استمع إلى الملخص
- تؤمن بأن الخط العربي كائنات حية تحمل قصصاً، وتسعى من خلال "سهام الفن" لتطوير الحرف العربي وإدراجه في الحياة اليومية، وتشارك في ملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي.
- تهدف لترسيخ الخط العربي في الأجيال المستقبلية عبر ورشات للأطفال والشباب، وتعمل على إعداد معرض فردي يضم لوحات خطية على الخشب.
تغوص الخطّاطة المغربية سهام گرواض في عوالم الخط العربي، متحركة بخفّة بين إشراقات الحرف وجماليات الزخرفة، مستلهمة من ينبوع التراث الغني، لتنطق لوحات تعكس عظمة اللغة العربية، وتُجسّد رؤية تجمع بين الأصالة والتجديد لهذا الفن العريق. تحمل خريجة أكاديمية الفنون التقليدية بالدار البيضاء، على عاتقها مسؤولية التعريف به وإبراز جمالياته من خلال أعمالها الفنية.
تقول: إن الخط العربي ليس مجرد رسم وكتابة، بل هو فنٌّ وعلم له قواعده وأسسه التي تعلمتها وأعلمها، إنه العالم الذي اختارني وعلمني المحبة والسلام والتسامح والتعمق في فهم الجمال بكل معانيه، فإذا كان الحديث اليوم عن العلاج بالفن بما هو أحد أساليب التعافي والتعبير عن الأفكار وفهم المشاعر، والتعامل مع الحياة وضغوطاتها بشكل أفضل، فإن هذا المجال منحني كل هذه المساحة وأكثر".
تقود مؤسِّسة "سهام الفن" مشروعاً فنياً يهتم بتطويرَ الحرف العربي وإدراجه في الحياة اليومية بصيغ عديدةٍ جديدة بهدف خلق آفاق أوسع للتواصل عبره. وتشارك حاليا في ملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي في دورته التاسعة (من 24 أكتوبر إلى 2 نوفمبر)، إلى جانب 160 فناناً وفنانة من 16 دولة عربية وأجنبية.
بدأت رحلة سهام گرواض مع الخط العربي منذ سنة 2013 داخل أكاديمية الفنون التقليدية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، وبالضبط شعبة فن الخط العربي والزخرفة، حيث تشربت أسرار وقواعد هذا العلم الذي قال عنه ابن خلدون في مقدّمته: "إنّه صناعةٌ شريفة يتميّز بها الإنسان عن غيره، وبها تتأدّى الأغراض، ويطَّلع بها على العلوم والمعارف وصحف الأولين وما كتبوه من علومهم وأخبارهم". تقول: "كانت البدايات صعبة في مجال جديد لا أعرف عنه شيئاً، غير أنني وجدت الدعم والسند من أساتذة لم يبخلوا عليّ من فيض معرفتهم، كانت السنة الأولى داخل الأكاديمية لدراسة الخطوط المغربية والمشرقية والزخرفة أيضاً، في حين خصصت السنة الثانية للمشاركة في معارض وطنية وورشات وملتقيات، وهنا بالضبط أدركت أن هذا العالم الذي دخلته عن طريق الصدفة، هو شغفي الحقيقي الذي لا يمكن أن أتخلى عنه".
وإذا كان الشغف هو البداية الحقيقية للنجاح كما يقال، فإن الفنانة التي كانت تشتغل في المكتبة الوسائطية لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، وجدت في الخط العربي تلك الطاقة التي تملأها بالإلهام والحماس لمواجهة تحديات الحياة وضغوطاتها. وقررت بعد تخرجها عام 2015، الاستمرارية والاجتهاد في عالم لم يبح بعد بكل أسراره، فالحروف بالنسبة لها أكثر من مجرد رموز؛ بل بمثابة كائنات حية تتحرك وتنمو تحت يديها، وكأنها تحمل في طياتها قصصاً تنتظر أن تُروى.
بصمة خاصة في عشق الحرف العربي
تشربت سهام گرواض من نبع الخط العربي وقواعده من الكوفي إلى الثلث والديواني... لكن عملها لم يتوقف عند حدود ما تعلمته؛ بل كانت دائمة البحث عن بصمتها الخاصة. ولعل ما يميزها هو رغبتها العميقة في المزج بين الماضي والحاضر. فهي تؤمن أن الفن يجب أن يتطور مع الزمن، وأنه يمكن للتقنيات الحديثة والمواد الجديدة أن تكون جزءاً من هذا التراث العريق دون أن تفقده جوهره. وفي هذا الصدد تروي: "إن حبّي للحرف العربي وطموحي أن أخرج به قليلا من عالم اللوحة، وكذا عشقي للخشب الطبيعي وولعي بهذه المادة التي طبعها الله بسحر رباني، جعلاني أفكر في إنتاج أعمال تجمع بين جمال المادة وجلال الحرف".
وتضيف: "إن الهدف الأساسي من هذه الأعمال هو تطوير الحرف العربي وتجسيمه وإدراجه في حياتنا اليومية وفتح المجال له أن يدخل بيوتنا بصيغ عديدةٍ جديدة وخلق آفاق أوسع للتواصل بين هذا الفن الجميل والجماهير المحبة له".
سهام گرواض..سفيرة الخط المغربي
الخط العربي بالنسبة لسهام ليس مجرد وسيلة للتعبير عن الجمال بصيغة بصرية أكثر تأثيراً، بل هو رحلة مفتوحة للتعريف به وبأنواعه المختلفة ونقله إلى الأجيال المستقبلية بهدف ترسيخه والحفاظ عليه في تجسيد لمقولة "الخط العربي أينما ظهر بهر"، من هذا المنطلق تضع نصب عينيها تكوين وتشجيع الأطفال والشباب على الارتواء من منابعه والتشبع بجماليات وتفرد الخط المغربي.
توضح أنه "انطلاقاً من حبي وعشقي لفن الخط العربي والمغربي، وإيمانا مني بخصوصيته وجماله وتميزه وأصالته وتجذره في الثقافة والمجتمع، وإسهاماً في الحفاظ على دوره الثقافي وحضوره الفني وقيمه الجمالية، اخترت مشاركة خبرتي التي راكمتها طيلة مشواري الدراسي والمهني لتمكين شريحة كبيرة من الأطفال والشباب من تعلم قواعد الخط العربي وفنونه عبر تنظيم العديد من الورشات المفتوحة والدروس التطبيقية".
وتتابع: "يعد اختياري لمسار التربية الفنية عبر فنون الخط العربي مساهمة مني في التحسيس بأهمية تراثنا الخطي البهي والحفاظ عليه من النسيان". لا تقتصر مساهماتها على التعليم والنشر فقط، بل تشمل أيضاً استنطاق أسرار الحرف على الورق وداخل تجاويف اللوح الخشبي، والمساهمة في تمثيل المغرب في عدة تظاهرات فنية ودولية تعنى بالخط العربي.
وتشارك سهام گرواض حالياً في ملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي الذي يحمل هذا العام اسم الخطاط محمد حمام، ويعقد تحت شعار "بناء يتجدد". عن مشاركتها تقول لـ العربي الجديد" "أشارك بلوحتين، الأولى بالخط المغربي المبسوط والثانية بالخط الديواني القريب إلى قلبي، وإنه لشرف لي أن أمثل بلدي في حدث فني كبير يجمع ثلة من الفنانين، كما أنني سعيدة باختياري في برنامج الإقامة الفنية الإبداعية من مؤسستي "القلم" و"أنا ليند"، وبتبادل الأفكار والفنون والإبداعات، واكتساب رؤى جديدة وإثراء التجارب لدعم الحوار الثقافي الفني بين مصر والمغرب".
إن المتأمل في لوحات الفنانة يلاحظ عشقها الكبير للخط المغربي بخصوصيته ورونقه وتناسقه وأنواعه سواء منه المبسوط لبساطته وسهولة قراءته، أو المجوهر لجماله وتناسب حروفه وتناسق سطوره… من بين هذه الأعمال نجد لوحة "فلسطين" في نوفمبر 2023، التي خطتها بالمبسوط والجوهر، وتحمل في طياتها رسالة عن القضية الفلسطينية وعن الشعب الصامد رغم الإبادة الإسرائيلية، وقد جاء فيها: احجبوني ولكني دون نقاطي أُقْرَأ، احجبوني ولكني ولو مزقت أُفْهَم، ولو فككت حروفي أُفْهَم ولو غيرت حروفي .. و لو فككت ألواني.. أُفْهَم". أما لوحة "الصمت في حرم الجمال جمال" المقتبسة عن قصيدة الشاعر نزار قباني، فقد اختارت أن تنقش حروفها على خشب الجوز بخط الثلث المغربي الذي منحها انسيابية وتناغماً.
تقول لـ "العربي الجديد": إن اللوحة الخطية تشبه الجنين، تخرج إلى الوجود بعد مخاض، تبدأ أولاً بالفكرة واختيار النص الملائم ثم تصميمه وإصلاح الحروف، تليها مرحلة التنفيذ التي تتطلب أدوات خاصة من أوراق وحبر وأقلام وطاولة ضوئية، ثم تطبيق العمل على الورق المقهر المعدّ لهذ الغرض، ثم مرحلة "الترتيش" والتنظيف وإزالة الزوائد، وأخيراً اختيار الإطار المناسب لعرضها في شكلها النهائي. وتعكف حالياً على وضع اللمسات الأخيرة لمعرضها الفردي الذي سيضم لوحات خطية على الخشب "تصيبُ القلوب الظمأى فتَرويها، والعيونَ العطشى فتسقيها".