زيارات السجناء في العراق... عذاب أو حرمان

25 يونيو 2024
موقوفان بتهمة ترويج مخدرات في العراق (يونس محمد/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في العراق، يعاني السجناء وأقاربهم من ظروف احتجاز قاسية تشمل التعذيب، الإهمال الطبي، والاكتظاظ، بالإضافة إلى صعوبات في تنظيم الزيارات مثل الانتظار لساعات، التفتيش المهين، والابتزاز المالي.
- تكشف تقارير حقوقية وشهادات، مثل الفيديو المسرب من سجن التاجي، عن استغلال السجناء وإجبارهم على شراء المخدرات والهواتف بأسعار باهظة، مما يؤكد الحاجة الماسة لإصلاح النظام السجني.
- رغم وجود قوانين تحمي حقوق السجناء، يبقى التطبيق الفعلي محدوداً، مع تقارير عن منع الزيارات لأسباب إدارية أو أمنية، مما يدعو إلى ضرورة تعزيز الرقابة والمساءلة في النظام السجني العراقي.

إلى جانب الظروف غير السليمة على صعيد المعاملة وجاهزية الاستقبال وتوفير  كل أنواع الرعاية، يعاني نزلاء وموقوفو السجون في العراق مشكلة عدم التزام إداراتها بتطبيق القانون الخاص بالزيارات. وثمة اعتراضات كثيرة على هذا الأمر.     

لا تستطيع العراقية ن. س. زيارة ولدها المسجون بتهمة جنائية في معتقل الكاظمية بالعاصمة بغداد، إلا بعد انتظار أكثر من ثلاث ساعات أمام بوابة المعتقل. وتفعل ذلك مرة واحدة شهرياً، علماً أن الزيارات تقتصر على النساء، إذ لا تسمح إدارة السجن بأن يزوره إخوانه.
ويصطف طوابير من العراقيين منذ ساعات الفجر الأولى أمام السجون، ويحملون معهم أطعمة ومواد غذائية لمقابلة ذويهم، لكنهم يعانون كي يستطيعوا الدخول. وهم يصفون هذه الزيارات بأنها "أيام عذاب"، في حين يؤكد ناشطون وحقوقيون ونواب وجود العديد من الانتهاكات والتجاوزات في السجون، وأن بعضها تحصل في حق ذوي السجناء الذين يجري التعامل معهم بطرق تخالف القانون، وتشمل التعدي والابتزاز.
وتؤكد ن. س. (51 عاماً)، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنها تعاني كثيراً لمقابلة ولدها، أو "مواجهته"، وهي العبارة التي تستخدم في العراق. وتقول إنها اضطرت مرات إلى تقديم طعام أو مبالغ مالية للشرطة أو لمسؤولي الحماية في السجن، كي يسهلوا إجراءات دخولها. وتخبر أنه يجري منع أولاد وأحفاد من مواجهة سجناء، وذلك بطرق بشعة، لكن لا أحد يجرؤ على رفض هذه الطرق علناً كي لا يمنعوا من الزيارات بالكامل".
وتشير إلى أن "الأعوام السابقة كانت تمثل جحيماً للسجناء وذويهم، لكن إجراءات زيارات السجون تحسنت كثيراً خلال العامين الماضيين، وباتت المضايقات التي تحدث سلوكات فردية من ضباط الحماية وأفرادها".
وتسمح قوانين السجون في العراق بأن يُشاهد السجين أهله أو عائلته أو محاميه مرتين شهرياً، لكن يحدث غالباً بسبب توزيع السجناء على المقابلات أن تقتصر المشاهدة على مرة واحدة فقط. وقد يحصل ألا تحدث المقابلة الشهرية لأسباب إدارية أو أمنية أو بسبب التعطيل الرسمي. وتخصص دوائر السجون أياماً محددة للزيارات، وتوزع السجناء عليها، وتحصل عادة بحماية مشددة ولوقت محدد في السجون الصغيرة وغير المكتظة أو غير الخطيرة، كما يقول أحد المحامين، لكن في أحوال كثيرة تمنع الزيارات أكثر من 3 أشهر، وتحديداً في سجون تتهم منظمات وحقوقيون إداراتها بارتكاب انتهاكات وفظائع داخلها، مثل التاجي والناصرية المركزي.

وتتحدث مصادر مطلعة على أوضاع السجون في العراق، لـ"العربي الجديد"، عن أن "ذوي السجناء ينتظرون ساعات طويلة أمام السجون، ويجري تفتيشهم بطريقة مسيئة، وتتعرض النساء في بعض الأحيان لتجاوزات لفظية عبر توجيه أفراد أمن السجون عبارات نابية إليهن، وأيضاً لابتزاز مالي مقابل إدخال الطعام أو الملابس". وتوضح منظمات محلية أن "الانتهاكات ضد ذوي السجناء تصل أحياناً إلى الضرب والابتزاز الجنسي، وهم لا يقدمون شكاوى غالباً خوفاً على مصير السجناء".
وفي يناير/ كانون الثاني 2023، انتشر مقطع مصور سُرّب من سجن التاجي في بغداد، تضمن استغاثة سجناء من تعرضهم لانتهاكات وصفوها بأنها غير أخلاقية وغير إنسانية تمارسها إدارة السجن في حقهم، وذلك من خلال إجبارهم على شراء المخدرات والهواتف الخليوية بأسعار باهظة، واشتراط دفع الزوار مبالغ مالية للقائهم. وأعقب ذلك إقالة وزير العدل خالد شواني مدير سجن التاجي ومعاونيه وعدد من المسؤولين.

داخل سجن أبو غريب (واثق كوزاي/ Getty)
داخل سجن أبو غريب (واثق كوزاي/ Getty)

وكشف المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب في تقرير سابق وفاة نحو 50 معتقلاً نتيجة التعذيب والإهمال الطبي في السجون، واحتجاز السلطات عشرات آلاف المعتقلين في ظروف غير إنسانية، ووضعهم في زنزانات مكتظة وغير مهيأة صحياً لسنوات بدوافع انتقامية أو طائفية. وأوضح أنّ "الظروف الصحية معدومة في المعتقلات، ما يؤثّر مباشرة على صحة السجناء، وأن هناك وفيات في السجون التابعة لوزارات العدل والداخلية والدفاع، وأيضاً في السجون السرية التابعة للمليشيات".
ويقول النائب السابق مشعان الجبوري لـ"العربي الجديد" إن "السجون والمعتقلات العراقية، وتحديداً الكاظمية والتاجي والناصرية، تشهد ظلماً كبيراً تنقلها قصص مؤلمة وحزينة للسجناء وذويهم، ولا بدّ من وقفة حقيقية إزاء ما يحدث في السجون من مشكلات وانتهاكات ومنع الزيارات".
ويؤكد أن "بعض السجناء لم يقابلوا أحداً من ذويهم منذ ست وسبع سنوات، علماً أنه تمنع زيارة أولاد لآبائهم السجناء، في حين تتعرّض النساء الذين يسمح لهن بالزيارات لإهانات. أيضاً تباع السجائر والمأكولات بأسعار باهظة للسجناء، وتذهب الأموال إلى جيوب الفاسدين".

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

ويتحدث الخبير القانوني حيان الخياط لـ"العربي الجديد" عن أنه "لا يجوز حرمان السجين النزيل والموقوف من الزيارة إلا بموافقة المدير العام للدائرة، ولا يمكن أن يحصل ذلك أكثر من ثلاثة أشهر بأي حال من الأحوال. وتحصل زيارات بعض المحكومين بارتكاب جرائم إرهاب أو أمن الدولة الداخلي أو الخارجي، أو غسل الأموال، بموافقات خاصة". 
يتابع: "وضع المشرع العراقي قانوناً جيداً يراعي السجين، ومن بين بنوده مكافأته عبر زيادة عدد الزيارات إذا أثبت تفوقاً في عمله أو دراسته أو أبدى سلوكاً مميزاً. أيضاً أعطى القانون العراقي وزير العدل صلاحية فرض المدير العام لدائرة الإصلاح وإصلاح الأحداث (المسؤولة على السجون) عقوبات تأديبية على النزيل والمودع بناء على توصية لجنة تحقيق مختصة أو لجان تفتيش إذا خالف الأنظمة والتعليمات الصادرة. ومن بين العقوبات الحرمان من المشاركة في الفعاليات الرياضية والترفيهية ومن المراسلة والزيارة".
ولا يوثق إحصاء رسمي توثق عدد السجناء في العراق، لكن أرقاماً متضاربة تشير إلى أن الرقم يقارب مائة ألف، ويتوزعون على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، إضافة إلى سجون تملكها أجهزة أمنية، مثل المخابرات والأمن الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب، وسجون الحشد الشعبي. ويستمر أيضاً الحديث عن سجون سرية تضم آلاف المعتقلين في أنحاء البلاد.

المساهمون