سجون العراق... تخريج المزيد من المجرمين

17 ابريل 2021
في أحد سجون العراق (صافين حامد/ فرانس برس)
+ الخط -

لا تُساهم السجون في العراق بتأهيل مرتكبي الجنح أو الجنايات. ويتحدّث سياسيّون وحقوقيون عن استمرار التعذيب والانتهاكات عدا عن ابتزاز السجناء، حتى أنها تعدّ مكاناً لتخريج مجرمين جدد بسبب سوء توزيع السجناء والسماح بأنشطة مخالفة للقوانين في تلك السجون. ولا يُعرف العدد الحقيقي للسجناء في البلاد، إذ لا تقدم السلطات أرقاماً دقيقة، ويبقى الأمر محصوراً بالتسريبات أو تصريحات النواب. ولدى وزارات العدل والداخلية والدفاع سجونها، بالإضافة إلى أخرى يملكها كل من جهاز الأمن الوطني وجهاز المخابرات الوطني، إلا أنها موجودة في إقليم كردستان ولا ترتبط بالحكومة الاتحادية ببغداد.
وفي وقت سابق، دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحكومة والبرلمان إلى إقرار تشريعات تعالج أوجه القصور الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان في القانون العراقي. وخلال السنوات الماضية، طالبت السلطات العراقية بالإعلان عن العدد الإجمالي للأشخاص في السجون العراقية، لكنها لم تتعاون مع المنظمة، رافضة التعليق على الأعداد الحقيقية للسجناء. إلا أن مصادر في وزارة العدل تقول لـ"العربي الجديد"، إن أعداد السجناء تراجعت كثيراً عما كانت عليه عام 2010 إبان عهد حكومة نوري المالكي الثانية، والتي وصلت فيها أعداد السجناء إلى نحو 200 ألف سجين. ويقدّر العدد حالياً بنحو سبعين ألف سجين لدى وزارة العدل. لكن هناك أعداداً كبيرة من السجناء لدى وزارتي الداخلية والدفاع، وجميعهم ممن لم تتم إحالهم إلى القضاء حتى الآن.
في هذا السياق، يكشف رئيس مؤسسة الإصلاح والتغيير صباح الكناني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن السجون في العراق "تُخرّج دفعات ليست اعتيادية من المجرمين، كانوا قد دخلوا السجون بتهم عادية وبسيطة. إلا أن بعض العصابات والمجرمين تتولى غسل أدمغتهم واستقطابهم"، مبيناً أن "الشاب المتهم بسرقة دراجة مثلاً، يحتجز أو يسجن مع مجرمين متهمين بالاغتصاب والقتل وبعضهم متورط بعمليات إرهابية، فيسعى هؤلاء إلى كسب عناصر جديدة".  
ويلفت إلى أنّ "الكثير من الشبان المتهمين بسرقات عادية أو شجارات يعودون مرة أخرى إلى السجون بعد إطلاق سراحهم بتهم أكبر، الأمر الذي يؤكد أنه تم استقطابهم داخل السجن". ويوضح أن "هناك أدلة ووثائق وشهادات تثبت ذلك، وقد خاطبنا الجهات المعنية، وتحديداً دائرة الإصلاح التابعة لوزارة العدل بهذا الخصوص، لكن لم تصلنا أي إجابات. ونتعرض إلى تهديدات حزبية وسياسية بعد كل ورقة أو تقرير نرسله إلى وزارة العدل أو الدوائر القضائية الأخرى". يتابع أن "الشوارع والفقر لا يخلقان مجرمين بقدر ما تفعل السجون. وعادة ما يكتسبون مهارات في أماكن الاحتجاز". 

سجن للرجال (مروان ابراهيم/ فرانس برس)
سجن للرجال (مروان إبراهيم/ فرانس برس)

ويقول الكناني إن "السجون العراقية قبل عام 2003 كانت تقسم إلى ثلاثة أقسام: الثقيلة، وتشمل كبار المجرمين، المتوسطة، وتشمل أولئك الذين يرتكبون جرائم تكون أقل خطورة من الثقيلة، بالإضافة إلى تلك البسيطة أو الخفيفة، التي تضم المنخرطين في شجارات وسرقات ومخالفات وحوادث مرورية. لكن بعد الاحتلال الأميركي للبلاد، ألغي هذا العرف القانوني، وباتت قاعة السجن تضم جميع أنواع المجرمين".
من جهتها، تقول المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان سارة العزاوي إن "معدل الجريمة يزداد في العراق نتيجة عوامل عدة، أبرزها الفقر بالإضافة إلى البطالة. إلا أن خريجي السجون الذين يتأثرون بزملاء الزنازين لهم النصيب الأكبر في الاعتداء على العراقيين وأملاكهم وتهديد حياتهم". وتوضح لـ"العربي الجديد"، أن "المنظمات تخشى من كشف البيانات التي تمتلكها بسبب التهديدات الأمنية التي قد تلحق بها. لكن تقوم المنظمات بعرضها على المؤسسات الحكومية والقضائية، على الرغم من إدراكها أنّ المعنيين لن يردوا عليها، وعادة ما يتم إهمالها بشكل صريح وسافر".

معدل الجريمة يزداد في العراق نتيجة عوامل عدة، أبرزها الفقر والبطالة


تضيف العزاوي أن "فصل أو عزل المحكوم يكون بحسب نوع الجريمة، سواء كانت جنحة أو جناية. فلكل جريمة خطورتها على المجتمع. ويجب الأخذ في الاعتبار السجناء الذين يدخلون لأول مرة وأولئك الذين ستنتهي فترة محكوميتهم". وتوضح أن "قانون الإصلاح غير مفعل بشكل جيد، وهذا تقصير واضح من قبل وزارة العدل كونها الجهة المسؤولة. كما أن دورالادعاء العام غير مفعل في المحاكم، علماً أنه رقابي، أي يتولى مراقبة السجون وتنفيذ العقوبات. في السابق، كانت هناك وسائل لإشغال المسجونين من خلال بعض المهن ولقاء أجور. وحين تنتهي فترة محكومية السجين، يحصل المسجون على دفعة مالية لقاء خدمته. إلا أن هذا لم يعد موجوداً". 
وتواصلت "العربي الجديد" مع مسؤولَين في وزارة العدل للتعليق على الاتهامات الموجهة إليها بشأن السجون، إلا أنهما رفضا التعليق بحجة عدم امتلاكهما صلاحية للحديث عن هذا الملف. 

ويؤكد عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي، لـ"العربي الجديد"، أن "السجون وأماكن الاعتقال والاحتجاز في البلاد تشهد العديد من المشاكل، وتحديداً في ما يتعلق بالاختلاط. يمكن وضع الأحداث مع كبار المجرمين، من دون أي مراعاة للفئة الجرمية أو نوع الجريمة". ويرى أن "الأمر يحدث بسبب قلة أماكن الاحتجاز، لكنه يؤدي في الغالب إلى انحراف السلوك الإجرامي، وإعادة إنتاج مجرمين يهددون المجتمع".

بدوره، يرى الخبير القانوني والقاضي العراقي علي التميمي أن "هناك إشكاليات كثيرة في السجون العراقية، وإحدى هذه الإشكاليات تتعلق بالتصنيفات في توزيع المحكومين بناءً على الاتهامات التي وجهت إليهم أو الجرائم التي تورطوا بها".

ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "السجون العراقية تعزل المدانين بأحكام ثقيلة عن المدانين بأحكام خفيفة، ولكن المشكلة ليست في الجنح بل في الجنايات، باعتبار أن لها أكثر من شكل. وأكثرها خطورة هي الأعمال الإرهابية. كما هو معروف، فإن الإرهابي يحمل فكراً وقد يؤثر هذا الفكر على المدانين بأنواع أخرى من الجنايات، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث جرائم جديدة بعد الإفراج عن المتهمين بالجنايات البسيطة". 

المساهمون