سحل محامٍ لبناني وشجبٌ لممارساتٍ تنذر بـ"دولةٍ بوليسية"

26 نوفمبر 2020
تم ذلك عند حاجزٍ أمني للتدقيق بألواح السيارات (حسين بيضون)
+ الخط -

اعتدى يوم أمس عناصر قوى الأمن الداخلي بلبنان على المحامي افرام حلبي، إثر تلاسنٍ حصل معه في أثناء مروره في منطقة كورنيش المزرعة في بيروت، وذلك عند حاجزٍ أمني للتدقيق في ألواح السيارات، وفقاً لقرار "المفرد والمزدوج" الذي أقرّته وزارة الداخلية والبلديات، تزامناً مع الإقفال العام للحد من انتشار جائحة كورونا.

واعتبر كثيرون أن هذا المشهد البوليسي القمعي يضرب من جديد بقيم العدالة والحريات العامّة في لبنان عرض الحائط.

ففي هجومٍ  أثار ردود فعل واستنكارٍ عارمين، بادر العناصر إلى إهانة المحامي وشتمه وشتم نقيب المحامين في بيروت ملحم خلف، قبل أن يعمدوا إلى سحبه من سيارته وسحله وجرّه أمام زميلة له كانت برفقته وأمام أنظار العامّة، ومن ثمّ ضربه ومحاولة خنقه، ليُكبَّل لاحقاً بالأصفاد ويُقتاد إلى مخفر الرملة البيضاء في بيروت، إذ سارع النقيب خلف إلى الإفراج عنه، بعد توجيه توبيخاتٍ شديدة اللهجة إلى العناصر الأمنية.

وفي اتصالٍ لـ"العربي الجديد"، يقول حلبي: "أنهيتُ عملي في المحكمة العسكرية، وكنتُ متّجهاً إلى قيادة الشرطة العسكرية في بيروت، قبل أن يوقفني الحاجز، لكون لوحة سيارتي تحمل رقماً مزدوجاً. سألني أحد العناصر عن مهنتي، فأجبته بأنّني محامٍ. طلب بطاقتي فأبرزتها له، وعندما طلب أوراق السيارة، سألته: "هل ستنظّم محضر ضبط؟"، فقال: "أعطني الأوراق ولا تناقش، يعني إذا محامي بدك تكبّر راس؟"، فأجبته: "وين كبّرت راس؟".

ويتابع: "أعطيته الأوراق وشرحتُ له أنّ الإقفال العام عرقل إجراء المعاينة الميكانيكية، وإذا به يكتب أنّني خالٍ من الأوراق الثبوتية، فنبّهته إلى أنّ هذا يُعدّ تزويراً جنائيّاً. عندها انبرى يقول: "شو بدك تعلّمني القانون، وقت أنا كنت بقوى الأمن، إنت كنت بعدك "مدحوش" (موجود) ببطن أمك". فأجبته: "أنت بلا أخلاق، لا تحترم الأرزة على رأسك". واتصلت بالنقيب، ليبادر العنصر المذكور إلى ترداد عبارة "فيك وبنقيب المحامين تبعك".

حلبي، الذي رفض الخروج من سيارته بعد استقدام العناصر الأمنية رافعة لحجزها، يكشف كيف تعرّض عندها "للضرب المبرّح والسحل والدوس بالأحذية العسكرية على رأسه وظهره وقدميه ويديه، وكأنّهم بذلك يدوسون النقابة، غير مدركين أنّ المحامي يتمتّع بالحصانة، وأنّ أيّ إهانة لمحامٍ هي إهانة لكرامة العدالة في لبنان".

وإذ يأسف للحادثة التي توحي "وكأنّنا في دولة ديكتاتورية شمولية"، يضيف: "في أثناء اقتيادي إلى الفصيلة تعرضتُ أيضاً للضرب، وبعد وصولنا عرض عليّ الملازم أولا فكّ أصفادي بشرط عدم ذكر واقعة اعتدائهم عليّ. وبادروا إلى أخذ إفادتي، غير أنّ النقيب وصل وأفرج عني. حينها، حاولوا احتجازنا بركن سيارة أمام سيارتنا، فما كان من النقيب إلا أن أنزلني قائلاً لهم: "أوصلوا له بطاقته النقابية"، وخرجنا سيراً على الأقدام، وغادرنا بسيارة أمين سر النقابة".

من جهته، يقول النقيب خلف: "تشير الحادثة إلى أنّنا في دولة بوليسية تفلّتت من كل قيود القانون، حتى الإنسان العادي لم يعد قادراً على أن يأتمن للشرطي. أصبحنا بدولة فقدت حتّى هيبتها، حيث يجب على من يرتدي اللباس العسكري والأرزة على رأسه، أن يدرك ويعي تماماً كيف يحترمها".

ويشرح لـ"العربي الجديد"، كيف أنّه "بغضّ النظر عن مخالفة المحامي، كان بإمكان العنصر الأمني تنظيم محضر ضبط، لا أكثر ولا أقل، لكن أن يسحلوه على الأرض ويضربوه ويهينوه ويشتموه، أمر يدعو إلى التساؤل: "هل هذا عسكري أم أزعر؟".

خلف، الذي يؤكّد حرصه على "حسن احترام كرامة المحامي"، يعرب عن أمله بـ"إرساء نهجٍ جديد وبلد نبنيه معاً، حيث نؤسّس لدولةٍ تحترم الإنسان وتطبّق القانون على الجميع وعلى المحامين بالدرجة الأولى. دولة يحترم الشرطي فيها حقوق الإنسان، نعي فيها حقوقنا وواجباتنا كمواطنين، ويلتزم فيها النظام بأخذ حيّزه بترتيبٍ وتهذيبٍ، وليس بالسحل أو بأصفادٍ في يدَي محامٍ"، متسائلاً: "كيف سنحترم هذا الشرطي "العظيم" عندما يعتدي على محامٍ؟!". وعن الإجراءات القانونية بحق المعتدين، يوضح النقيب أنّهم تقدّموا بشكوى، "لكنّنا لن نكتفي بها، وسنبحث الخطوات التالية".

ويستنكر المحامي علي عباس الاعتداء، قائلاً: "تجمّع حول حلبي نحو 15 عنصراً أمنياً في مشهد أعاد إلى أذهاننا الدولة البوليسية والقمعية. إنّها عقلية مضى عليها الزمن، كانت تقمع شعبها وتقمع الحريات العامّة. لكنّنا اليوم في زمن الحريات، ولن نسمح لأحدٍ بالضغط علينا لإسكاتنا، بل سنواصل رفع الصوت أكثر".

ويقول لـ"العربي الجديد": "تُعدّ الحادثة إهانةً ومسّاً بالكرامات وبمهنة المحاماة"، داعياً إلى "محاسبة العناصر المعتدية، فزميلنا ليس مجرماً، بل محامٍ يقوم برسالته. وقد أوقفوه دون وجه حق، ومن دون الاتصال بالنيابة العامّة". ويتابع: "في حال كَون وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، قد أخطأ بعدم استثنائه المحامين ضمن قرار "المفرد والمزدوج"، كان عليه إيقاف عمل المحاكم". ويدين عباس "التصرّف غير اللائق لوزير الداخلية بحق المحامين ودورهم ورسالتهم، خصوصاً أنّ المحاماة تشكّل أحد جناحي العدالة في لبنان".

المساهمون