شجرة بعمر حفيدها مصطفى البالغ سبعة عشر عاماً حالياً هي الشيء الوحيد الذي حرصت الجدّة المقدسية نورة صب لبن "غيث" على استرداده وتخليصه من داخل منزلها الذي استولى عليه مستوطنون متطرفون بقرار من محاكم الاحتلال الإسرائيلي في عقبة الخالدية بالبلدة القديمة في القدس الأسبوع الماضي.
ليست "شجرة مصطفى" شيئاً ثميناً تستعيده نورة من البيت الذي لا يزال يحتوي على مقتنيات كثيرة تشكل ذكرياتها على امتداد سنوات وعقود غير قليلة. وهذه المقتنيات عزيزة جداً عليها لأنها تعيدها إلى مرحلة طفولتها وشبابها حين ترعرعت داخله مع أمها وأبيها وإخوتها وأخواتها، ولا يمكن بالتالي أن تتخلى عن هذه الذكريات الذي لا يمكن أن تعبّر عنها بكلمات قليلة وبسيطة لأنها تسكن في أعماقها، لكن يبدو أن هذا ما حصل.
واستطاعت نورة نقل الشجرة إلى بيت نجلها أحمد، وهو والد مصطفى، في بلدة شعفاط شمالي القدس، حيث باتت تمكث، علماً أن الحفيد مصطفى كان أخرج مع عائلته من بيت جدته في عقبة الخالدية عام 2016. وهكذا عادت الشجرة إليه بعدما كبر وكبرت معه في مكانين مختلفين.
تقول نورة لـ"العربي الجديد": "هذه الشجرة من عمر حفيدي الأول مصطفى. ظلت معي في البيت طوال سبعة عشر عاماً، لذا حرصت على تخليصها وأخذتها معي، وستظل موجودة كي أحافظ عليها، إذ سأرجع يوماً إلى بيتي، وإذا لم أعد سيفعل ذلك أفراد من عائلتي أي أولادي وأولاد إخوتي، ويعيدون الشجرة إلى بيتي المسلوب، وإلى المكان الذي كانت مزروعة فيه في بيت والدي وإخوتي وأولادي".
تتابع: "بيت العائلة مليء بالذكريات. لا تزال تسكنه أرواح كثيرة، وستعود الشجرة مع من يعود من أفراد عائلتي، وسأحتفظ بها حتى إعادتها إلى بيتي الأسير".
وتؤكد نورة أن "كل شيء خلقه الله له طريقته في التعبير، وحالي مثل الشجرة التي انتزعت من مكانها، بعدما أخرجت من بيتي وتركت كل ذكرياتي ورائي، ثم استولى المستوطنون عليه، وداسوا على كل شيء فيه وبينها هذه الذكريات والماضي المليء بالفرح الذي عشته في أرجائه. أراني المستوطنون من النوافذ بعض أثاث منزلي كي يقهروني، وقالوا لي نحن ندوس على كل شيء في الداخل".
ورغم قساوة ما حصل تؤمن نورة بقوة أنها ستعود إلى بيتها المسلوب، وتقول: "سنرجع يوماً إلى أرضنا وبلادنا. هذا ما أقوله لكل العالم. بيتي ليس شهيداً، بل أسير وسأستمر في زيارته ورؤيته كأنه أحد أولادي. لن يكسروني ويصيبوني باليأس، ولن ينالوا من عزيمتي، وبالتالي من بيتي الثمين جداً بالنسبة لي".
شجرة أخرى بقيت في بيت نورة الذي استولى عليه المستوطنون، وهي شجرة صبار زرعتها وسط المنزل، وبقيت أسيرة. وهي تؤمن أنها ستخلصها لاحقاً.
وبين المقتنيات التي تركتها نورة داخل المنزل الأثاث الذي يتباهى المستوطنون بأنه بات معهم، إضافة إلى لوحتين فنيتين إحداهما بعنوان "صامدون في القدس" رسمتها الفنانة رنا بشارة، وأخرى لفتاة من مخيم عناتا شمالي القدس.
تقول نورة: "هناك أشياء لا يمكن أن تأخذها من المنزل، وهي ذكرياتي في أرجائه مع أمي وإخوتي وشقيقي الكبير وأولاده وشقيقاتي. وهذه ذكريات محفورة وموجودة في كل زاوية، وستبقى طالما بقي البيت أسيراً ينتظر عودة أصحابه الشرعيين بعد كنس المحتلين".
وبعد صراع قضائي استمر نحو خمسين عاماً في محاكم الاحتلال الإسرائيلي، وترافق مع عقد عشرات جلسات الاستماع والمرافعات، اقتحمت قوات الاحتلال الثلاثاء الماضي منزل نورة، وسلمته إلى المستوطنين الذين سيطروا عليه، وغيّروا أقفاله، لكن أمل نورة ما زال راسخاً باستعادة منزلها.