"سيّدنا رمضان" حالة عشق في المغرب

14 مارس 2024
لا غنى عن التمر خلال رمضان (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

تحضر أجواء شهر رمضان أو سيّدنا رمضان، كما يحلو للمغاربة تسميته، تعبيراً عن تفضيله على بقية أشهر السنة، في كل ركن من شوارع وأزقة مدن المملكة وخصوصاً العتيقة منها، مع حرص لافت على التمسك بالعادات والتقاليد الخاصة باستقبال الشهر الفضيل. 
ويُضفي حلول رمضان بهجة على قلوب الصغار والكبار، ويساهم في تقوية أواصر التضامن بين أفراد العائلة الواحدة والأصحاب والجيران. وتتنوع الطقوس والعادات خلال هذا الشهر. والبداية تكمن في شراء التوابل والأعشاب والقطاني (فصيلة نباتية فيها الفول والحمص والعدس) والمكسرات التي تُستخدم في إعداد أطباق وحلويات موائد رمضان. كما يسجَل عادة إقبال كبير على الحلويات والأطباق والأزياء التقليدية قبل بداية الشهر الفضيل.
وتقول فاطمة الزهراء العمري (56 عاماً)، وهي موظفة في القطاع الحكومي، لـ "العربي الجديد"، إن "الإعداد لرمضان له طقوسه المميزة"، وتحرص منذ النصف الثاني من شهر شعبان على تحضير قائمة باحتياجات مطبخها قبل التوجه إلى الأسواق الشعبية لاقتناء ما تحتاجه لتحضير حلوى الشباكية (مكونة من الدقيق والعسل والسمسم وماء الزهر)، والتي تُعتبر من الأطباق الأساسية على مائدة الإفطار المغربية، إلى جانب أطباق أخرى مثل السفوف والمسمن والبغرير (فطائر) والبريوات والبسطيلة.
تتابع في حديثها لـ "العربي الجديد": "لا نفرط في الأطباق الخاصة بهذا الشهر والملابس التقليدية بأنواعها لأنها تُعتبر جزءاً من شخصيتنا وهويتنا. لذلك، نحرص على تقاليدنا وعاداتنا حتى في ظل غلاء المعيشة وارتفاع أسعار عدد من المواد، وذلك باستبدال بعض المواد بأخرى أقل كلفة". وتقول إنه على الرغم من انشغالها في وظيفتها وتربية أطفالها الأربعة، فإنها تحرص على تنظيف البيت قبل رمضان باعتبارها عادة متجذرة لدى الأسر المغربية، وخصوصاً لدى الفئات الاجتماعية الشعبية والمتوسطة، كما تحرص مثل غالبية المغربيات على اقتناء الصحون والأواني الجديدة لاستخدامها خلال الشهر الكريم واستقباله بحلة جديدة وتهيئة الصالون المغربي استعداداً للزيارات واللمات العائلية. 
ولا ينسى المغاربة تجهيز الملابس المغربية التقليدية، التي تشهد إقبالاً لافتاً خلال السهرات العائلية ولدى زيارة الأقارب وارتياد المساجد وحتى في العمل.

من جهتها، تحرص أمي مينة الشرقاوية (70 عاماً) على جمع نساء العائلة في منزلها الكائن في حي الملاح الشعبي في العاصمة الرباط، للتعاون على تحضير حلوى الشباكية التي لا تخلو منها المائدة المغربية طوال شهر رمضان، في أجواء من الفرح. تقول لـ "العربي الجديد" إنه "لا فرق بين رمضان اليوم والأمس، فالعادات والتقاليد هي نفسها وما زلنا متمسكين بها. لكن رمضان اليوم أصبح مادياً إلى حد ما. فقدنا لذة خاصة كنا نشعر بها بفضل بساطة الحياة وقرب الجميع. في الماضي، كانت النساء تجتمع للقيام بأعمال التنظيف وتغيير أثاث البيت وغسل الأواني، لكن هذه العادة غابت اليوم".
وتلفت إلى أنه من بين العادات التي بدأت تختفي اجتماع الجارات والصديقات والأقارب بعد النصف الثاني من شهر شعبان، في أمسية احتفالية للذكر والمديح والصلاة على الرسول الكريم، مرتديات القفطان التقليدي، وهي مناسبة للترفيه والترويح عن النفس من تعب أشغال البيت والتحضير لشهر الغفران. ويكتسب شهر رمضان قدسية وأهمية كبيرتين لدى المغاربة، فهم يستبقون حلوله عادة من خلال تهيئة بيوت الرحمن للمصلين، حيث يعمل متطوعون وخصوصاً من فئة الشباب على تنظيف وتزيين المساجد وتهيئتها وفرشها وترتيب مصاحفها، وتجديد كل مرافقها من إنارة وصوت وأماكن الوضوء.

خلال تأدية صلاة التراويح في المغرب (جلال مرشدي/ الأناضول)
خلال تأدية صلاة التراويح في المغرب (جلال مرشدي/ الأناضول)

من جهته، يقول محمد الدكالي وهو متطوع في أعمال التهيئة والتحضير لمصلى حي كريمة، أحد أكبر المصليات الستة بمدينة سلا، القريبة من العاصمة المغربية الرباط، ويتسع لحوالي 25 ألف مصل، إن أنشطة الاستعداد لرمضان تبدأ في شهر شعبان بتنظيف أرضيات المساجد والمصليات، وتوفير السجادات والحصائر فضلاً عن البحث عن خيام تؤدي فيها النساء صلاة التراويح بالنسبة للمساجد الصغيرة، مشيراً إلى أن المتطوعين والجمعيات الخيرية وأبناء الحي إضافة إلى أئمة المساجد، يساهمون في أشغال التهيئة. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "يفضل غالبية الناس ترك المساجد القريبة والانتقال إلى أكبر مصليات المدينة ليشهدوا أجواء روحية مفعمة بمعاني التلاحم والتضامن والأخوة. لذلك، نحرص على توفير كل الظروف المناسبة لأداء صلاة التراويح التي لها مكانة كبيرة في قلوب الناس في سكينة".
إلى ذلك، كثّف محسنون وجمعيات مدنية وأهلية عدة في المغرب جهودهم من أجل وضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل مبادرات تضامنية تعكس روح التآخي والتآزر، من بينهم إبراهيم السهلي الذي اعتاد طوال السنوات الماضية تنظيم موائد الرحمن في حي تابريكت بمدينة سلا القريبة من الرباط، "تقرباً من الله ولمساعدة الفقراء والمحتاجين وعابري السبيل". ويقول لـ "العربي الجديد" إنه دأب منذ عام 2014 على تنظيم موائد الرحمن، وبدأ منذ منتصف شعبان الإعداد لها بمعية آخرين لاستقبال حوالي 30 شخصاً يومياً وقت الإفطار في المقهى الذي يملكه، علاوة على إعداد 20 وجبة إفطار توزع على المناطق والأحياء المجاورة. ويشير إلى أن موائد الرحمن في المغرب تكتسي صبغة خاصة، ولا يخلو أي حي أو مدينة من هذه المبادرات ذات الصيغة الإنسانية التطوعية، والتي لازمت خصال المغاربة منذ زمن بعيد. 

ويرى الباحث في علم الاجتماع عبد المنعم الكزان، أن شهر رمضان يحتل مكانة هامة لدى المغاربة، موضحاً أن المواطن المغربي يرتبط بالصيام أكثر من بقية الشعائر الدينية الأخرى من الصلاة والزكاة والحج، لافتاً إلى أنه لا يتسامح مع ''وكال رمضان'' (فاطر رمضان)، والسبب أن تنشئة المغاربة تجعل صيام رمضان أولوية.
ويقول لـ "العربي الجديد": "تُلاحَظ خلال شهر رمضان عودة المغاربة إلى الهوية والذات والعائلة والأسرة، من خلال العودة إلى اللباس التقليدي ولقاء الأسرة بشكل جماعي خلال وجبة الإفطار، الأمر الذي لم يعد متاحاً في الحالات العادية داخل المدن الكبرى وخصوصاً خلال عصر الهجرة الرقمية وظروف العمل والدراسة". وفي وقت نستمر بعض الطقوس المرتبطة بشراء الملابس التقليدية وتجهيز المساجد وتنظيف المنازل وشراء المواد غير قابلة للتلف الكافية طيلة الشهر الفضيل، فإن ما يلاحظ هو التراجع في بعض المبادرات التضامنية المرتبطة بقفة رمضان، وذلك لأسباب مرتبطة بالنقص في قيم التضامن وخروج قانون الإحسان العمومي الذي يشدد إجراءات اختبار الجمعيات، فضلاً عن التحول إلى المجتمع الفرداني، يقول الباحث المغربي.

المساهمون