مع بداية موسم البرد هذا العام، يحاول ساكنو المخيمات استراق الدفء من أشعة الشمس حيث لا وسائل تدفئة في الخيام، بينما يتم توفير ما تحويه الخيمة من مواد قابلة للاشتعال لاستعمالها للمدفأة بعد مغيب الشمس.
ويتجمع الرجال والأطفال مفترشين الأرض أمام خيامهم وأمام أعين المارة، فيما لا تتمكن النساء من الحصول على هذه الميزة، ويبقين حبيسات الخيام الباردة، بلا شرفات أو مساحة للخروج من الخيمة.
تقول ربا الشمة (28 عاماً)، وهي نازحة مقيمة في أحد مخيمات مشهد روحين، شمال إدلب، إن النازحين يستقبلون موسم شتاء كل عام وهم لا يزالون في مخيمات بدائية لا تقيهم البرد ولا تتيح لهم جانباً من الخصوصية.
الخيام متلاصقة وتفتقر للعديد من مقومات الوقاية من البرد والثلوج والأمطار
وأضافت في حديث لـ"العربي الجديد": "تجتاحني الرغبة في الجلوس تحت أشعة الشمس في هذا البرد القارس، غير أن ذلك غير متاح لنا نحن النساء، الخيام متقابلة، لا تفصلها سوى شوارع ضيقة مكتظة بالمارين، ويتوجب علينا المكوث في الداخل طيلة الوقت".
وأشارت إلى أن الخيام متلاصقة وتفتقر للعديد من مقومات الوقاية من البرد والثلوج والأمطار، والأسوا من ذلك افتقارها للحدائق العامة التي من شأنها أن تخفف مأساة النساء في الخيام.
لا تستطيع الفتاة العشرينية اعتياد حياة الخيام بسهولة، وتقول: "هي أشبه بالسجن الكبير الذي يضع ضوابط لتحركاتنا وتصرفاتنا وحتى أنفاسنا نحن النساء، أتمنى ألا يطول الأمر أكثر من ذلك، لأنني أشعر بأنني لم أستطع التأقلم حتى الآن وشارفت قدرتي النفسية على التحمل على الانتهاء".
أما سليمة سلطان (25 عاماً)، النازحة إلى أحد مخيمات الكمونة، شمال غرب إدلب، فهي تشعر بالضيق، إذ لا يحق لها الخروج من الخيمة إلا لقضاء الحاجة أو لنشر الغسيل وعلى مرأى من الناس الذين تلاحقها أعينهم وكأن ما يرونه شيئا غريبا.
وقالت إن رجال المخيم قلما يجدون عملا ما، ويقضون جل أوقاتهم يجلسون في شوارع المخيم للتعرض لأشعة الشمس والتسلية ومراقبة المارين، بينما تعيش المرأة في مخيمات النزوح ظروفاً قاهرة تفتقر لأبسط حقوقها في توفير مساحة آمنة من الحرية الشخصية حتى ضمن خيمتها.
وأوضحت أنه منذ إقامتها وعائلتها في المخيمات فقدت معنى الخصوصية في حياتها الأسرية ضمن الخيمة الصغيرة ومع الخيم الأخرى، فالجدار مشترك مع خيمة جيرانها، وأحاديثهم تصل إلى مسامعها وكأنهم في منزل مشترك، فلا تشعر أنها مستقلة أو بعيدة عن مراقبة الآخرين.
وتتابع "عانيت كثيراً في الخروج إلى الحمامات العامة قبل أن أقتطع حماماً خاصاً داخل خيمتي، كنت أشعر بكثير من الحرج والخوف أيضاً عند أخذ أحد أطفالي لقضاء حاجته ليلاً".
وتشكو سليمة من إصابة أطفالها بضيق التنفس والأمراض الصدرية طوال فصل الشتاء، وأكثر ما تحتاجه في هذا الموسم هو وجود فسحة خاصة للتنفس أو حديقة يتمكنون من الجلوس فيها والخروج قليلاً من أجواء الخيمة والرطوبة والعتمة.
ويشكل ضيق المساحة وانعدام الخصوصية في المخيمات، وعدم الراحة، وانتشار الأمراض والأوبئة، بالإضافة لوجود كتل حمامات عامة، وانعدام النظافة فيها، ووعورة الطرق الطينية هناك، هاجساً وضغوطات وأمراضاً نفسية لدى شريحة كبيرة من نساء المخيمات.
وقالت المرشدة النفسية والاجتماعية ميساء بصيص لـ"العربي الجديد"، إن المرأة في مخيمات النزوح تعاني الكثير من الضغوطات منذ أول ليلة لها في المخيم، وتفقد المرأة النازحة مقومات الأمان والراحة والخصوصية، فالخيام متلاصقة والراحة معدومة، وكثيراً ما ترتبط حياتها بالمصاعب، وتفتقر لمقومات الحياة الأساسية، وخاصة مع غياب أي مظهر من مظاهر الترفيه والتسلية والتنفس.
وتطالب منظمات المجتمع المدني بالسعي لإنشاء حدائق حول كل خيمة أو في كل مخيم على الأقل، لكونها حاجة ملحة ولا تقل أهمية عن المواد الإغاثية والغذائية، فالحدائق هي غذاء الروح والراحة النفسية وفسحة أمل للخروح من الواقع الصعب الذي تعيشه الكثيرات في تلك المخيمات المنسية.