سياحة تشيرنوبيل... تراجع "المغامرات" في زمن كورونا

26 ابريل 2021
سياح ما قبل كورونا غير بعيد عن المحطة المنكوبة (جينيا سافيلوف/ Getty)
+ الخط -

بعد أكثر من ثلاثة عقود على كارثة محطة تشيرنوبيل النووية في جمهورية أوكرانيا السوفييتية، لم يعد محيط المحطة المنكوبة يُصنَّف منطقة ميتة، بل تحوّل إلى محمية طبيعية تقطنها مختلف أنواع الحيوانات البرية، وإلى مقصد لآلاف السياح الراغبين في التعرّف إلى هذه المنطقة المهجورة المثيرة لاهتمام العالم أجمع. لكنّ سياحة المغامرات التي كانت قد شهدت تطوراً كبيراً على الرغم من مخاطر زيارة المنطقة، بحسب التقديرات، لم تصمد أمام جائحة كورونا وتداعياتها في خلال عام من الأزمة، عام كامل من القيود الصارمة على حركة السفر حول العالم أجمع، ما أدى إلى تراجع عدد زوار تشيرنوبيل بمقدار نحو أربعة أضعاف في العام الماضي.
توضح نائبة رئيس شركة "تشيرنوبيل تور" الأوكرانية التي تنظم رحلات إلى منطقة المحطة ورئيسة اتحاد مرشدي تشيرنوبيل، كاتيرينا أصلاموفا، لـ"العربي الجديد"، أنّه "حتى الآونة الأخيرة، كانت حركة السياحة إلى تشيرنوبيل تتزايد عاماً بعد عام. وبحسب الإحصاءات الرسمية، بلغ عدد السياح الذين قصدوا المنطقة المحظورة 50 ألفاً في عام 2017، و75 ألفاً في عام 2018، قبل أن يبلغ 125 ألفاً في عام 2019. لكنّ عدد السياح تراجع بشكل حاد منذ بدء جائحة كورونا، ليبلغ 35 ألفاً فقط في عام 2020، علماً أنّ 80 في المائة منهم أوكرانيون". وعبّرت أصلاموفا عن أملها بـ"استقرار الوضع الوبائي حول العالم قريباً وعودة سياحة تشيرنوبيل إلى النمو".
وعند السؤال عن مدى أمان الرحلات إلى تشيرنوبيل، تجيب أصلاموفا بأنّها "آمنة تماماً، بشرط التزام كل تعليمات المرشدين والقواعد البسيطة الخاصة بزيارة المنطقة المحظورة. فالسياح لا يتحركون إلا على المسارات الآمنة للصحة، التي خضعت لمراجعة الهيئة الحكومية المختصة.

وعلاوة على ذلك، يخضع كل سائح لقياس المستوى الإشعاعي مرتين في خلال مسيره للاطمئنان إلى أنّ التلوّث الإشعاعي لا يتجاوز المعدل المسموح به، وأنّ لا جزَيئات مشعة على الملابس والأحذية". تضيف أصلاموفا أنّه "في خلال يوم كامل من التجوّل في منطقة تشيرنوبيل، يتلقى الزائر جرعة من الأشعة تعادل ساعة أو اثنتَين من التحليق على متن طائرة. يعني ذلك أنّكم تتلقّون في أثناء سفركم إلى أوكرانيا جرعة أكبر من الأشعة قياساً بما تتعرّضون إليه في أثناء زيارة المنطقة المحظورة".
وفي ما يتعلق بدوافع السياح لزيارة تشيرنوبيل، تقول إنّ "هذه المنطقة موقع فريد من نوعه لا مثيل له في العالم، وهي شاهدة على حدث تاريخي يجمع مئات الآثار التقنية والثقافية الفريدة، ويظهر قوة الطبيعة التي استعادت نفسها بعد واحدة من أكبر الكوارث التكنولوجية.

سيلفي بالقرب من محطة تشيرنوبيل (Getty)
سيلفي تذكارية مع حافلة خلّفت فيها الكارثة النووية آثارها (Getty)

ومنطقة تشيرنوبيل تجذب أناساً من مختلف البلدان والفئات العمرية، من علماء ومتخصصين في شؤون البيئة ومؤرخين ومصورين وباحثين ومحبي ألعاب الكمبيوتر وطلاب راغبين في استيعاب أحد أبرز أحداث القرن العشرين". وبحسب أصلاموفا، فإنّ مهمة منظمي الرحلات إلى المنطقة المنكوبة تتلخّص في "زيادة الاهتمام بتاريخ منطقة تشيرنوبيل وتعزيز معرفة الزائرين في مجالي الفيزياء وعلم الأحياء الإشعاعي، ودفعهم إلى الشعور بالاحترام تجاه الذين عملوا على إزالة تداعيات الكارثة وأنقذوا العالم منها".
تجدر الإشارة إلى أنّ أسعار الرحلة إلى موقع محطة تشيرنوبيل تبدأ من نحو 65 دولاراً أميركياً للفرد بدل رحلة ليوم واحد وتصل إلى نحو 400 دولار لرحلة تستغرق بضعة أيام شاملة الإقامة في أحد فنادق مدينة تشيرنوبيل الواقعة على بعد نحو 12 كيلومتراً من المحطة المنكوبة.

وتُعَدّ حادثة تشيرنوبيل التي وقعت في أثناء اختبار في مفاعل الوحدة الرابعة للمحطّة ليل 26 إبريل/ نيسان من عام 1986، أكبر كارثة نووية شهدها العالم، وأدت إلى انبعاث 190 طناً من المواد المشعة، وهو ما يفوق التلوّث الناجم عن الهجوم النووي الأميركي على مدينتَي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتَين في عام 1945 بمئات الأضعاف. وعلى أثر الكارثة، هُجّر أكثر من 100 ألف شخص من المدن والبلدات المحيطة بالمحطة، لتتحوّل المنطقة إلى أرض مهجورة خالية من السكان.

استراحة في خلال الرحلة السياحية في منطقة تشيرنوبيل (سيرغي سوبنسكي/ فرانس برس)
استراحة في خلال رحلة سياحية في المنطقة (سيرغي سوبنسكي/ فرانس برس)

ونظراً إلى تلوّث المنطقة المحيطة بالمحطة بالنظائر المشعّة، فرضت السلطات السوفييتية منطقة محظورة امتدت على بعد 30 كيلومتراً من المحطة في أوكرانيا وبيلاروسيا، نظراً إلى وقوعها على الحدود بين الجمهوريتَين السوفييتيتَين السابقتَين. أمّا المفاعل المنكوب نفسه، فعُزل بغطاء مؤقت ليُستبدل في نهاية عام 2016 بغطاء خرساني جديد عمره الافتراضي قرن كامل، الأمر الذي يسمح بإخراج المواد المشعة من المحطة.

المساهمون