سوريون يتخوفون... خلافات تركية - أوروبية مستمرة حول اتفاقية الهجرة

12 ابريل 2021
تحرّك سوري في إسطنبول رغم كورونا (ياسين أكغول/ فرانس برس)
+ الخط -

 

لا تنتهي الخلافات بين تركيا والاتحاد الأوروبي في ما يخصّ اتفاقية الهجرة الموقّعة بينهما قبل خمسة أعوام. ويأتي ذلك وسط قلق يشعر به سوريون في تركيا، إذ إنّ كلّ خلاف يؤثّر سلباً عليهم.

ازدادت مخاوف سوريين في تركيا من زيادة التشديد وتقليص المساعدات والمنح التركية، من جرّاء الخلافات بين أنقرة وبروكسل وتلويح كلّ من الطرفَين بإعادة النظر في اتفاقية الهجرة الموقّعة بينهما في مارس/ آذار من عام 2016. ويرى هؤلاء أنّهم يدفعون بالتالي الثمن، على صعيد التنقل أو الملاحقة أو حتى تقليص مساعدات "كارت الهلال الأحمر" وتقييد الخدمات الصحية والتعليمية المجانية التي تقدّمها تركيا للسوريين المقيمين بصفة مؤقتة على أراضيها، وفق قانون الحماية المؤقتة الذي دخل حيّز التنفيذ في إبريل/ نيسان 2014.

وممّا فاقم مخاوف هؤلاء السوريين، تأزّم العلاقات بين تركيا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي على خلفية ما عُرف بـ"أزمة الكرسي" قبل أيام، عندما لم تخصّص أنقرة كرسيّاً لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إلى جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في القصر الرئاسي، واكتفت بوضع كرسيّ لرئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال. بالتالي، توتّرت العلاقات مع دول من بينها إيطاليا التي وصف رئيس وزرائها ماريو دراغي الرئيس التركي بأنّه "دكتاتور" فاستدعت حينها أنقرة السفير الإيطالي لديها. من جهتها، غرّدت رئيسة الكتلة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي، إيراتشي غارسيا بيريز، على موقع "تويتر" أنّه "بداية ينسحبون من اتفاقية إسطنبول، والآن يتركون رئيسة المفوضية الأوروبية من دون مقعد في زيارة رسمية. إنّه أمر مخزٍ".

وبناء على ذلك، صار يُحكى بين السوريين عن إعادة نظر في اتفاقية الهجرة، وبالتالي تقليص الدعم المالي المقدّم من أوروبا للسوريين، ووصلت المخاوف لدى بعضهم إلى حدّ الإشارة إلى ترحيل سوريين بحجة مخالفات مرتكبة. فيعبّر السوري محمد صالح، من ولاية مرسين، عن خوفه من وقف المساعدات، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّ "لديّ عجزاً بنسبة 60 في المائة. فقد توقفت المساعدات الشهر الماضي، لكنّ ثمّة وعوداً بأن تعود". ويؤكد أنّ مخاوفه تلك تنسحب على كثيرين، "سواء ممّن يُصنّفون عاجزين يتقاضون نحو 300 ليرة تركية (نحو 35 دولاراً أميركياً) شهرياً، أو ممّن يشملهم برنامج، صوي، الذي يمنح الأسر السورية مساعدات بنحو 120 ليرة (نحو 15 دولاراً) لكلّ فرد فيها".

تلك المخاوف طاولت كذلك العاملين السوريين في المؤسسات التعليمية التركية، وتؤكد المدرّسة السورية منار عبود أنّها "تزايدت اليوم على خلفية ما يقال عن خلاف تركي أوروبي وإعادة النظر في الاتفاقية الموقعة بين الطرفين"، مشيرة لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "تعليمات وصلت بتقليص عدد المدرسين السوريين". تضيف: "ربما يكون الشهر المقبل الأخير الذي يتقاضى في خلاله المدرسون من غير حملة الإجازات الجامعية راتبهم الشهري المقدّر بـ2020 ليرة (نحو 250 دولاراً)".

الصورة
مدرسة وتلاميذ سوريون في تركيا (محمد الشامي/ الأناضول)
المخاوف تطاول كذلك العاملين السوريين في المؤسسات التعليمية التركية (محمد الشامي/ الأناضول)

ترى مصادر تركية مسؤولة أنّه "ليس من مصلحة الاتحاد الأوروبي الضغط على تركيا ونسف الاتفاقية لأنّه المستفيد". وتوضح المصادر نفسها لـ"العربي الجديد" أنّ "تركيا تستقبل أكثر من خمسة ملايين لاجئ، منهم 3.6 ملايين سوري، ومعظم هؤلاء يتطلعون إلى الهجرة غير القانونية إلى أوروبا، فيما تركيا تضبطهم وتتكبد أعباء مالية واجتماعية من جرّاء ذلك". وتذكّر بتصريح الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، بـ"ضرورة استمرار تنفيذ اتفاقية مارس/ آذار 2016 بشأن الهجرة مع تركيا"، وبتأكيد بوريل من بروكسل أخيراً رغبة الاتحاد الأوروبي في تجديد الاتفاقية في المستقبل.

وكان بوريل قد صرّح بأنّ اتفاقية الهجرة مع تركيا "ما زالت سارية وينبغي الاستمرار في تنفيذها"، لافتاً إلى أنّ هذه الاتفاقية تمثّل "مصلحة مشتركة" لتخفيف العبء عليها ولمنع الهجرة غير النظامية وفقدان الأرواح، ومضيفاً أنّ "الاتفاقية سوف تُناقَش ما بين دول الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، ليُعقَد بعد ذلك لقاء مع تركيا من أجل تجديدها". ولم يخفِ بوريل أنّ الاتفاقية تعرّضت لانتقادات كثيرة لكنّها أعطت نتائج ملموسة وأدّت إلى تقليل الخسائر في الأرواح والحدّ من العبور غير النظامي للحدود. وتابع أنّها حسّنت كذلك وضع اللاجئين والمهاجرين في تركيا، والأرقام تظهر ذلك، إذ خُصّصت ستة مليارات يورو (7 مليارات و140 مليون دولار) لدعم اللاجئين، لكنّه شدّّد على أنّ السوريين في تركيا ما زالوا في حاجة إلى المساعدة.

وفي سياق متصل، يرجّح مراقبون أتراك أن يُعاد النظر في اتفاقية الهجرة التي وقعتها بلادهم مع الاتحاد الأوروبي، لأنّ أوروبا برأيهم لم تلتزم ببنود الاتفاقية، خصوصاً منح المساعدات المتفق عليها وتحرير تأشيرة دخول الأتراك إلى دول أوروبا. ويقول المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد" إنّ "الدول الأوروبية لم تلتزم ببنود الاتفاقية، فمن أصل ستة مليارات يورو أُقرّت على دفعتين في عامَي 2017 و2018، لم تسدّد دول الاتحاد حتى اليوم إلّا نسبة ضئيلة، كذلك فإنّها لم تلتزم بمبدأ واحد في مقابل واحد ولم تعفِ الأتراك من تأشيرة الدخول إلى أوروبا". ويسأل: "استناداً إلى ماذا يقولون إنّهم ملتزمون بالاتفاق؟". ويشير كاتب أوغلو إلى أنّ "الدول الأوروبية أخلّت كذلك بالشرط التركي المتعلق بعدم استقبالها عناصر مصنّفين إرهابيين ورعايتهم ودعمهم كممثلين لمنظمات مجتمع مدني". وفي حين يتوقع كاتب أوغلو أن "تشهد الأيام المقبلة إعادة للتوافق وحلاً للخلافات" بين بلاده ودول الاتحاد الأوروبي، يؤكد "عدم تخلي تركيا عن اللاجئين السوريين، حتى لو أخلّت أوروبا ببنود الاتفاقية. لكنّ ثمّة مساعدات سوف تتأثر بلا شك. فتركيا صرفت نحو 42 مليار دولار على الإخوة السوريين، لكنّ الدول الأوروبية التي تعهدت بالمساعدة لم تقدّم إلا ملياراً دولاراً". ويتابع كاتب أوغلو أنّ "تركيا تسعى إلى زيادة المساعدات حتى في داخل سورية (المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري)، وقد أنشأت أخيراً مدارس ومستشفيات ودور عبادة، وهي تعمل باستمرار على تأهيل البنى التحتية لمحاولة جذب الاستثمارات واستقرار السوريين ونقلهم من المخيمات على الحدود إلى مساكن لائقة في بلادهم". ويؤكد أنّه "لا يمكن لأنقرة أن تتخلى عن منح الظروف والشروط الطبية والتعليمية للسوريين على أرضها، فالقصة ليست انتظار مساعدات الأوروبيين على الرغم من دورها وحقّ تركيا والسوريين بها، إنّما تتعلق بجوار وبإنسانية وبعلاقات وتاريخ مشترك".

يُذكر أنّ رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب كان قد صرّح بأنّ بلاده توفّر للسوريين الإمكانات نفسها التي توفّرها لمواطنيها. وأكد في خلال لقاء مع رئيس الدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير، في العاصمة أنقرة أخيراً، أنّ "تركيا الدولة التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم، وهذا أمر لا يمكن للدول الأخرى القيام به حتى لو امتلكت إمكانات اقتصادية".

الصورة
امرأة سورية في متجر ممول من الاتحاد الأوروبي في تركيا (آدم ألتان/ فرانس برس)
في متجر يموّله الاتحاد الأوروبي في الجنوب التركي (آدم ألتان/ فرانس برس)

بالعودة إلى قلق السوريين، فقد سرت بين أعداد كبيرة منهم أخيراً مخاوف من الترحيل إلى مناطق في سورية وإن لم تكن خاضعة إلى سيطرة النظام، نظراً إلى أنّها آمنة من وجهة النظر التركية، خصوصاً بعد الخطوة الدنماركية، على الرغم ممّا لاقته من انتقادات من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

عدنان فاضل واحد من هؤلاء المتخوفين، إذ يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "التوترات بين تركيا والدول الأوروبية قد تتفاقم، وربما من حقّ تركيا تخفيف الأعباء المالية وترحيل سوريين إلى شمال غرب سورية، خصوصاً أنّ ثمّة سوريين يُرحّلون بعد ارتكابهم مخالفات، وهو ما يعني إمكانية العيش بأمان وفق المنظور التركي على الأقلّ". ولا يخفي مخاوفه كذلك من "تقييد السفر بين المحافظات واستمرار إغلاق الحدود وعدم زيارة السوريين في تركيا أهلهم في الداخل في خلال المناسبات والأعياد، أو وقف المساعدات المباشرة من قبيل كرت الهلال الأحمر وكرت المول لأنّ أسراً سورية كثيرة تعيش مستندة إليها".

قضايا وناس
التحديثات الحية

من جهته، يرى رئيس تجمّع المحامين الأحرار في تركيا، غزوان قرنفل، أنّ "تلك المخاوف مبررة لكنّها مبالغ فيها". ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "تركيا، حين استقبلت السوريين لم تعتمد على المساعدات الدولية. لكن حينما طالت فترة اللجوء وزادت الأعداد، وبحكم المصالح المشتركة، أُبرمت الاتفاقية، ومن حق تركيا المطالبة بتنفيذ بنودها". ويقترح القانوني السوري أن "تُستثمر المنح الأوروبية التي نصّت عليها الاتفاقية والمساعدات والمنح الأخرى في مشروعات بتركيا يعمل فيها سوريون، لأنّ ذلك بحسب رأيه يؤمّن دخلاً وتأهيلاً للاجئين ويبعد عنهم تهماً يروّج لها بعض الأتراك، وهي أنّ السوريين يأخذون الأموال التركية وهم سبب ارتفاع نسبة البطالة في البلاد". ويؤكد قرنفل أنّ "تركيا ملتزمة بالحماية المؤقتة ولا يمكن أن تلزم السوريين بالعودة، لأنّ سورية أوّلاً غير آمنة ومستقرة والأهم أنّ تركيا بالفعل تتعامل بخصوصية مع اللاجئين السوريين وتقيم على نحو مستمر دورات لتأهيل السوريين ودمجهم".