يحتل العراق مراتب متدنية فيما يتعلق بالخدمات الطبية والصحية والتعليمية المتوفرة للأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين زاد عددهم في السنوات الأخيرة نتيجة الحروب والنكبات التي أصابت البلاد.
غير أن العراقيين المقيمين في إقليم كردستان شمالي البلاد، يحظون بظروف أفضل مقارنة بالآخرين الموجودين في المحافظات العراقية الأخرى، حيث وفرت حكومة الإقليم إلى جانب مشاريع القطاع الخاص العديد من المنشآت والمدارس والمراكز التي ترعى تلك الشريحة، إضافة إلى تنامي وعي الأسرة في هذا الإطار.
ريزين جلال (24 عاماً)، لم تمنعها إعاقتها وحالات التّنمر التي تعرّضت لها من المضي قدماً نحو هدفها بتحقيق إنجازات مهمة يصعب على غيرها تحقيقها، حيث حلت في المرتبة الأولى بلعبة تنس الطاولة على مستوى العراق مؤخراً، وأيضاً على مستوى إقليم كردستان رغم أنها من ذوي الإعاقة السمعية والنطقية.
جلال وجدت في لعبة تنس الطاولة مكاناً تلجأ إليه، ويكون متنفسها الوحيد حتى تمكنت من التفوق في اللعبة، وتحقيق نتائج على مستوى العراق عجزت عنها فرق ورياضيون في اللعبة ذاتها.
تتحدث جلال عبر لغة الإشارة مع "العربي الجديد" وتقول "إن الرياضة أصبحت العالم الوحيد الذي أقضي به على مشاعر القلق والحزن بسبب إعاقتي".
وتضيف "استطعتُ والحمد لله إحراز المرتبة الأولى على مستوى العراق وإقليم كردستان بلعبة تنس الطاولة، وأطمح إلى أن أصبح بطلة عالمية مستقبلاً".
أكملت الشابة العراقية دراستها إلى الصف التاسع في معهد "هيوا"، وتعني باللغة العربية "الأمل" الخاص بذوي الإعاقة السمعية والنطقية والذي يعمل منذ عام 1982 بمدينة السليمانية، وبعدها تمّ قبولها مثل أقرانها الآخرين في الإعدادية المهنية لدراسة الكومبيوتر.
أقلية في المجتمع
التّعامل مع جلال كـ"أقلية" في المجتمع هو أكثر ما يزعجها، وهو ما يجعل إحدى شقيقاتها مرافقة دائمة لها عند خروجها من المنزل.
وتعتمد جلال على حركة الشفاء للحديث مع الآخرين، وتتخذ من لغة الإشارة أساساً للتواصل، ومع ذلك تؤكد أنها تشعر بانكسار أثناء قراءة شفاه الأشخاص من الأقرباء في جلساتهم وزياراتهم بأنهم يعطفون عليها لأنّها لا تسمع ولا تتحدّث.
تُشير الشابة العراقية إلى دور عائلتها في مساعدتها لتجاوز محنتها، وهي الوحيدة المصابة بهذه الإعاقة من بين أفراد عائلتها المتكوّنة من خمس شقيقات وشقيقين مع والديهم.
وتطمح ريزين جلال لاستكمال دراستها الجامعية والتّخصص في علوم الكمبيوتر لتعليم من هم مثلها كل ما يتعلق بالكمبيوتر والذكاء الاصطناعي، وفقاً لها.
قطع الدراسة
في المقابل، تقول رئيسة منظمة "الإشارة" لذوي الإعاقة السمعية والنطقية ومُدرّسة مادة الرياضيات، بهار محمود، إنه في السنوات الماضية كان أغلب من يعانون من هذه الإعاقة ينقطعون عن الدراسة بعد الانتهاء من الصف التاسع، ولا يسمح لهم بالدراسة في الجامعات أو المعاهد بسبب إعاقتهم، ولكن في السنوات الأربع الماضية باتت لديهم فرصة للدراسة في الإعدادية المهنية بصفّ مُخصّص لهم.
وتنتقد محمود عدم وجود أي وسيلة لتسهيل عملية الدراسة داخل الجامعات أو المعاهد لذوي الإعاقة السمعية والنطقية، ومنها وجود معجم خاصّ بهم لفهم المناهج الدراسية.
وتابعت في حديثها لـ"العربي الجديد" أن معهد "هيوا" يعتمد على ذات المناهج الدراسية المعتمدة في المدارس الاعتيادية، لكن الدروس تقدّم بأسلوبين وهما لغة الإشارة والصوت، وذلك لأن نسبة الإعاقة تختلف من شخصٍ إلى آخر.
وازدادت معاناة هذه الشريحة مع انتشار جائحة كورونا وارتفاع معدلات الإصابة والوفيات بالفيروس. وتستذكر محمود التي دفعها فقدانها لطفليها الوحيدين إلى التمسّك بتدريس هذه الشريحة.
تدريس دون كمامة
وتحدثت عن واحدة من أقسى الحالات التي واجهتها بعد شكوى إحدى طالباتها من عدم فهمها للدروس في أحد المعاهد بكردستان، وبعد الاستفسار تبيّن أن السبب يعود إلى ارتداء الكادر التدريسي لـ"كمامة"، وهذا ما صعّب على الطالبة فهم ما يقوله المدرسون بحركة الشفاه، ووافق المعهد على عدم ارتداء الأساتذة كمامات أثناء الدروس، وحققت الطالبة نتائج عالية في الامتحانات.
من جانبٍ آخر، قال مصدر مسؤول في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بحكومة إقليم كردستان إنه منذ العام 2012 لم تسجل أية حالة إعاقة سمعية أو نطقية في الإحصائيات الرسمية بسبب الأزمة المالية التي يمرّ بها الإقليم. مضيفاً أن ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة يتقاضون راتباً شهرياً قدره مائة وخمسون ألف دينار عراقي (100 دولار أميركي تقريباً).