تكشف الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة الأردنية في تقريرها الربعي عن معدل البطالة للربع الثاني من عام 2020، أن نسبة البطالة في الأردن بلغت 23 في المائة (21.5 في المائة لدى الذكور في مقابل 28.6 في المائة لدى الإناث). وأظهرت النتائج أن معدّل البطالة كان مرتفعاً بين حملة الشهادات الجامعية، وقد بلغ 26.6 في المائة مقارنة بالمستويات التعليمية الأخرى، إذ إن نحو 51.6 في المائة من إجمالي العاطلين من العمل هم من حملة الشهادة الثانوية فأعلى. وتباينت نسبة العاطلين من العمل بحسب المستوى التعليمي والجنس. وبلغت نسبة الذكور من العمل من حملة شهادة البكالوريوس فأعلى، 26 في المائة، في مقابل 78.2 في المائة للإناث. وتجاوز عدد الناجحين في الثانوية العامة (التوجيهي) خلال العام الحالي 96 ألف ناجح. ولا يُظهر التقرير الآثار الحقيقية لجائحة فيروس كورونا على معدل البطالة في الأردن، فعند إعداد التقرير، لم تكن بعد المؤسسات الخاصة قد أعلنت تسريح الموظفين، وفقدانهم وظائفهم، وكانت الإجراءات الحكومية الاقتصادية غير واضحة في ذلك الوقت بالنسبة إلى العمل والتشغيل.
ودعت الحكومة الأردنيّة على لسان رئيس ديوان الخدمة المدنية، سامح الناصر، خريجي الثانوية العامة إلى دراسة سوق العمل وتحديد التخصّصات التي تشهد تضخّماً. وعرض أهم المؤشرات التي تضمنتها دراسة واقع العرض والطلب على التخصصات العلمية في الخدمة المدنية، مشيراً إلى أن عدد طلبات التوظيف التراكمي بلغ 388889 طلباً في قاعدة بيانات الديوان، بحسب الكشف التنافسي لعام 2019. ويوضح أن عدد الطلبات الجديدة التي استقبلها الديوان هي 36072 طلباً من خريجي المؤسسات التعليمية، فيما بلغ عدد التعيينات في دوائر الخدمة المدنية 8013. وأعلنت الحكومة العام الحالي وقف التعيينات بسبب انتشار كورونا.
إلى ذلك، يؤكّد مدير "بيت العمال للدراسات" ووكيل وزارة العمل الأردنية السابق حمادة أبو نجمة، لـ"العربي الجديد"، أهمية اختيار التخصصات المطلوبة في سوق العمل، لافتاً إلى أن بعض التخصّصات تشهد تضخماً في سوق العمل الأردني، وقد أعد ديوان الخدمة المدنية لائحة بها للقطاع العام، من دون إعداد أخرى للقطاع الخاص.
ويقول أبو نجمة إن الجامعات ما زالت تُخرّج طلاباً في تخصصات تشهد تضخماً، لافتاً إلى ضرورة اختيار التخصص المناسب من خلال الاطلاع على التخصصات المطلوبة في سوق العمل داخل الأسرة، تجنباً للندم في المستقبل، وخصوصاً أن غالبية أفراد الأسرة يتدخلون في اختيار التخصص. ويرى أن هناك تخصصات مطلوبة، كتلك المرتبطة بالتكنولوجيا والطاقة والطاقة البديلة والهندسة الطبية. في المقابل، إن التخصصات العلمية التي كانت مطلوبة كثيراً في الماضي، كالهندسة وطب الأسنان وغيرها، تشهد تضخماً في سوق العمل.
ويشير إلى أن الهدف من التعليم الجامعي قد يكون من أجل العلم والثقافة، أو للحصول على وظيفة، ما يتطلب التوجه نحو التخصصات المطلوبة في سوق العمل، والتركيز أكثر على التعليم التقني، والابتعاد عن التخصصات الإنسانية. ويقول إن العديد من الجامعات الخاصة في الأردن تتجه إلى توفير التخصصات الإنسانية، باعتبار أن كلفتها أقل، وبعضها لا يحتاج إلا إلى قاعة ومدرس، على عكس التخصصات العلمية التي تحتاج إلى مختبرات مكلفة. ويوضح أبو نجمة أن بعض المهن لا تتطلب شهادة جامعية، منها تلك التجارية وبعض الصناعات، لكن المشكلة تكمن في ثقافة المجتمع وبيئة العمل غير الملائمة. ويتحدث عن عقبات كبيرة تؤثر في الاستثمار، إذ إن غالبية العائلات التي تملك المال تلجأ إلى تعليم الأبناء ودفع مبالغ مالية كبيرة أقساطاً للجامعات، موضحاً أن بعض الأعمال تدرّ دخلاً جيداً، كصيانة المركبات، لكن المشكلة أنه ما من تأمين صحي وضمان اجتماعي في هذه المهن. يضيف أن الأردنيين عادة ما يتهربون من العمل في الزراعة، لأن ظروف العمل شاقة وما من حماية اجتماعية. كذلك لا يُقبل الشباب على تعلم المهن، وخصوصاً حين يقارنون بينها وبين الجامعات، علماً أن الاهتمام بالتعليم المهني يساهم في جذب الشباب إليها.
وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قد أعلنت أخيراً تحديث البيانات والمعلومات التي يتضمنها موقعها الإلكتروني، خصوصاً في ما يتعلق بالتخصصات المتوفرة للعام الدراسي الجامعي المقبل، وعددها 540 تخصصاً في تسع جامعات حكومية، إضافةً إلى جامعة العلوم الإسلامية العالمية، ومنها 15 تخصصاً جديداً استحدثها مجلس التعليم العالي للعام الجامعي المقبل.
وبحسب أرقام نقابة الأطباء الأردنيين، هناك نحو 2000 طبيب عاطل من العمل ينتظرون التعيين، و2500 طبيب تقريباً يتخرجون سنوياً من الجامعات الأردنية وغيرها، خارج البلاد. وفي وقت سابق، حذّرت نقابة أطباء الأسنان من ارتفاع نسبة البطالة في هذا القطاع إلى أعداد غير مسبوقة. وأعلنت نقابة الصيادلة أنّ نسبة البطالة في صفوف المنتسبين إليها وصلت إلى 30 في المائة.
وفي سياق متصل، أظهرت النشرة الإرشادية الصادرة عن نقابة المهندسين الأردنيين، والمتعلقة بالتخصصات الهندسية، وحاجة سوق العمل لكل منها، تضخماً في التخصصات الهندسية كافة، في ظل ارتفاع أعداد الخريجين. وتعدّ نسبة المهندسين في الأردن الأعلى عالمياً مقارنة بعدد السكان، وبلغت النسبة مهندساً لكل 50 مواطناً. وقال نقيب المهندسين الأردنيين، المهندس أحمد سمارة الزعبي، إن الزيادة الكبيرة في أعداد الخريجين تشكل عبئاً على النقابة التي أخذت على عاتقها توفير فرص تدريب ووظائف للخريجين في الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية. وبحسب آخر الأرقام الصادرة عن النقابة، فقد بلغ عدد المنتسبين إلى النقابة 170578 مهندساً ومهندسة، فيما بلغ عدد الطلاب 37139 في الجامعات الأردنية، و5000 طالب في جامعات خارج البلاد، ما يتطلب مساعدة خريجي الثانوية العامة في اختيار التخصص المناسب في مجال الهندسة بحسب المعدلات ومؤشرات سوق العمل، بغية تطوير استراتيجية وطنية لترشيد التعليم الهندسي وبناء ثقافة مجتمعية فعالة متكاملة مع تلك الاستراتيجية.
نماذج بديلة
دعا المنتدى الاقتصادي الأردني إلى مراجعة تصنيف الوظائف في نظام الخدمة المدنية، والذي يعزز الانطباع بأنّ التعليم الجامعي أفضل من التعليم المهني، وتقديم نماذج بديلة تعتمد المهارات الوظيفية والمعرفة المرتبطة كأساس للتقييم سعياً للوصول إلى مرحلة يمكن تعريف شاغل الوظيفة بأنّه عامل بغض النظر عن المستوى التعليمي أو المهني أو الصناعي.