوظيف آلاف في سلك الشرطة من بينهم أشخاص مدنيون لم يتلقوا دراسة في الأكاديميات، بسبب الحاجة الماسة إلى دعم أعمال الشرطة الميدانية، فإنّ جهاز الشرطة يرغب في أن يكون 70 في المائة من موظفيه خرّيجي كلياته. وتشير الأرقام الرسمية في شرطة السويد إلى أنّ فصول التعليم الأخيرة شهدت انخفاضاً في عدد الملتحقين بها بنسبة 40 في المائة، ما يعني أماكن شاغرة لم يتمكّن حتى أبناء المهاجرين من تلبية شروطها. وينتقد خبراء جامعيون في مجال الأمن الاجتماعي في جامعة استوكهولم تعقيدات شروط الالتحاق بالشرطة، إذ من شأن ذلك أن يصعّب تأمين مزيد من العناصر لجهاز اضطر في السنوات الأخيرة إلى مواجهة عشرات جرائم القتل بالسلاحَين الناري والأبيض، وتفجيرات تطاول مدناً كبرى في البلاد.
وتُبيّن تقارير للشرطة صادرة في نهاية أغسطس/ آب الماضي أنّ الأشخاص المتحدرين من أصول أجنبية يواجهون صعوبة أكبر في اجتياز تلك الاختبارات، مقارنة بالأشخاص من أصول سويدية. وعلى الرغم من مساعي الجهاز الأمني السويدي إلى زيادة التنوّع في داخله، فإنّ نسبة 6.5 في المائة من عناصر الشرطة السويدية هم من أصول مهاجرة/لاجئة، مع العلم أنّ هؤلاء يشكلون نسبة معتبرة في المجتمع السويدي، خصوصاً في العاصمة استوكهولم التي تضمّ نحو 20 في المائة من السكان من أصول أجنبية، عدا عن ضواحي مدن الجنوب مثل مالمو وغوتنبرغ اللتَين تعانيان كذلك من نقص في أعداد عناصر الشرطة. وبالنسبة إلى مدير قسم في الموارد البشرية في الجهاز الأمني، ماكس لوتمان، فإنّه "من المهم أن تمثّل الشرطة المجتمع الذي نعمل فيه"، في إشارة إلى رغبتهم في أن يعكس الحضور الأمني الخلفية العرقية لسكان المناطق حيث تعمل الدوريات وتقوم المراكز.
وتشير التقارير الرسمية الصادرة عن إدارة الشرطة في استوكهولم إلى أنّ 20 في المائة من المتقدّمين إلى اختبارات القبول في السنوات الماضية كانوا من أصول أجنبية، فيما لم تنجح إلا نسبة ضئيلة منهم في اجتيازها واستيفاء المتطلبات الصارمة. وقد سجّلت مراكز الاختبارات في عام 2020، بحسب أرقام الشرطة نفسها، تقدّم 2896 شخصاً من أصل سويدي و587 من أصول أجنبية، وقُبل من الفئة الأولى 548 شخصاً (19 في المائة) ممّن اجتازوا الاختبارات فيما لم يجتزها من الفئة الثانية إلا 51 شخصاً (تسعة في المائة)، وهو ما يعطي صورة عن معدلات السنوات السابقة التي تفيد الأرقام بأنّها تدور حولها.
وبحسب التلفزيون السويدي فإنّ ما يركّز عليه الاختبار الأوّل الخاص بالقبول في الشرطة يشمل التفكير المنطقي والسمات الشخصية وصحة المتقدّم. وبينما يُقبَل شخص واحد من بين كلّ خمسة متقدّمين من أصول سويدية لينتقل إلى الاختبارات التالية، فإنّ واحداً من بين كلّ عشرة من أصول أجنبية يجتازها. ومن التفسيرات التي يقدّمها خبراء سويديون فإنّ اللغة تؤدّي دوراً كبيراً هنا. فإذا لم تكن السويدية هي اللغة الأم، فذلك يصعّب على الشبان والشابات من أصل أجنبي تجاوز الاختبارات، على الرغم من أنّ جهاز الشرطة يتحفّظ على اعتبار عامل اللغة أحد أسباب الرسوب.
بالنسبة إلى الباحث في مجال علم نفس العمل في جامعة استوكهولم، أندرس شوبيرغ، وهو خبير سابق في الشرطة، فإنّ اللغة تؤدّي دوراً، ويقترح لتجاوز تلك العقبة "إدخال المهارات اللغوية الأخرى مثل الإنكليزية، بالإضافة إلى السويدية، كمعيار تقييم إضافي في الاختبارات، إذا كان جهاز الشرطة يرغب فعلاً في تحقيق التنوّع العرقي في صفوفه". ويفرّق هذا الخبير بين "الرغبة السياسية في التنوّع وعملية تطبيقه كنموذج في العمل". ففي السويد ككلّ التي تضم ملايين من المتحدرين من أصول أجنبية، لا يتجاوز عدد ضباط شرطتها من تلك الأصول 1200 شخص.
ونقل التلفزيون السويدي عن ضابطة شرطية تُدعى ريسا سيدو، ولدت في توغو بأفريقيا ونشأت في فرنسا وحضرت إلى السويد في سنّ العشرين، أنّ الشرطة السويدية تحتاج إلى مزيد من الضباط من أصول تناسب تلك المناطق التي تشهد كثافة سكنية مهاجرة. وتؤكد سيدو أنّه "إذا تحدّثنا عن العنف المميت الذي يحدث في مناطق سكنية من خلفيات مختلفة، فإنّ وجود عناصر شرطة بلون بشرة داكنة أمر يساعد في تجنّب ذلك العنف مع إشاعة الثقة بنا"، لافتة إلى أنّ "أمّاً قد تسرّ لي أنّ ابنها يخبّئ مسدساً أو هي تخشى تسكّعه مع الأصدقاء الخطأ".
وتسهيل شروط الالتحاق ليس في وارد كليات الشرطة في السويد، بحسب ما أتى في تعقيبها الأخير على تقارير تبيّن قلقاً من عدم استقطاب 10 آلاف ملتحق بها في السنوات الثلاث المقبلة، وذلك لأسباب تتعلق بمعايير عالية مرتبطة بقوانين البلاد وفهم أدوار الجهاز في مجتمع لم يكن يشهد فورة في أعمال العنف والجريمة كالتي يشهدها منذ أكثر من 10 سنوات. تجدر الإشارة إلى أنّ محاولة التغلب على المصاعب والعقبات لا يقوم بها جهاز الشرطة بنفسه بمعزل عن خبرات الجامعات السويدية والمختصين في القضايا الاجتماعية وفي علم نفس العمل. ويكشف شوبيرغ أنّ باحثين كثراً عمدوا إلى فحص عملية القبول في برنامج الشرطة لتفسير رفض أعداد كبيرة من الأشخاص، موضحاً أنّ الفحص العلمي من خلال اتفاقية مع الشرطة يساهم في تقديم مقترحات علمية وأكاديمية لتجاوز الشرطة مشكلة النقص الكبير في أعداد الملتحقين بها.
وسوف تحاول الشرطة السويدية ابتداءً من الشهر الجاري تجربة بعض المقترحات التي تلقّتها من الخبراء، بعدما جعلت الالتحاق مفتوحاً طيلة أشهر العام بدلاً من حصره في الشهر الرابع من كلّ سنة. ويحاول مختصون في الشؤون الاجتماعية في مجتمعات الهجرة تغيير النظرة النمطية السلبية حول التحاق شبابها بسلك الشرطة، إذ ثمّة من ينظر، خصوصاً من الفئة الشابة، إلى الشاب أو الشابة الملتحقَين بسلك الشرطة نظرة سلبية. وهذه عقبة اجتماعية أخرى واجهتها كذلك مجتمعات الهجرة في الجارة الدنمارك، علماً أنّ بعض أشكال التمييز والعنصرية اضطرّت شباناً من أصول عربية في كوبنهاغن إلى الاستقالة من الجهاز الأمني.