سرّ تراجع وفيات كورونا

11 أكتوبر 2020
هل الأمر مرتبط بزيادة الإصابات الشبابية مؤخراً؟ (Getty)
+ الخط -

أطلق خبراء الصحة تحذيرات جديدة، ترتبط بالشعور بالرضى لدى الأوساط العلمية والشعبية، من أنّ معدل الوفيات بسبب فيروس كورونا الجديد بدأ بالانخفاض تدريجياً، وهو مؤشر على تراجع حدة المرض، ويعتقد الخبراء أنّ هناك عدة سيناريوهات طرأت على خريطة المرض، أظهرت تراجع حدة الوفيات، لكنّ ذلك لا يعد مؤشراً واضحاً على حدة المرض.
يقول الطبيب سعيد الزين، في مركز "ديترويت" الطبي لصحيفة "واشنطن بوست": "بعد العمل لمدة ثلاثة أشهر متتالية في المركز الطبي، لاحظت أمراً جديداً، هو أنّ مرضى فيروس كورونا، الذين وصلوا الى المركز في شهر مايو/ أيار الماضي، بدوا أقل مرضاً من أولئك الذين جاؤوا من قبل، وهذا يطرح علامات استفهام كثيرة". وفي شمال إيطاليا، أكدت الباحثة كيارا بيوبيللي الأمر نفسه بشأن المرض، وأعداد المصابين. وبدوره لا يخفي رافاييل كانتون، اختصاصي الأمراض المعدية في مدريد انخفاض حالات الدخول إلى المركز الطبي، مشيراً إلى أنّ 130 سريراً فقط من بين 1000 سرير كانت ممتلئة على الرغم من تزايد العدوى - وهو تغيير هائل عن أوائل الربيع عندما كان كلّ سرير مشغولاً.

يرى الخبراء أنّ معدلات الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا الجديد، بدت أقل في المناطق الحارة حول العالم، حتى مع تسارع الإصابات الجديدة، ويعتبرون أنّ ذلك إشارة واضحة إلى أنّ التغيير حقيقي  بشأن المرض، لكنّ أسبابه - وما إذا كان سيستمر - هي مسألة نقاش حاد. ويسأل جوشوا باروكاس، اختصاصي الأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة "بوسطن": "هل هذا اتجاه أم مرحلة حالية فقط؟".
تشير التقارير المبكرة الصادرة من الصين إلى أنّ معدل الوفيات وصل إلى 7 في المائة مع بداية الوباء، لكنّ هذا كان يعتمد في الغالب على المرضى في المستشفى، وما إن بدأت موجة الفيروس تضرب الولايات المتحدة، لاحظ علماء الأوبئة أنّ الوفيات تتراوح بين 2 و3 في المائة. الآن، مع الأخذ في الاعتبار حالات العدوى غير المصحوبة بأعراض، وكذلك الإصابات الخفيفة التي قد لا تكون جزءاً من الأرقام الرسمية، تحدد "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" الأميركية نسبة الوفيات بـ0.65 في المائة.
يستشهد مسؤولو الصحة العامة بأسباب متعددة لانخفاض معدل الوفيات، إذ يلاحظون تحولاً في التركيبة السكانية لمن أصيبوا بالفيروس، فالشباب يشكلون الجزء الأكبر من الإصابات الجديدة، وبالتالي هم أكثر قدرة ومناعة على محاربة الفيروس. كذلك، تشير الاختبارات الأكثر انتشاراً إلى تنوع بين الأشخاص والأمراض، أي اختلاف الفئات العمرية التي تخضع للاختبارات ولم تعد محصورة فقط بكبار السن، كما يلاحظون أنّ استراتيجيات العلاج المحسّنة التي تشمل الأدوية المضادة للفيروسات والمنشطات، ربما ساعدت في إنقاذ مزيد من الأرواح.
تتنوع النظريات الطبية الخاصة بانخفاض معدل الوفيات، فإحدى هذه النظريات، التي ما زالت غير مثبتة، هي أنّ العلماء أخطأوا في تقدير قابلية البشرية للإصابة بفيروس كورونا، وأنّ شريحة من السكان قد تكون محصنة جزئياً، ربما بسبب التعرض السابق لفيروس كورونا البارد أو لقاحات الطفولة أو أيّ شيء آخر. أما النظرية الثانية، فنقوم على أساس أنّ شيئاً مهماً قد تغير في البيئة المحيطة، سواء لناحية الطقس، أو السلوكيات، أو حتى تغير في قوة الفيروس نفسه. ويقول الخبراء: "تفقد معظم الفيروسات قوتها القاتلة في نهاية المطاف، بسبب نقص العوائل أو الطفرات، ما يجعلها أقل فتكاً، أو بسبب علاجات أو لقاحات جديدة". يؤكدون أنّ فيروس كورونا الجديد سيفعل ذلك أيضاً، لكنّ الأمر يتعلق بالموعد، وعدد الأرواح التي ستفقد حتى ذلك الحين.
إحدى الأفكار التي أثارت نقاشاً كبيراً مؤخراً، مدعومة بدراستين متتاليتين (دراسة الزين ودراسة إيطالية) هي أنّ التباعد الاجتماعي والكمامات قللت من جرعة الفيروس التي يتلقاها الأشخاص، مما يؤدي إلى مرض أقل حدة. وعندما بحث الزين وأطباء آخرون في ديترويت سبب ظهور المرض بشكل أخف عند مرضاهم، شعروا بالدهشة عندما اكتشفوا أنّ أحد المؤشرات على وجه الخصوص تغير بشكل كبير بمرور الوقت، هو ذلك المتعلق بالحمل الفيروسي. فمن بين 708 مرضى عولجوا بحلول أوائل الصيف، انخفض متوسط الحمل الفيروسي - وهو مقياس لجزيئات الفيروس في الجسم بحسب الفحص بواسطة مسحات الأنف - على أساس أسبوعي تقريباً. في معظم الأمراض المعدية، بما في ذلك "إيبولا" و"إيدز" والتهاب الكبد، كلما زاد الحمل ، كانت النتيجة أسوأ. هكذا، رأى الزين بصيص أمل في النتائج، وسأل: هل يمكن أن تكون الخطوات التي جرى اتخاذها للتخفيف من آثار فيروس كورونا تحقق النجاح؟ وتؤكد مونيكا غاندي، باحثة الأمراض المعدية بجامعة "كاليفورنيا" في سان فرانسيسكو، أنّه إذا كانت الجرعة الفيروسية الأولية أقل، فإنّ أجسام الناس ستكون قادرة على المقاومة بشكل أكثر فعالية.

ومن بين الألغاز العديدة المتعلقة بفيروس كورونا، ربما يكون الأهم بالنسبة للشخص العادي هو خطر وفاته. فبالنسبة للجدري، تبلغ نسبة الوفاة نحو 10 في المائة بفضل العلاجات، لكن، بالنسبة لـ"إيبولا" تبلغ النسبة نحو 50 في المائة. أما بالنسبة لداء الكلب، فتلامس النسبة 100 في المائة، مما يجعل الأخير أكثر الأمراض المعدية فتكًا على هذا الكوكب في عصرنا الحالي.
يقول الخبراء: "هناك العديد من الطرق المختلفة لقياس الوفيات، وهي ليست متساوية. وعلى سبيل المثال، فإنّ الأرقام الأكثر استشهاداً بها - تلك التي تصدرها المستشفيات غالباً - هي معدلات الوفيات، أو النسبة المئوية للوفيات بين الحالات المؤكدة". على النقيض من ذلك، فإنّ معدل وفيات العدوى هو عادةً تقدير للوفيات كنسبة من جميع الأشخاص الذين يُعتقد أنّهم مصابون، بمن في ذلك الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض أو الذين يعانون من حالات خفيفة وربما لم يكلفوا أنفسهم عناء إجراء الاختبار، لذلك لن يتم احتسابهم على أنّهم جزء من الأرقام الرسمية، وبالتالي غالباً ما يبدو الرقم غير الرسمي أكثر ترويعاً من الرسمي. كذلك، يخلص بعض مسؤولي الصحة العامة إلى أنّ جزءاً من التغيير في معدلات الوفيات هو خدعة رياضية في قسم منه، فكلّما زاد عدد الأشخاص الذين نختبرهم، زادت إصابات الفيروس وانخفض بالتالي معدل الوفيات. إذ إنّ فحوص كورونا تتجه نحو الأشخاص الأحياء بطبيعة الحال، وليس المتوفين.

المساهمون