سوريون لا يشعرون بفرحة رمضان المفترضة
للعام الحادي عشر على التوالي، يحلّ شهر رمضان حزيناً على السوريين في مختلف أنحاء البلاد، لا سيّما في مناطق شمال غرب سورية. وبعد سنوات الأزمة السورية العشر، أتت التحضيرات الخاصة بهذا الشهر أشدّ صعوبة، خصوصاً أنّ الحياة باتت أكثر قسوة على النازح المقيم في مخيم أو الذي استأجر له ولعائلته مسكناً في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري في محافظة إدلب، وكذلك على أهالي تلك المنطقة. فالظروف كلها جعلت المعيشة صعبة، الأمر الذي أثّر على عجلة الحياة، في الوقت الذي يمثّل فيه تفشي فيروس كورونا الجديد عائقاً آخر أمام بهجة الناس بحلول رمضان.
عبد الكريم الإبراهيم شاب سوري نزح من مدينة معرّة النعمان، جنوبي محافظة إدلب في الشمال السوري، في العام الماضي، وهو يقيم اليوم مع عائلته في بلدة كفر تخاريم في ريف إدلب الشمالي الغربي. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "أموراً كثيرة لن تكون حاضرة وسوف نخسرها في رمضان، هي أمور أصيلة مرتبطة بهذا الشهر. فهذا العام، سوف نقضي شهر الصيام بعيداً عن منزل العائلة، وبعيداً عن الإخوة الذين صار كل واحد منهم في مكان، وبعيداً عن الجيران. كذلك لن تكون التحضيرات كما في السابق، عندما كنّا نشتري أطعمة ومشروبات مرتبطة بالشهر قبل أيام من حلوله. في الوقت الراهن، يغيب الاهتمام كلياً بهذا الأمر". ويشير الإبراهيم إلى أنّه في الأيام الماضية مع اقتراب هذا الشهر، "راح والدي يتذكر المسجد الكبير في معرّة النعمان، في حين تدمع عيناه. لكن ما باليد حيلة، وكل ما أرجوه هو أن يأتي الشهر بالخير علينا وعلى النازحين وهؤلاء الذين هجّرتهم الحرب إلى أصقاع الأرض".
ويفتقد الإبراهيم "جمع العائلة"، علماً أنّ العائلات في عموم مناطق سورية تحرص بجميع أفرادها على الاجتماع حول المائدة الرمضانية. وهذه الأجواء لم تكن فقط محصورة بالعائلة الصغيرة إنّما تشمل كذلك تلك الكبيرة. ويشير إلى أنّه "مع تهجّر الأهالي وتفرّقهم في المخيمات وغيرها، تأتي وسائل التواصل الاجتماعي كبديل عن اللقاء"، مشدداً على أنهم كانوا ينتظرون رمضان لروحانيته وما يجلبه من تكافل اجتماعي في المناطق. لكنّ هذا سيغيب هذا العام.
في مخيمات النزوح، يختلف الوضع تماماً عمّا هو عليه في مدن إدلب وبلداتها. ويقول الناشط عباس أبو أسامة لـ"العربي الجديد" إنّ النازح يترقب سلة المساعدات الإنسانية التي قد تصله مع حلول شهر رمضان من منظمة إنسانية أو جمعية إغاثية وتخفّف عبئاً كبيراً مع حلول الشهر". يضيف "كثيرة هي الهموم التي تشغل النازحين في المخيمات، منها البحث عن عمل لتوفير مصدر دخل، خصوصاً مع غلاء الأسعار وقلّة الفرص ومتطلبات الحياة التي تحاصر الجميع في المنطقة".
في السابق، في عموم مناطق سورية، كانت لرمضان خصوصيته، ومنها عودة المسافرين من خارج البلاد مع قرب حلول الشهر، لقضائه مع العائلة. لكنّ ذلك يغيب اليوم، مع تغيّر أحوال العائلات. فقد نزح أفراد منها ومن غادر إلى خارج البلاد لن يعود. بالتالي صار هذا التقليد مرهوناً بالمسافات والحدود وسط الظروف الحالية. وهكذا مُنع الأجداد من رؤية أحفادهم والأمهات والآباء من لقاء أبنائهم. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذا الشهر إلى جانب روحانيته، يتسبّب في حزن لذوي المعتقلين في السجون والمفقودين.
بلال أبو عبدو مهجّر من ريف حمص الشمالي، يقيم حالياً في مخيّم الخير بالقرب من بلدة دير حسان شمالي إدلب. يخبر "العربي الجديد" أنّه لم يشعر بقرب حلول شهر رمضان، معللاً بأنّ "مشاغل الحياة كثيرة وكل يوم يحمل معه أموراً جديدة". ويشير إلى أنّ "التهيؤ لرمضان كان مميزاً في ريف حمص الشمالي حيث كنت أقيم. كانت شوارع المنطقة تعج بالمارة مع قرب حلول الشهر، وكانت ملامح السرور تبدو واضحة على وجوه الناس، حتى في عزّ سنوات الحصار". وإذ يؤكد أنّ "كلّ مشاهد الفرح غائبة اليوم وكذلك التحضيرات لاستقبال الشهر"، يقول "اشتريت بعض الأمور الضرورية فقط لاستقبال الشهر، ومن المتوقع أن تكون أيامه مشابهة لباقي أيام السنة... سعي وراء العمل والبحث عن الاستقرار".
من جهته، يقارن أحمد، وهو من أهالي مدينة إدلب، ما بين يوميات المدينة اليوم وما كان في الفترة التي سبقت حلول شهر رمضان في العام الماضي. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "المحال التجارية عرضت في واجهاتها أنواعاً من التمور والحلويات المرتبطة بشهر رمضان، بالإضافة إلى التمر هندي والسوس. لكنّ إقبال الأهالي ضعيف قياساً مع العام الماضي، بسبب الأوضاع المعيشية التي ازدادت صعوبة هذا العام". ويأمل أحمد أن "يجلب شهر رمضان الخير والبركة، ما يعيد البهجة إلى الناس، وأنا من بينهم. الحياة وهمومها أبعدتنا عن التفكير بكيفية قضاء الشهر وماذا نحمل إلى بيوتنا مع حلوله". يضيف أنّ الذكريات باقية، متمنياً أن "تعود تلك الأيام وتجلب معها الفرح ولمّ شمل الأسر والجيران، وأن تجلب معها أجواء التكافل التي كنّا نعيشها، فيتشارك الغني والفقير الوجبات".