سعيد الطويل... صاحب "أخبار عالريق" شهيداً

18 نوفمبر 2023
كان سعيد محبوباً بين أفراد أسرته وأصدقائه (إنستاغرام)
+ الخط -

على من ستبكي هذه السيدة الصابرة؟ ستبكي دهراً على السند والفرحة الأولى والضمة الأولى والبسمة الأولى. ستبكي على المحبوب في مجتمعه ودائم العطاء، وصاحب الضحكة التي لا تفارق الوجه، وصاحب العمود الإخباري اليومي، أخبار عالريق، على من ترك رسالة الدكتوراه في الإعلام الرقمي في صفحاتها الأخيرة. أما الأصدقاء، فلا يستطيعون النوم على الرغم من مرور أكثر من شهر على استشهاد صديقهم الصحافي سعيد الطويل (37 عاماً). يتواصلون مع شقيقيه محمد وهيثم ويسألون: "هل يعرف النوم لكم طريقاً؟ يجيبان: فارقنا منذ غرقت بزة الصحافة ودرعها وخوذتها وسقطت مضرجة بدماء شقيقنا".
تقول أم سعيد: "أنتظره في كل دقيقة أن يدخل باب المنزل. لا أصدق أنه استشهد وأنني لن أضمه إلى صدري مجدداً". تضيف: "كانت لحظة استشهاده أصعب لحظة في حياتي"، مشيرة إلى أن أبناءها وزوجها وجدوا صعوبة بالغة في إخبارها حين استشهد في الثانية فجراً في العاشر من أكتوبر الماضي، واستهدفه الاحتلال بشكل مباشر أثناء تغطيته لجرائم الاحتلال غربي مدينة غزة".
قبل عشر أيام من استشهاده، أي في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كتب سعيد الطويل افتتاحية أخباره قائلاً: "بدينا (بدأنا) اليوم بشهر جديد، إن شاء الله يكون أحسن من الأشهر اللي راحوا بخيره ورزقه وستره. وإللي من الله يا محلاه".
هذه الافتتاحية هي الجزء الأول من عموده أخبار عالريق الذي يكتبه باللهجة العامية الدارجة، ويتوجه من خلاله إلى أهل قطاع غزة الذين تجاوز عددهم المليونين والثلاثمائة ألف نسمة.
أما نهاية العمود الإخباري ذاته، فكانت: "ربنا يجعل شهر 10 شهر خير وبركة ورزق ويسترها معانا ويبعد عنا المرض والفقر وسوء الاختيارات وفواجع الأقدار". لم يعلم حينها هو أو أهله أن فواجع الأقدار ستصيبهم في قرة العين والابن الأكبر الحامي والداعم ورجل المواقف والمناسبات"، كما تقول زوجة أخيه محمد. تضيف: "كان محبوباً ومرضياً من والديه، ويحبه أطفالي بشكل بالغ. كان يحب المفاجآت الجميلة لأهله وأصدقائه. ترك لدينا أثراً طيباً وجميلاً لن ننساه ما حيينا".
والدته التي تبدو عليها ملامح الحزن والأسى تقول لـ "العربي الجديد": "لا نعلم ما الذي اقترفه ابني ليتم استهدافه بشكل مباشر"، مشيرة إلى استهداف الصحافيين ووسائل الإعلام بهدف التغطية على جرائم الاحتلال وطمس الحقائق ليتاح للاحتلال تزييفها وتقديم سلسلة من الأكاذيب للمجتمعات والرأي العام. 
شقيقه الأصغر هيثم كتب الحلقة الأخيرة من "أخبار عالريق"، وقال فيها: "يوم الثلاثاء وعند الساعة الثانية والنصف من بعد منتصف الليل، لم أعد أنا. كأنني أصبحت في الـ 90 من عمري، ولا زلت عالقاً في تلك اللحظة كالحلم. سعيد استشهد. لا زلت أشعر بالخوف من ذلك اليوم"، مضيفاً: "كيف لي أن أتخطى وجع فقدانه وكيف أستوعب رحيله الأبدي؟".

يستذكر هيثم كيف كان شقيقه الأكبر سعيد يحثه على طاعة الوالدين، ويقول: "حين تغضب أمي مني، كان دائماً يؤكد على ضرورة إرضائها وعدم تركها تنام غاضبة وكان يحثني على الصلاة ويسألني إن كان ينقصني شيء لتلبيته". تضيف: "يحبه الجميع. ومنذ صغره، كان طليقاً في الحوار والمعلومات ولديه ثقافة واسعة". تضيف بحسرة: "ابن الموت فالح". يتصفّح حسابه الشخصي على فيسبوك ويتابعه 145 ألف شخص. تكتب سوسن أحمد: "الله يرحمه. افتدقناه وافتقدنا أخبار عالريق التي كنا نفتتح صباحنا بها، وتطمئن على أحوال البلد والجو والخضار والمدارس والشتاء والمطر وأم فؤاد وغيرها"، مستطردة: "الله يرحم روحه".
وتقول نوال أبو جلالة، وهي متابعة: "الله يرحمه. نفتقده كل يوم. كان له بصمة صباحية جميلة بأخباره الممتعة". أما ماجدة حمدان، وهي متابعة أخرى، فتوضح: "الله يرحمك يا أبو رضوان ويغفر لك ويسكنك فسيح جناته. تبكي العيون وتتألم القلوب".
ليلى الفرا إحدى ربات البيوت، تقول: "الله يرحمه، كان بطلاً لنا. وكان يخفف هموم الناس من خلال نشرات أخبار على الريق. كان يشعر بوجع الناس من كبيرهم إلى صغيرهم". بدورها، تقول ربة البيت أم عصام إنها كانت تنتظر عموده الإخباري في كل صباح، مضيفة: "والله افتقدناه وافتقدنا أسلوبه المرح وأخبار الجميع من خلاله".

الصورة
كان يخفف هموم الناس من خلال نشرات أخبار على الريق (إنستاغرام)
كان يخفف هموم الناس من خلال نشرات أخبار على الريق (إنستاغرام)

في 6 أكتوبر، كانت الحلقة قبل الأخيرة من أخبار على الريق والتي حملت الرقم 1201. لم ينسَ الصحافي سعيد الطويل أن يلقي تحية الصباح بطريقته الشهيرة على كل فئات المجتمع، قائلاً:" "#صباح_الخير موجه لكل معلمة مدرسة صحيت من الفجر صلت وكملت طبختها وصحت أولادها ولبستهم وحشتلهم الخبزة وجهزتهم وطلعتهم وتسهلت ع مدرستها ولسة حترجع تغديهم وتصحي جوزها ..#صباح الخير لكل طفل بيكافح وبيصمد وبيروح ع مدرسته البعيدة مشي ومش كل يوم بياخذ مصروفه لأنه عارف ظروف أهله ..الله يجبر الخاطر".


في حلقته الأخيرة، كتب سعيد الطويل عن سقوط أربعة شهداء في الضفة الغربية خلال 24 ساعة مضت، وعن إضراب الأسير الفلسطيني كايد الفسفوس عن الطعام لليوم الـ 60 على التوالي، وعن نجاة 30 مهاجراً فلسطينياً من الغرق خلال الهجرة السرية إلى اليونان، وعن الاحتفال بـ 241 حافظاً جديداً للقرآن الكريم في جباليا، بالإضافة إلى عدد من التفاصيل اليومية في حياة الشعب الفلسطيني، بطريقة سلسة وجذابة وتنتهي بكلمتين تحملان تحليله الشخصي وتعليقه على كل عنوان خبري.

في نعيه للشهداء الذين سقطوا في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو/ أيار الماضي، يقول: "فاز في هذه الجولة بضعة وثلاثون، وصلوا إلى نهاية السباق على الحياة بارتقاءٍ جليل، حاول ذلك قرابة المائتيْن، وخسر بقية المنتظرين. سنعود إلى المنزل ولن نغادر الميدان"، وذيّلها بهاشتاغ "#رحم_الله_السعداء".
بشاير وليد مديرة إحدى الصفحات في قطاع غزة، تقول إنه يوم استشهاد الصحافي الطويل: "اعتدنا على قراءة منشور أخبار على الريق، وكتبها سعيد الطويل. لكن هذه المرة الخبر هو سعيد نفسه". تضيف شقيقته أنغام: "لن ننساه يوماً. فكيف ننسى حنانه وضحكاته؟ لا نصدق أنه أصبح ذكرى ولكنه ذكرى جميلة، حظينا بها لتضيء لنا حياتنا". كما سيفتقد القرّاء سعيد الطويل وعموده الإخباري اليومي. سيفتقده أطفاله الأربعة رضوان، عبد الرحمن، نوران ولجين وسيفتقدون ضحكاته ومفاجآته ومقالبه التي كان يدبرها معهم لمن يحبون".

المساهمون