في الثلاثين من سبتمبر/ أيلول من عام 2015، تغيّرت "منهجية الانتقام" من المناطق المنتفضة على النظام السوري، بعد تدخّل آلة القتل الروسية، فارتفعت وتيرة القصف الجوي لتبلغ معدّلات غير مسبوقة. وقد استُخدمت في ذلك أسلحة فتاكة جديدة لقتل المدنيين وتدمير البنى التحتية والمدارس والملاجئ وغيرها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. ومنذ الأيام الأولى من الحرب الروسية على أوكرانيا التي انطلقت في 24 فبراير/ شباط 2022، راح سوريون يقارنون ما تعرّضوا له من جرّاء القصف الروسي بالمشاهد التي تردهم من أوكرانيا، مؤكّدين أنّ الوحشية ذاتها والقتل ذاته.
يشبّه الشاب السوري عامر جمعة ما يجري اليوم في أوكرانيا بالقصف الذي شهده على بلدة حر بنفسه في ريف حماة الجنوبي، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّ "القصف المركّز وصوت القنابل والغبار الذي غطّى السماء لا يوصفان. الوضع كان جنونياً بكلّ ما للكلمة من معنى، إذ لا مفرّ من القنابل". يضيف: "عشت أسبوعاً كاملاً تحت قصف الطائرات الروسية المتواصل ليلاً نهاراً، فيما بيني وبين الموت شعرة"، مشدداً على أنّ "الإجرام الروسي ذاته يحدث في أوكرانيا اليوم، مع قصف الأبرياء من دون سبب".
بدورها، تحكي خديجة رسلان، أمّ يونس، المهجّرة من ريف حماة لـ"العربي الجديد" عن "الدمار التي أحدثته الطائرات الروسية في بلدتي كفرزيتا". وإذ تؤكد أنّ "الغارات الجوية كانت مخيفة جداً"، تذكّرها فيها "مشاهد الدمار الذي يحدثه القصف الروسي في أوكرانيا". وتوضح: "عشنا الرعب بسبب قصف الطائرات. لا أتخيّل أنّ أحداً قد يصمد أمام قصفها. والأمهات في أوكرانيا يشعرنَ بالخوف على أطفالهنّ، ونحن عشنا هذا الخوف في ما سبق وما زلنا نعيشه حتى يومنا هذا".
أمّا محمد العبود النازح من مدينة كفرنبل، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّه "خلال ستّة أعوام من التدخل الروسي، لم نشهد إلا الإجرام والقتل". وفي الإطار نفسه، يقول علاء الياسين، معالج فيزيائي يقيم حالياً في مدينة إدلب، لـ"العربي الجديد" إنّه "على الرغم من اختلاف المكان ما بين سورية وأوكرانيا، فإنّ الإجرام واحد". يضيف أنّ "كلّ الإجرام الذي مارسه النظام السوري لا يرقى إلى ذلك الروسي. فعندما يقصف الطيران الروسي، يشعر المرء بأنّه لن ينجو أينما اختبأ. بالتالي كنّا ننتظر حتفنا، حين تشير المراصد إلى قصف روسي".
بالنسبة إلى محمود المرّ المهجّر من مدينة معرّة النعمان، فإنّ "خسارتي كانت قاسية من جرّاء القصف الروسي". ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "القصف الروسي على مناطقنا استُخدمت فيه كلّ أنواع القذائف والذخيرة. لم يوفّر الروس أيّ نوع من أنواع الأسلحة في قصفنا. شوارع بالكامل كانت تُدمَّر بصاروخ واحد، وبنى تحتية كاملة تُدمَّر". ويشير المرّ إلى أنّ "أمّي وابني استشهدا في قصف روسي على معرّة النعمان، علماً أنّ القصف استهدف حياً شعبياً لا يضمّ أيّ مقرّ للثوار أو الفصائل. القصف استهدف المدنيين... كان يتركّز بنحو 99 في المائة منه على المدنيين، وحتى الأموات في المقابر طاولهم القصف الروسي".
يضيف المرّ: "لسنا في أوكرانيا لنعلم ما يحدث، لكنّ الشعب السوري الذي طالب بالحرية متعاطف مع الشعب الأوكراني، كون الاحتلال واحد والقاتل واحد والسمّ ذاته الذي تجرّعناه من (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يتجرّعه الشعب الأوكراني". ويتابع المرّ "أنا واثق من أنّ القصف الروسي الذي استهدفنا في سورية هو ذاته يتكرّر في أوكرانيا، لكنّ المفارقة هي في أنّ المجتمع الدولي لم يقف معنا الوقفة ذاتها التي يقفها مع أوكرانيا... يبدو أنّ الأوروبيين يزوّدونهم بالسلاح للدفاع عن أنفسهم. كذلك ثمّة مفارقة أخرى وهي تصوير أيّ مقاومة للشعب السوري على أنّها إرهاب فيما تُعَدّ أيّ مقاومة للشعب الأوكراني عملاً بطولياً".
يُعَدّ ريف حمص الشمالي المسرح الأوّل لعمليات القصف الجوي الروسي في سورية، ومن بين الذين شهدوا ذلك القصف خضر العبيد الذي هُجّر مع عائلته من بلدة الدار الكبيرة. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الفارق من وجهة نظري كبير. مذ تذخّلت روسيا في سورية كان الهدف واضحاً، وهو التدمير وقتل المدنيين... قتل أكبر عدد منهم وتشريدهم، مع الاعتماد الرئيسي على سياسة الأرض المحروقة. كان يستهدف تجمّعات المدنيين بشكل مباشر، ومن المجازر الشاهدة على ذلك مجزرة الفرن في بلدة تيرمعلة، ومجزرة الزعفرانة التي استهدف الطيران الروسي فيها السوق، ومجزرة الغنطو التي راح ضحيتها أفراد من عائلة عساف عندما استهدف الروس ملجأ يؤوي نساء وأطفالاً... وكانت الحصيلة 45 شهيداً".
يضيف عبيد: "أمّا في أوكرانيا، فثمّة قصف واستهداف لأماكن عامة مثلما نشاهد في وسائل الإعلام. صحيح أنّ ثمّة قتلى من المدنيين، لكنّ الفظاعة ليست ذاتها التي وقعت في سورية. هنا، كان استهداف المدنيين يتمّ بعد تخطيط، فيما الأسلحة المستخدمة متنوعة وكثيرة. وقد كانت سورية حقل تجارب، إذ استخدمت روسيا القنابل العنقودية والفراغية وقنابل الفوسفور والصواريخ البالستية ضدّنا نحن المدنيين. أمّا في أوكرانيا، فالأسلحة بمعظمها تستهدف نقاطاً عسكرية".
ويخبر العبيد أنّ "الروس في ريف حمص الشمالي لعبوا على وتر الرعب لدينا. الطيران الروسي لم يكن يحلّق في النهار، وفي فترة معيّنة، في الساعة التاسعة ليلاً، كان سرب من الطائرات، خمس أو ستّ، يقصف الريف بالكامل. وعند الساعة 11 من قبل منتصف الليل، كانت تتكرّر العملية نفسها. حينها لم نكن نعرف النوم، وكان القصف يستهدف فقط التجمعات السكنية. والأمر نفسه عند الساعة الثالثة فجراً، قبل أن يمرّ السرب الأخير عند الساعة الخامسة فجراً".
ويؤكد العبيد أنّ هذه الحال "استمرّت لنحو عام ونصف عام في ريف حمص الشمالي، إذ يكون القصف ليلاً وسط خوف كبير لدى الناس، الأمر الذي تسبّب في أزمة نفسية لعدد كبير منهم".
في السياق نفسه، يتذكّر يوسف الخالد من أهالي بلدة حريتان في حلب كيف أُجبر على مغادرة بلدته مع عائلته من جرّاء القصف، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّ "مشاهد القصف بالصواريخ الفراغية مرعبة جداً. شهدت قصف مركز تجاري في المنطقة مؤلف من أربع طبقات، سُوّي خلال ثوانٍ معدودة بالأرض إذ قُصف بصواريخ فراغية. الروس لا يبالون بالمدنيين ولا بغيرهم ولا يهتمون لطفل أو شيخ أو امرأة... همّهم الوحيد القتل والترهيب لإرضاخ الخصم. وهذه السياسة ذاتها ألحظها في مشاهد الدمار الواردة من أوكرانيا".