سبسطية التاريخية.. بلدة فلسطينية تواجه التهويد

18 مايو 2023
مطالبات بالتدخل لوقف تنفيذ المخطط الاستيطاني في البلدة (العربي الجديد)
+ الخط -

تُواجه بلدة سبسطية التاريخية الواقعة شمال مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، أضخم مشروع تهويدي للموقع الأثري فيها، فيما تبدو خيارات السلطة الفلسطينية محدودة في التعامل معه والتصدي له، ما دفعها لتوجيه رسالة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو"، للتدخل لوقف تنفيذ المخطط الاستيطاني في البلدة.

وكانت الحكومة الإسرائيلية، صادقت مؤخراً على تخصيص 32 مليون شيكل (نحو 10 ملايين دولار) لترميم موقع حديقة سبسطية الأثري، بناءً على مقترح من وزير حماية البيئة عيديت سيلمان ووزير السياحة عميخاي إيلياهو، بزعم "أن السلطة الفلسطينية تحاول الاستيلاء على الموقع الأثري -حديقة سبسطية- بشكل غير قانوني".

ووفقاً للمقترح، ستقوم سلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية ببلورة خطة إعمار وترميم للمكان خلال 60 يوماً، بما في ذلك إقامة مركز سياحي يهودي في المكان.

كما يتضمن شق شارع التفافي داخل المنطقة الأثرية ليخدم الحركة الاستيطانية فقط، ووضع شباك وسياج وكاميرات حماية وبرج عسكري داخل المنطقة الأثرية، بالإضافة للتنقيب عن قبور "أجدادهم"، وفق زعمهم.

ويقع جزء من الموقع المستهدف في المنطقة المصنفة (ج) وفقًا لاتفاقيات "أوسلو"، وبالتالي فهي تخضع للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية الكاملة.

تهويد ألف دونم

تمتد المرحلة الأولى من المشروع التهويدي على مساحة 152 دونما، ومع الانتهاء من كافة مراحله يكون الاحتلال قد استولى على نحو ألف دونم، وفق حديث رئيس بلدية سبسطية محمد عازم لـ"العربي الجديد".

يصف عازم المشروع بأنه الأخطر على الإطلاق؛ فالهدف الحقيقي من ورائه فرض السيطرة المطلقة على كامل المنطقة الأثرية التي تمتد من أطراف "ساحة البيدر" في الموقع الأثري مروراً بأحد القصور الملكية الرومانية المعروفة بمركز الحكم في عهد الرومان، الملاصق تماماً للساحة، بادعاء أنه يقع في المنطقة المصنفة "ج"، الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، برغم أن المسافة بينهما لا تزيد عن متر واحد فقط.

ووفق الخرائط، فالمشروع يقع في مناطق (ج) لكنه على حدود مناطق (ب) ولا يمكن الوصول للمنطقة (ج) بدون المرور عبر منطقة (ب) والتي تضم ساحة البيدر التي أعادت بلدية سبسطية تأهيلها، وأصبحت منتجعاً سياحياً كبيراً ومتنفساً لكافة الزوار.

ويقع في المنطقة المصنفة "ب" في سبسطية، عدة مواقع أثرية أهمها المقبرة الرومانية، وضريح النبي يحيى ومسجده، وكاتدرائية يوحنا المعمدان، وقصر الكايد.

وفي القسم المصنف "ج"، تقع أهم المواقع الأثرية وهي" ساحة البازيليكا، والقصر الملكي، والبرج الهيلينستي، ومعبد أغسطس، والمسرح، وشارع الأعمدة، والملعب"، ويشبه مسرح سبسطية إلى حد كبير مسرح مدينة جرش الأردنية.

القضاء على السياحة

بعدوان جديد على سبسطية، شرع الاحتلال بمخطط لتفريغ المنطقة من أي وجود فلسطيني، حيث ستتم إزالة المباني القائمة في المنطقة (ج)، ومراقبة أي بناء جديد، من خلال عمليات المسح التي تقوم بها طائرات الاستطلاع بشكل يومي، وكذلك الاقتحامات المتكررة لضباط الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال للمنطقة ومراقبة أية تطورات على الأرض.

وعن تبعات المشروع، يؤكد عازم أنه حال تنفيذه سيوجه ضربة قاضية لسبسطية على كافة الصعد، ويقول: "سيقضي الاحتلال بذلك على قطاع السياحة في البلدة، وستقتصر على السياحة الاستيطانية، كما سيؤثر على الوضع الاقتصادي لأن هناك عشرات العائلات في سبسطية تعيش من وراء السيّاح، وكذلك على الصعيد الأمني، نظراً لكون الاحتلال سيبقى متواجدا على الدوام لحماية المستوطنين".

وكان المستوطنون قد شنوا مؤخراً حملة تحريض ضد بلدية سبسطية، على خلفية شق طريق خارج حدود المدينة الأثرية منذ العصر الحديدي حتى الفترة الرومانية، إذ ظهر خلال العمل مقابر رومانية، وعندما بدأت دائرة الآثار الفلسطينية بأعمال تنقيب إنقاذي، اقتحم جيش الاحتلال الموقع وأوقف العمل، رغم أن التنقيب الإنقاذي كان في المنطقة الخاضعة للسلطة الفلسطينية.

رسالة إلى يونسكو

تتابع الجهات المختصة في السلطة الفلسطينية، بحسب وكيل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية صالح طوافشة في حديث لـ"العربي الجديد" ملف تهويد الموقع الأثري، متهماً الاحتلال بأنه هو من يسرق الآثار.

يقول طوافشة: "بالدليل القاطع، لصوص الآثار الذين ينهبونها هم من المستوطنين الذين يتعمدون تدمير المواقع الأثرية، وهو أمر تم توثيقه، كما يجري في خربة (تبنة) في رام الله، وموقع (سيلون) جنوب نابلس وفي محافظة سلفيت وغيرها".

وعن الخطوات التي يتوجب القيام بها للتصدي للمخطط المرتقب، يشير طوافشة إلى أن الحكومة الفلسطينية ومن خلال وزارة السياحة والآثار تعكف على إعداد رسالة لـ "يونسكو" تشرح فيها خطورة المشروع والطلب من المنظمة التدخل لمنع إقامته لما من شأنه "أن يتسبب بأضرار فادحة بالموقع التاريخي في البلدة"، مشيرا إلى أن فلسطين تقدمت منذ ثلاث سنوات للمنظمة بطلب إدراج الموقع في لائحة التراث العالمي.

محاولات سياحة فلسطينية بوجه التهويد

نفذت بلدية سبسطية خلال السنوات الأخيرة، مشروع إعادة إحياء المركز التاريخي "ساحة البيدر"، بشق سياحي لتشجيع السياحة خاصة الداخلية، وشق للتنمية الاقتصادية، من خلال الأكشاك والمرافق الخدماتية.

ولقي المشروع الذي نفذ بتمويل من الحكومة البلجيكية، نجاحاً كبيراً، وساهم بخلق حركة سياحية محلية ويشهد إقبالاً كبيراً من المواطنين من مختلف المحافظات.

في المقابل، أنشأ الاحتلال -لتسهيل اقتحام الإسرائيليين سبسطية- فنادق ونُزُلا في مستوطنة "شافي شمرون" المقامة على أراضي نابلس والقريبة من سبسطية، كما منع إحداث تغييرات كخدمات البنية التحتية أو أعمال ترميم في المكان من طرف الفلسطينيين، ولاحق المواطنين المستثمرين وهدم منشآتهم، وصعَّد وتيرة الاقتحامات باستهداف المنطقة.

كما أحال الاحتلال ملف سبسطية لدائرة الحدائق العامة الإسرائيلية التي يترأسها مجلس المستوطنات، والذي سهَّل بدوره وكثف اقتحام المستوطنين، وشرع قبل سنوات في إقامة "الشارع الدائري" حول المنطقة الأثرية الذي يمر عبر أراضي المواطنين، ويُسهِّل ضمها ويؤمِّن طريقاً بديلاً لخروج ودخول المستوطنين.

سرقة الاحتلال لسبسطية الأثرية

تعد سبسطية من أبرز المواقع التي تحاول إسرائيل السيطرة عليها، وتعتبر عاصمة الرومان في فلسطين، وتتميز بموقعها الجغرافي الذي يربط ثلاث محافظات في شمال الضفة الغربية ببعضها، وهي نابلس وطولكرم وجنين، كما أنها تقع على طريق الحج المسيحي من القدس وبيت لحم وبئر يعقوب والناصرة.

عاصرت بلدة سبسطية عبر تاريخها أقواماً متعددة من الكنعانيين والآشوريين واليونانيين والرومان والبيزنطيين والعرب والصليبيين، وإضافة إلى احتوائها العديد من المواقع الأثرية والتاريخية وكذلك الدينية، فموقعها المميز هو الذي جعلها عاصمة للعديد من الحضارات التي تعاقبت على فلسطين.

أكثر ما يميز سبسطية وجود سور يلف المنطقة الأثرية من كافة الاتجاهات، حيث يوجد مدرج روماني وبرج هيلانة ومعبد أغسطس الروماني، وفيها قبر النبي زكريا ومقام الشيخ شعلة وكنيسة القديس يوحنا، والعديد من الحضارات التي تركت بصماتها داخل سبسطية.

وعام 1908، أجرت جامعة هارفارد الأميركية حفرية في سبسطية الأثرية، لكنها لم تثبت -بها ولا بغيرها- أي صلة لليهود بفلسطين، لتحاول إسرائيل عقب احتلالها الضفة الغربية عام 1967 البدء بتهويد البلدة عبر "تزوير" أجزاء من الموقع الأثري، وبناء سلسلة حجرية لتكون واجهة للمدرج (المسرح) الروماني الذي يفوق عمره 3 آلاف عام.

وفي عام 1976، عمد الاحتلال لنقل القبور الملكية من وسط البلدة للساحة الرئيسية (البازليكا) لتفقد أهميتها كمقبرة، "فقيمة الموقع الأثري في مكانه"، كما استولى الاحتلال على أعمدة وتيجان وجلسات أثرية ونقلها إلى متاحفه في قيسارية المحتلة عام 1948، إضافة لتمثالين ضخمين سرقهما من مقام النبي يحيى عليه السلام، كما يقول المختصون.

المساهمون