تشهد قرية "جلبانة" في أقصى غرب شبه جزيرة سيناء، شرقي مصر، عمليات أمنية مكثفة تقوم بها قوات الجيش المصري، والمجموعات القبلية المساندة له، ضد تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش الإرهابي، وتجري تلك العمليات في مناطق زراعية كثيفة يعتبر عناصر التنظيم أنها تشكل مكاناً آمناً لهم بعيداً عن أعين الطيران، لكن ذلك يهدد بتدمير آلاف الأشجار المثمرة، وخصوصاً أشجار المانغو والزيتون.
وجلبانة إحدى قرى مركز "القنطرة شرق" التابع إدارياً لمحافظة الإسماعيلية، وهي واحدة من أغنى قرى شبه جزيرة سيناء بالمزارع المثمرة، التي تدعم توسعها القوات المسلحة المصرية ضمن مشاريع زراعية متعددة في مناطق غرب سيناء، تشمل زراعة مئات الأفدنة بأنواع الفواكه وأشجار الزيتون، التي يُسوَّق محصولها في المحافظات كافة، أو تُصدَّر إلى خارج مصر، واختارها الجيش للزراعة لأسباب، منها خصوبة الأرض، وتوافر المياه، وكذلك الأيدي العاملة الرخيصة، فضلاً عن الوضع الأمني المستقر فيها.
ورصد مراسل "العربي الجديد" عدداً من مقاطع الفيديو المصورة في مناطق مختلفة من قرية جلبانة، بعد تدهور الأوضاع الأمنية فيها بشكل مفاجئ في 11 أغسطس/ آب الماضي، وبالتزامن مع بدء موسم حصاد المانغو والزيتون، وتوثق تلك المقاطع تحرك قوات الجيش المصري والمجموعات القبلية المساندة له، داخل المزارع بحثاً عن عناصر التنظيم الإرهابي، وتظهر سير المركبات العسكرية بين الأشجار، ما يؤدي إلى تدمير المئات منها.
وقال إياد سليمان، وهو أحد مزارعي جلبانة، لـ"العربي الجديد"، إن "القرية كانت من أكثر مناطق شبه جزيرة سيناء أمناً طوال سنوات الحرب على الإرهاب التي بدأت في عام 2013، ولم تشهد أية عمليات كبيرة للتنظيم الإرهابي، عدا مرات معدودة جرى فيها ملاحقة عناصر التنظيم لمتعاونين مع الأمن المصري. لكن قبل أسبوعين، ظهر التنظيم داخل القرية بشكل علني، وسيطر على مناطق عدة فيها، ومنع حركة السكان لعدة ساعات، وأغلق الطريق الدولي، قبل أن ينسحب نحو المناطق الزراعية الكثيفة التي لا يمكن تعقبه فيها بسهولة نتيجة عدم وجود طرق لسير المركبات العسكرية".
وأوضح سليمان أن "جلبانة فيها مزارع مملوكة للقوات المسلحة المصرية بشكل كامل، ومزارع أخرى مملوكة للمواطنين، وبعض المزارع المملوكة لضباط كبار، أو قضاة ووكلاء نيابات من خارج سيناء، وفي الأيام الأولى لملاحقة التنظيم الإرهابي، حاولت القوات العسكرية عدم تدمير الأشجار، لكن ذلك الحرص لم يدم طويلاً في ظل ضرورة التحرك الكثيف داخل المزارع، ما أدى إلى تدمير مئات من الأشجار المثمرة التي لم يتمكن أصحابها من قطف محصولها بسبب إضطرارهم إلى مغادرة المنطقة فور تدهور الوضع الأمني".
وأشار إلى أن "بعض القائمين على المجموعات القبلية المسلحة يطالبون سكان جلبانة ومزارعيها بالعودة إلى مزارعهم، رغم أن الاشتباكات ما زالت متواصلة، ودخول المنطقة يعتبر مخاطرة كبيرة قد تنتهي بالموت في ظل إمكانية الاستهداف من طرفي الاشتباكات، فالجيش يرى في كل شخص يتحرك داخل المزارع حالياً هدفاً له، ويستهدفه بالطيران الحربي والمروحي، وقد استهدف اثنين من المزارعين في اليوم الأول من المعارك بعد الاشتباه في كونهم عناصر للتنظيم الإرهابي، ما دفع عشرات المزارعين إلى ترك أرضهم، والفرار خوفاً من تعرضهم لنفس المصير".
وتابع سليمان: "جلبانة لا تحتمل الإرهاب، فهي تعاني من ظروف سيئة بالفعل نتيجة انعدام الاهتمام الحكومي، إذ لا يوجد بها نقطة شرطة، ولا مركز طبي، ويتكرر انقطاع التيار الكهربائي نتيجة سرقة الأسلاك، فضلاً عن مشكلة مياه الشرب، وعدم وجود بنية تحتية للطرق، أو الاتصالات، وبقية الخدمات الأساسية غائبة، وجاء الإرهاب ليزيد الطين بلة، ويجبر أهل القرية على الهروب إلى المجهول. على مدار العقود الماضية لم يُنشأ أي مشروع خدمي حكومي في القرية، وأغلب الخدمات المتاحة فيها أقيمت بجهود الأفراد والعائلات والمؤسسات المحلية".
ووفقاً للمشاهد التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن ثمار أشجار المانغو والزيتون طرحت على الأرض بعد مرور آليات يستخدمها أفراد الجيش والمجموعات القبلية المسلحة بين الأشجار، وكذلك القصف الجوي الذي استهدف المنطقة، وتبادل إطلاق النار بين الجيش والمتطرفين، ما أدى إلى تلف كميات كبيرة من الثمار.
ووجه المزارعون نداءات استغاثة إلى القيادات العسكرية والأمنية، وقادة المجموعات القبلية، مطالبين بضرورة تأمين وصول المزارعين والعمال إلى مزارع مناطق جنوب جلبانة، في أقرب وقت ممكن لحصاد أكبر كمية من الثمار المتوافرة على الأشجار قبل خرابها، في ظل عدم القدرة على تشغيل آبار المياه في المنطقة لريها.
يشار إلى أن المجموعات القبلية، بمساندة من الجيش المصري، تمكنت من السيطرة على مناطق واسعة كان تنظيم ولاية سيناء يسيطر عليها في محيط مدن رفح، والشيخ زويد، والعريش، ومناطق وسط سيناء، ولا تزال الحملات العسكرية التي بدأت في شهر مارس/ آذار الماضي، مستمرة لتطهير المناطق المستعادة من التنظيم من العبوات الناسفة، والقضاء على فلول التنظيم، وبعض جيوبه في المناطق الوعرة، خصوصاً في نطاق ساحل مدينة رفح وجنوبها، والمناطق الجبلية في وسط سيناء.