سوق الوكرة القديم... بيوت قطرية تقليدية مع لمسة معمارية معاصرة

04 يناير 2022
يمثّل السوق نقطة جذب (العربي الجديد)
+ الخط -

 

في مدينة الوكرة الواقعة على الساحل الشرقي الجنوبي لدولة قطر والتي كانت في الماضي قرية صغيرة لصيد السمك واللؤلؤ، يقع سوق الوكرة القديم الذي يمثّل اليوم نقطة جذب كبرى.

بات سوق الوكرة القديم مقصداً سياحياً يستقطب المواطنين القطريين وكذلك الوافدين المقيمين والزائرين على حدّ سواء، في غضون نحو ستّ سنوات من تأسيسه. ويحاكي السوق الواقع جنوب العاصمة القطرية الدوحة بنحو 15 كيلومتراً، من خلال هيكله المعماري واحتضانه مطاعم ومقاهي تتنوّع مطابخها ما بين عربية وغربية وآسيوية، سوق واقف التراثي الواقع في قلب الدوحة.

ويتميّز هذا السوق بإطلالة جميلة على شاطئ الخليج، وهو يُعَدّ مثالاً على النهج المعاصر المتكامل مع العمارة التقليدية التي تتجسّد في البيت القطري المشيَّد بالحجارة والطين فيما تغطّي جدرانه طبقة من الجص تتزيّن بزخارف من الحصى. وتنتشر البيوت التقليدية في جنبات السوق، علماً أنّ الواحد منها يتألّف من غرف عدّة، بعضها يحتوي على ليوان وغرف علوية تطلّ على حوش البيت الذي تنتشر على جنباته الأشجار وتتوسطه بئر مياه. ويبدو تصميم السوق ببيوته قرية صيد قديمة مع بيوت بفناءات منخفضة الجدران ومجموعة متنوعة من المتاجر والمطاعم وأزقة ضيقة أو "دواعيس" تفضي إلى الشاطئ وبعضها يطلّ على البحر. يُذكر أنّ تلك البيوت تحوّلت محالّ تجارية ومطاعم، ومن الممكن أن يضمّ البيت الواحد أكثر من محلّ، إذ تُعرَض في كلّ غرفة بضائع متنوعة من عطورات وبخور وبهارات ومواد غذائية وإكسسوارات وعبايات. كذلك ثمّة سوق للذهب والفضة، وآخر للعصافير والطيور وأسماك الزينة.

الصورة
سوق الوكرة القديم في قطر 2 (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

يقول جبر بن محمد السويدي، عضو المجلس البلدي المركزي عن الدائرة 20 التي تضم الوكرة وعدداً من المناطق الجنوبية في قطر، لـ"العربي الجديد" إنّ "المساحة التي يشغلها سوق الوكرة القديم كانت منطقة يسكنها أهل المدينة قبل أكثر من نصف قرن"، مؤكداً أنّ "السوق صار معلماً من معالم مدينة الوكرة ثاني أكبر مدينة قطرية". ويشير السويدي إلى أنّ السوق صار كذلك "موقعا لفعاليات وأنشطة عديدة تنظّمها وزارات وجهات مختلفة وإدارة السوق في الأعياد والمناسبات، خصوصاً تلك التي يصادف وقوعها في فصل الشتاء".

من جهته، يقول محسن جاسم، صاحب حساب "الوكرة لايف"، لـ"العربي الجديد" إنّ "المكتب الهندسي الخاص نجح في إحياء الوكرة القديمة من خلال هذا السوق الذي ينبض بالحيوية ويعكس تراث أهل الوكرة وأصالتهم، ويقصده كلّ من يريد التعرّف على مدينة الوكرة وتاريخها وطبيعتها". يضيف جاسم أنه "في منتصف عام 2017، افتُتح شاطئ سوق الوكرة"، لافتاً إلى أنّه "ليس فقط لسكان الوكرة والمنطقة الجنوبية، بل لكلّ من يرغب من الدوحة وغيرها في قضاء أوقات ممتعة والاستمتاع بشاطئ رملي في السباحة واللهو".

الصورة
سوق الوكرة القديم في قطر 3 (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

ويشير جاسم إلى "ممشى ممتد على طول السوق، على جانبَيه مجموعة من المقاهي والمطاعم، وكذلك مجموعة من البازارات والمحلات التي تحوي ما يحتاجه مرتادو المكان من تحف أو عطور أو حاجيات منزلية". ويوضح جاسم أنّ "سوق الوكرة القديم يحتضن فعاليات وأنشطة ثقافية وترفيهية مختلفة. وبمناسبة اليوم الوطني القطري (18 ديسمبر/ كانون الأول) شهد شاطئ السوق الرملي فعاليات ومسابقات ثقافية عديدة، منها فعالية الألعاب الشعبية التي شارك وتنافس فيها الأطفال".

كذلك نجد فعالية "العكاس" التي تتضمّن التقاط صور تذكارية مستوحاة من التراث القطري القديم. من جهته، يستقبل "مجلس النوخذة" الزائرين وهو معروف في التراث البحري القطري والخليجي. أمّا "متحف الفريج" فيحتوي على مجموعة من النماذج التي تعبّر عن الألعاب الشعبية القديمة، والسفن التقليدية، والحرف اليدوية من قبيل "النداف" نافش القطن و"القلاف" صانع السفن و"الكندري" جالب المياه العذبة من الآبار إلى الحيّ وغيره. ومن الفعاليات أيضاً فعالية "النهام" الخاصة بالصوت الجميل الذي يصدح في رحلات الغوص بحثاً على اللؤلؤ والصيد، فضلاً عن "ركوب الهجن" لتعليم الأطفال على هذا التراث و"عرضة أهل قطر" وغير ذلك.

الصورة
سوق الوكرة القديم في قطر 4 (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

وفي محاكاة إضافية لسوق واقف التراثي الذي تنتشر فيه فنادق عدّة صُمّمت وفق الطراز المعماري التقليدي بلمسة معاصرة، افتُتح في عام 2108 فندق سوق الوكرة، وهو يتألف من مبنيَين تاريخيَّين حافظ تصميمهما على الطابع التراثي التقليدي للإبقاء على الهندسة المعمارية التي تعكس صورة المنازل القطرية الأصلية قديماً. ويضمّ الفندق أكثر من 100 غرفة وجناح، أسقفها كلاسيكية مصنوعة من القشّ في استحضار لصناعة السلال القديمة. وتتزيّن الغرف بزخارف ملوّنة تعكس زرقة البحر الباعثة على البهجة، فيما اللون الترابي يرمز إلى رمال الصحراء المستوحاة من تاريخ الوكرة. ويوفّر المجلس في مقابل الفندق فرصة للاستمتاع بأمسيات على الطراز البدوي.

ومن المعالم التي أضفت على السوق جمالاً وأصالة، مجسّم الصَدَفة الشهير الذي وُضع نهاية مارس/ آذار الماضي، بعد نقله من طريق الوكرة إلى سوق الوكرة القديم، على الدوّار المعروف بدوّار الفرضة سابقاً بمحاذاة ميناء الوكرة. ولمجسّم الصَدَفة رمزية كبيرة لسكان مدينة الوكرة والتي اشتهرت بصيد السمك واللؤلؤ، وهو شُيّد في أواخر ثمانينيات القرن الماضي ونُصب على طريق الوكرة ليستلهم تاريخ تلك المدينة الساحلية ذات الطبيعة الهادئة.

من جهة أخرى، فازت الوكرة بجائزة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، لمدن التعلّم لعام 2021 متفوّقة على أكثر من 60 مدينة حول العالم. والوكرة هي المدينة الخليجية الأولى التي تحصل على هذا اللقب الذي أُعلن عنه في المؤتمر الخامس لمدن التعلّم الذي أقيم في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في كوريا الجنوبية. وقد نالت الوكرة العضوية الدائمة لشبكة مدن التعلم بترشيح من اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم في عام 2017، وهي منظومة تضمّ كلّ مدن العالم المنتسبة إلى "يونسكو" والتي ترى أنّ مستقبل العالم يكمن في التعلّم مدى الحياة في كلّ أشكاله، وعددها يزيد على 220 مدينة. وحصلت الوكرة على هذه الجائزة بعد تنفيذ استراتيجيتها في التحوّل إلى مدينة مستدامة، من خلال تنفيذ مشروعات إنارة بالطاقة الشمسية وإطلاق حملات وطنية للتوعية بالاستدامة وأهميتها على مدار العام وفي مختلف مناطقها، بالإضافة إلى تحقيقها الهدف الرابع "التعليم الجيد" لخدمة الهدف الحادي عشر وهو "بناء مجتمعات مستدامة" اعتماداً على استراتيجية الدولة في توفير فرص التعلم للجميع والمؤشرات العالمية لجودة التعليم.

دلالات
المساهمون