سكان إسطنبول يعيشون هاجس وقوع "الزلزال الكبير"

17 مارس 2023
من المتوقع تضرر نحو 100 ألف مبنى في حال وقوع زلزال بإسطنبول (أوزان كوسه/ فرانس برس)
+ الخط -

يقوم مهندس يرتدي سترة زرقاء ويضع خوذة بيضاء بفحص الخرسانة في مبنى متواضع بمنطقة باتشلار في إسطنبول، وذلك في إطار مسح يُعلَم السكان من خلاله إذا كانت جدران منازلهم معرّضة لخطر الانهيار مع أوّل زلزال.

يقول دورموش أويغون، وهو مالك شقة تقع في الطبقة الرابعة من هذا المبنى، إنّ "لديّ ثقة إجمالاً (بأنّ البناء متين)، غير أنّ أولادي غير مقتنعين بالأمر. لذلك نجري هذا الفحص"، ويضيف: "إذا كان الفحص إيجابياً، فسوف نتمكن من العيش بسلام. لكن من يعلم أين سوف نكون حين يضرب الزلزال؟ قد نكون في السوبرماركت أو في أماكن عملنا، وهذا ما يخيفنا".

ومنذ وقوع الزلزال المدمّر في السادس من فبراير/ شباط الماضي والبالغة قوته 7.7 درجات على مقياس ريختر والذي أسفر عن أكثر من 48 ألف قتيل في تركيا وخلّف خراباً في مناطق بأكملها، اتّصل أكثر من 140 ألف شخص ببلدية إسطنبول من أجل فحص مبانيهم. وبالتالي، راح خمسون فريقاً من المهندسين يجوبون المدينة ويفحصون نوعية الخرسانة وقطر قضبان البناء. وإذا قدّروا أنّ الخطر "مرتفع جداً"، فمن الممكن أن يُتّخَذ قرار بهدم المبنى.

وزلزال السادس من فبراير الذي ضرب جنوبي تركيا، سُجّل على بعد 800 كيلومتر من إسطنبول، على فالق بعيد. لكنّ صور المدن المدمّرة بكاملها تُسبّب خوفاً راح يستشري في إسطنبول حيث من المتوقع انهيار نحو 100 ألف مبنى أو تضرّرها بشدّة في حال وقوع زلزال بقوة 7.5 درجات على مقياس ريختر، حتى باعتراف البلدية.

"كل ما يمكنه المساهمة في الإنقاذ"

تقع بعض أحياء جنوبي مدينة إسطنبول على بعد 15 كيلومتراً فقط من فالق شمال الأناضول، وقد احتسب خبراء الزلازل احتمال وقوع زلزال بقوة تفوق 7.3 درجات على مقياس ريختر بالقرب من إسطنبول، فأتى ذلك بنسبة 47 في المائة في خلال 30 عاماً.

على بعد شارعَين من مبنى "دورموش أويغون" في حيّ مكتظ على الجانب الأوروبي من إسطنبول، يبيع علي نزير منذ شهر صافرات للسكان الذين يتخوفون من أن يجدوا أنفسهم في أحد الأيام تحت الأنقاض. من جهته، يبيع أوغور إريس أوغلو، وهو تاجر جملة في إسطنبول، حقائب حمراء صغيرة مصمّمة خصيصاً للزلازل، تحتوي على مصابيح وبطانيات ومستلزمات طوارئ. باختصار هي تتضمّن "كلّ ما يمكنه المساهمة في الإنقاذ"، لقاء 200 ليرة تركية (نحو 10 دولارات أميركية)، ولا يخفي أنّ مبيعاته ارتفعت بصورة كبيرة، موضحاً: "نبيع منها ألف حقيبة شهرياً. ومنذ وقوع الزلزال، تلقّينا 15 ألف طلبية، من بينها ثمانية آلاف في إسطنبول".

"حالة تأهّب"

وثمّة خوف من "الزلزال الكبير" مترسّخ خصوصاً في أذهان السكان الذين عاشوا زلزال أغسطس/ آب 1999 الذي أوقع أكثر من 17 ألف قتيل في شمال غرب تركيا، من بينهم ألف في إسطنبول. وهذا الخوف يدفع بعض السكان إلى السعي لنقل مكان سكنهم. ويقول محمد إركيك، وهو مدير عام منصة "زينغات" للإعلانات العقارية، إنّ "ثمّة طلباً قوياً للانتقال إلى الأحياء الشمالية من إسطنبول، الأكثر بعداً عن خط الفوالق، وإلى منازل منفردة".

كما يتزايد الطلب للانتقال إلى مدن مثل أدرنة وقرقلريلي الواقعتَين على بعد نحو 200 كيلومتر عن شمال غربي إسطنبول، والبعيدة عن هزّات محتملة.

وتستقبل الطبيبة المتخصصة بالأمراض النفسية نيل آكات مرضى "يخططون أيضاً للانتقال من إسطنبول"، وتؤكد أنه "لم يعد كثيرون يشعرون بالأمان في منازلهم. إنّهم في حالة تأهّب دائمة. في الشارع يختارون الجانب الآمن من الرصيف، تحسباً لاحتمال انهيار مبنى". وتقول آكات إنّها تحدّثت إلى زملائها عن هذا الأمر، وخلصوا إلى أنّ "عدداً من مرضانا لم يعد قادراً على التفكير بطريقة عقلانية"، موضحة أنّ هذا الخوف يمكن أن يسيطر على "الجميع"، من دون أيّ تفرقة ما بين الأعمار أو الطبقات الاجتماعية.

من جهتها، تفكّر جيزل إكتيمور في مغادرة إسطنبول منذ مدّة طويلة، لكنّ زلزال السادس من فبراير حوّل هذه الرغبة إلى "أولوية". فالمرأة الثلاثينية تقيم في الطبقة الثانية عشرة من برج سكني، علماً أنّ شقتّها مطلّة على المدينة، والمشهد خلاب اليوم. لكنّها، بهدف تفادي رؤية مشاهد الدمار التي قد تنجم عن زلزال قوي، تفضّل الانتقال، وتقول: "حتى لو لم يلحق أيّ أذى بالمبنى الذي أقيم فيه، إلا أنّني لن أتمكّن من تحمّل ما سوف أراه، من دون شك".

(فرانس برس)

المساهمون