سوريون يلجأون للدّين بالفائدة من أجل تعليم أبنائهم

15 سبتمبر 2024
يلجأ الأهل إلى الاستدانة بالفائدة لتجهيز أبنائهم للمدرسة (عارف وتد/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **الاقتراض بالفائدة في سورية**: أصبح الاقتراض بالفائدة وسيلة أساسية لتلبية احتياجات ملحة مثل تجهيز الطلاب، تغطية تكاليف السفر، وشراء المحروقات، وتمويل مشاريع زراعية وصناعية وتجارية.

- **تأثير الاقتراض على المجتمع**: يلجأ العديد من الأسر والمزارعين إلى الاقتراض لتأمين مستلزماتهم، مما يؤدي إلى زيادة الدعاوى القضائية بسبب عدم القدرة على السداد.

- **النظرة الاجتماعية والاقتصادية**: رغم الفوائد المرتفعة التي تصل أحياناً إلى 30%، أصبح الاقتراض بالفائدة جزءاً من الحياة اليومية، مستغلاً من قبل أصحاب المحلات والتجار لتحقيق أرباح مضاعفة.

الدين بالفائدة وسيلة أساسية في سورية اليوم لتلبية احتياجات ملحة أو طارئة، من بينها تجهيز الطلاب للعام الدراسي الجديد، وتغطية تكاليف السفر، كما أنه ركيزة تنفيذ مشاريع للزارعة والبناء والصناعة والتجارة.

انتشر في سورية على نطاق واسع اقتراض الأموال بين المواطنين لقاء الحصول على فوائد. وبات الاقتراض ظاهرة اجتماعية نتيجة تدهور الوضع المعيشي، وصعوبة تأمين مستلزمات المعيشة للاستعداد للعام الدراسي الجديد أو لتأمين تكاليف السفر، وأيضاً لشراء المحروقات في فصل الشتاء أو لإجراء عمليات جراحية.
يقول المحامي صابر مسعود لـ"العربي الجديد": "زادت بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية أعداد الدعاوى المرفوعة ضد أشخاص بتهمة إساءة الائتمان التي تنتج من تخلّف المُقترض عن تسديد الديون المستحقة للدائن الذي يكتب سندات أمانة يجب دفعها عند الطلب من أجل ضمان دينه والفوائد المترتبة أو المتفق عليها، ويقدمها إلى القضاء عند الحاجة. ويضيف الدائن غالباً فوائد بالليرة السورية إلى مبالغ الديون، أو يوقع ويبصم المُقترض على سندات خالية من الأرقام، ما يمنح الدائن فرصة إضافة الفوائد مع تكاليف المحاكمة والزمن التقديري لاستصدار الحكم".
يتابع: "في بعض القضايا يلجأ الأهل إلى الاستدانة بالفائدة لقاء تجهيز أبنائهم للفصل الدراسي أو دفع رسوم جامعية وكتب، وتأمين مستلزمات لطلاب اختصاصات الهندسة والطب، وبدل سكن أو ثمن هاتف محمول وجهاز كومبيوتر محمول لضرورات التعليم".
وأوردت صحيفة "الوطن" السورية شبه الرسمية أن "حجم التداول ضخم في قطاع الديون بالفائدة غير القانوني، وظهرت شريحة كبيرة من المستثمرين الذين يشغلّون أموالهم في الاقتراض". لكن الصحيفة لم تتحدث عن حجم الادعاءات والقضايا المتعلقة بما يسمى "سوء ائتمان" التي تنتج من عجز المدين عن تسديد المستحقات والفوائد للدائن.

يقول مدرّس في محافظة درعا فضل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد": "استنفدنا كل فرص الاقتراض من المصارف والمشاركة في جمعيات من أجل أن نوصل أبناءنا إلى التعليم الجامعي، من دون أن نتوقع حجم الضغط الذي سيسببه تحقيق هذا الهدف. أسدد منذ نحو عام ديناً بالفائدة اقترضته لتسجيل ابني في السنة الأولى تحضيري لكلية الطب في جامعة دمشق، وسأعتمد نفس الوسيلة غالباً لتجهيز باقي أولادي للمدارس هذا العام".
ويقول المزارع محمود التلّي من ريف دمشق لـ"العربي الجديد": "يقترض العديد من المزارعين أموالاً بالفائدة في بداية كل موسم من أجل شراء البذور، وتنفيذ أعمال الزراعة والسقاية، ويضطر بعضهم إلى الاقتراض قبل القطاف لشراء المحروقات. في كل الأحوال يُصبح الدائن شريكاً في الإنتاج، ويحقق أرباحاً قد لا ينالها المزارع نفسه، حتى أن كثيرين تخلّوا عن الزراعة لعجزهم عن تسديد المستحقات، وفي نفس الوقت يعتمد كثيرون على العيش من فوائد أموالهم".

تغطي الديون بالفائدة المشاريع الزراعية (فرانس برس)
تغطي الديون بالفائدة المشاريع الزراعية (فرانس برس)

ولا يرى التلّي أن الديون بالفائدة فعل شائن طالما أنه يحقق فائدة للطرفين في ظل عدم الحاجة إلى أوراق وضمانات، وإمكان تفادي مواجهة الإذلال على أبواب المصارف. لكنه يستغرب الفوائد المرتفعة التي تصل أحياناً إلى 30% على المبلغ المستدان.
ووجد العديد من أصحاب رؤوس الأموال في هذا العمل فرصة لتحقيق ربح كبير، حتى أن بعضهم جمعوا أموالاً وشغلّوها بأرباح مضاعفة نتيجة تزايد حاجة المواطنين. كما استغل آخرون حضورهم وسمعتهم في الأسواق، مثل أصحاب محلات المجوهرات وتجار الأقمشة ومواد البناء، والذين اقترض بعضهم مبالغ كبيرة من المصارف، وشغلّوها بالفائدة مباشرة أو من طريق وسطاء.

تقول سيدة من محافظة اللاذقية طلبت عدم كشف اسمها لـ"العربي الجديد": "اقترضت من المصرف مبلغ 25 مليون ليرة قبل سنوات، وأعطيت المبلغ لصائغ اتفقت معه على تقدير المبلغ بالدولار والفائدة بالمثل، ومنذ ذلك الحين أسدد أقساط المصرف من الفوائد، وأستفيد من الفائض الذي يعادل ضعف راتبي. سلكت إحدى زميلاتي في العمل نفس الطريق، واقترضت مبلغاً من المصرف حوّلته إلى الدولار وشغلته مباشرة مع زبائن يقترضون بالفائدة، فاستطاعت أن تحقق ربحاً أفضل ومضاعفاً لكنها تبذل جهداً كبيراً في التعامل مع المقترضين".
ويقول ناصر العماد، وهو صاحب مكتب لتعقيب المعاملات، لـ"العربي الجديد: "بات يغلب على المجتمع السوري صفة دائن ومدين، وغالبية المواطنين حصلوا على ديون من آخرين. يبحث الجميع عن أسهل الطرق للوصول إلى دين من خلال الاقتراض المباشر بفائدة، ومهما تعثّر حال السداد وتسبب في خلاف مع الدائن، تبقى النتائج قابلة للحل قبل الوصول إلى القضاء الذي تطبقه الجهات الرسمية. أما النظرة الاجتماعية فتجاوزت محاذير الربا لأن معظم الناس أصبحت ترى أن كل أعمال مؤسسات الدولة والفعّاليات الخاصة تجني أرباحاً غير شرعية، وحتى غير أخلاقية".

المساهمون