سويسرا المغرب... الثلوج تُخفي معاناة إفران بسبب كورونا

05 يناير 2021
الثلوج تغطي المدينة (العربي الجديد)
+ الخط -

تُعدّ إفران إحدى أقدم المدن المغربية الجبلية التي لطالما ارتبط اسمها بالكهوف والمغارات المنتشرة حول محيطها الطبيعي، وهي اليوم واحدة من أكثر المدن استقطاباً للسياح، ليس فقط بسبب شلالاتها وطبيعتها الخضراء ونظافة شوارعها وروعة عمرانها، بل أيضاً بسبب الثلوج الكثيفة التي تتساقط فيها شتاء، لتتحول إلى لوحة ساحرة.
إفران أو أورتي بالأمازيغية، تعني البستان أو الحديقة، وتشتهر بحدائقها، وبوفرة أشجار الأرز الأطلسي والبلوط وحيوان المكاك البربري المهدد بالانقراض، وهي واحدة من الوجهات السياحية خلال فصلي الخريف والشتاء. تغطي الثلوج شوارعها وبيوتها وحدائقها.
خلال هذه الفترة، تشهد جوهرة جبال الأطلس، وسط المغرب، ثلوجاً كثيفة تعيد الحياة إلى المدينة وتوافد السياح إليها، بعدما كادت تقتلها كورونا. وتستقبل المدينة مغاربة وأجانب يعشقون الثلوج وجمال الطبيعة، وصار يطلق عليها اسم "سويسرا المغرب" بسبب طابعها الأوروبي.
قدمت سعاد مفتاحي من مدينة الدار البيضاء إلى إفران. تقول لـ "العربي الجديد" إنها تعيش للمرة الأولى هذه الأجواء الساحرة، وقد اكتست المدينة حلة بيضاء، تبعث في النفس شعوراً جميلاً. تضيف أن المدينة "معروفة بنظافتها ونقاء هوائها وجمال شوارعها وحدائقها، وهذا شيء بتنا نفتقده في الدار البيضاء المدينة بسبب التلوث والإسمنت وكورونا".

مدينة افران (العربي الجديد)

ورغم تفشي الوباء، إلا أن إفران، بحسب مفتاحي، بدأت تستعيد عافيتها. ويُلاحظ ذلك من الحركة التي تعرفه مواقعها وشوارعها، فضلاً عن المناطق التي يقصدها هواة التزلج على الجليد كميشليفن".
أما محمد السعدي، الذي قدم إلى إفران من مدينة خنيفرة (وسط المغرب)، برفقة أسرته الصغيرة، يقول لـ "العربي الجديد": "أصابتنا كورونا بحالة من الاكتئاب والخوف. حتى أن أبنائي فقدوا بهجتهم بالحياة. لهذا، نحن هنا لتغيير الأجواء قليلاً والتمتع بهواء نقي وزيارة غابة أرز الأطلس".

هذا الوجه الجميل لإفران، التي تتمتع بموقع استراتيجي فوق سلسلة جبال الأطلس المتوسط، يخفي مرارة، في ظل تدني درجات الحرارة والحاجة الماسة إلى الحطب ووسائل التدفئة وعمل يحفظ كرامة كثيرين، بعدما ألقت أزمة كورونا بظلالها على مدينة تعتمد على السياحة بشكل أساسي. ويشكو عدد من سكان مدينة إفران والمناطق المجاورة واقعاً اجتماعياً واقتصادياً صعباً من جراء قلة فرص العمل وانخفاض درجات الحرارة وتساقط الثلوج.

مدينة افران (العربي الجديد)

آمنة الجبلي، التي تعمل في أحد المقاهي الشعبية، تقول لـ"العربي الجديد" إن "واقع الحال في إفران لا يمكن وصفه مهما تحدثنا عنه. هو ليس تلك الصورة الساحرة التي تنقلها نشرات الأخبار، فقد أثرت كورونا على مورد رزقنا وتراجع عدد السياح سواء من داخل أو خارج المغرب. عشنا بطالة قاهرة لأشهر لم نجد فيها ما نسد به جوع أطفالنا".
ويتحدّث عبد الحميد، الذي يعمل في شلال عين فيتال، عن معاناته وأصدقائه من جراء ندرة السياح وتوقف نشاطهم مدة طويلة بسبب أزمة كورونا. ويقول: "نعتاش من زيارات السياح من داخل الوطن وخارجه، ويعتمد رزقنا على سخاء ما يقدمونه في مقابل جولة على الحصان. في هذا المكان، المقاهي الشعبية مقفلة، والكهوف المجاورة لم تعد تجذب إلا بعض المخرجين لتصوير مشاهد بين الحين والآخر".
ويتحسّر على أيام عين فيتال السابقة، التي اشتقت تسميتها من عين فيتال في جبال الألب الفرنسية. اهتمّ المستعمر الفرنسي بالمكان بسبب مياهها العذبة والصافية. في الوقت الحالي، قد يمر يوم أو أكثر من دون أن يدخل جيبهم أي درهم.

مدينة افران (العربي الجديد)

ورغم أن في إفران غابات أرز وبلوطا أخضر وأشجار السيكامور والكستناء والزيزفون النادرة، إلا أن هناك من يقول إنه لا يجد المال لتوفير الحطب للتدفئة، خصوصاً خلال فصل الشتاء ومع تساقط الثلوج. ويقول محمد الإفراني الذي يعمل سائق سيارة أجرة صغيرة، لـ "العربي الجديد": "بيوتنا لا تطاق من دون تدفئة، فهي تشبه المقابر". يضيف أنه اقتنى طناً من الحطب في مقابل ألف درهم مغربية (نحو 110 دولارات)، مشيراً إلى أنه سيحاول الاقتصاد وتدفئة البيت بدءاً من الساعة السادسة مساء، حتى تكفيه مدة شهر. ويشير إلى أن البعض يشتري الحطب صيفاً ويخزنه بسبب سعره المنخفض.

مدينة افران (العربي الجديد)

من جهة أخرى، تقول سيدة خمسينية تعمل في محل في السوق المركزي للمدينة: "الناس تكيّل الزرع ونحن نكيل الحطب". تضيف: "نحن الفقراء نعمل فقط لتوفير قوتنا وحطب التدفئة، ولا نستطيع الجلوس من دون نار للتدفئة، خصوصاً مع انخفاض درجات الحرارة".
وغير بعيد عن إفران، في غابة أرز الأطلس (تبعد عن إفران نحو 26 كيلومتراً)، تقفز القردة فوق أشجار الأرز، فقد اعتادت أن يطعمها الزوار والسياح الذين يتوافدون إلى المكان قبل أن تتغير الأحوال. فحين تتجوّل في المكان، ترى محلات مقفلة كان يعرض أصحابها تذكارات ومشغولات تقليدية أمازيغية، وشباب يجرون أحصنة.

المساهمون