زواج مبكر بين السوريات

30 يوليو 2021
ما زالت صغيرة (محمد سعيد/ الأناضول)
+ الخط -

ما زالت حنان البالغة من العمر 19 عاماً اليوم، تحنّ إلى أيام المدرسة. هي توقّفت عن تلقّي تعليمها قبل نحو خمسة أعوام وتزوّجت أحد المقاتلين السوريين. تقول لـ"العربي الجديد": "لا أستطيع منع نفسي من الابتسام كلما رأيت فتاة تحمل كتبا مدرسية. من جهتي، ما زلت أحتفظ بحقيبتي وبعض من كرّاساتي وكتبي، وأعود لتصفّحها كلّما شعرت بحنين إلى تلك الأيام". وحنان التي تحفّظت على ذكر اسم عائلتها لأسباب اجتماعية، هي اليوم أمّ لطفلَين وأرملة بعدما خسرت زوجها من جرّاء قصف على إحدى بلدات ريف إدلب الجنوبي قبل أشهر. وهي تقيم مع ولدَيها في منزل عائلة زوجها في إحدى بلدات ريف إدلب الشمالي، مشيرة إلى أنّ "الحياة صعبة جداً. فالوضع الاقتصادي سيّئ جداً وفرص العمل المتاحة لأمثالي مجهدة وأجورها متدنية". وترى حنان أنّها لو أكملت تعليمها لكانت استطاعت العثور على فرصة أفضل من ذلك العمل غير المستقر في الزراعة، علماً أنّ ثمّة نساء يعملنَ في جمع الخردة والنايلون والخبز اليابس. وتؤكّد أنّه "لو يعود بي الزمن إلى الوراء، لما تركت تعليمي وتزوّجت، حتى لو اضطررت إلى الوقوف في وجه العالم"، مشيرة إلى أنّ "حلمي اليوم هو أن تكمل ابنتي تعليمها، وألا تعيش التجربة التي عشتها".
هذه واحدة من قصص كثيرة تروي زواج فتيات سوريات في سنّ مبكرة. وفي هذا الإطار تشير الناشطة حبيبة العمري المهتمة بقضايا المرأة، إلى أنّ "لكلّ فتاة من هؤلاء ظروفها ومعاناتها". وتخبر "العربي الجديد" عن "فتاة تبلغ من العمر 13 عاماً مهجّرة من ريف حماة الشمالي إلى أحد مخيمات مدينة الباب في شرق حلب، اضطرت عائلتها إلى تزويجها قبل نحو شهر من ابن عمتها بعد وفاة والدتها وإصابة والدها بشلل كامل من جرّاء تعرّضه لجلطات عدّة، إذ لم يعد لها معيل". وتحكي عن "حالة أخرى لفتاة تبلغ من العمر نحو 17 عاماً اليوم، تزوّجت عندما كانت تبلغ 13 عاماً. هي أصبحت أمّاً لطفلين وتعيش معهما في أحد مخيمات النازحين القريبة من مدينة الباب، بعدما زوّجتها عائلتها لابن عمّها الذي يكبرها بأكثر من 10 أعوام، لأنّ عاداتهم تفرض زواجها من أحد أبناء عمومتها". وتتوقّف العمري عند علاقة هذه الفتاة بولدَيها، قائلة إنّها "لا تعلم كيف تتعامل معهما، لدرجة أنّها تبكي كلّما بكى أحدهما. وفي إحدى المرات، سقط أحدهما على الأرض، فجلست تبكي أمامه فيما راحت نساء في المخيم يضمّدنَ جروحه قبل أن ينقلنَه إلى الطبيب. أما هي فقد كانت عاجزة تماماً لا تدري ماذا تفعل. فهي لم تحصل على فرصة للحصول على المعرفة اللازمة لبناء أسرة، علماً أنّها فقدت والدتها ووالدة زوجها. والمعرف تقليدياً أنّ النساء في المحيط هنّ اللواتي يزوّدنَ الزوجة الصغيرة في السنّ بما لديهنّ من خبرة، فيعلّمنَها كيف تدير منزلها وتتعامل مع أولادها وزوجها".

وعن أسباب تزويج الفتاة في سنّ مبكرة، تقول العمري: "هي عديدة وعلى رأسها الظروف الاقتصادية كفقر عائلة الفتاة، خصوصاً مع وجود عدد كبير من الإخوة والأخوات. وحين يزوّجها أهلها مبكراً، فإنّهم يخفّفون بعض الأعباء عنهم. كذلك ثمّة أسباب اجتماعية مرتبطة بالعادات والتقاليد والخوف من العنوسة في معظم المناطق السورية، خصوصاً في الأرياف حيث تُعَدّ الفتاة التي بلغت الثامنة عشرة من عمرها من دون أن تتزوّج عانساً". تضيف العمري أنّ "الفتاة قد ترغب هي نفسها في الزواج مبكراً إذا كانت ظروف الرجل الاجتماعية أفضل من ظروف عائلتها. مثلاً، إذا كانت هي من بيئة زراعية تضطرها إلى العمل في الأرض وهو أمر مجهد، وتقدّم لخطبتها شخص من بيئة مختلفة وليس فلاحاً، فإنّها توافق سريعاً على زواجه، إذ تظنّ أنّها لن تكون مضطرة إلى تحمّل العمل المجهد".
وترى العمري أنّ "الظروف الأمنية في المدن والبلدات التي تعيش مواجهات عسكرية والمهددة بالمداهمات أو القصف والتهجير، لها دورها كذلك في الزواج المبكر". وتتحدّث عن "تجربة عايشتها في مدينتي دوما التي تعرضت إلى حملات مداهمات وثلاث مراحل من التهجير. ففي عام 2013، كان ثمّة رغبة لدى عائلات كثيرة في تزويج بناتها، حتى لو كنّ في سنّ صغيرة، خوفاً من حملات المداهمة والاعتقال، إذ ثمّة احتمال أن تُعتقل فتيات في خلالها، ما يعرّض العائلة إلى عبء اجتماعي كبير. وهكذا، استعاد المجتمع تزويج الفتاة بسنّ صغيرة، على الرغم من أنّه كان قد تجاوز فكرة العنوسة المبكرة قبل عام 2011". وتتابع العمري أنّ "التهجير ساهم في التأثير على قرارات العائلات بتزويج بناتها في سنّ صغيرة. فالخوف من الانتقال إلى بلد لا معارف فيه، يقلل فرص زواجها. بالتالي، فإنّ الأفضل في تزويجها من أوّل متقدّم لها".

فتاة سورية في مخيم في إدلب وسط كورونا (بكر القاسم/ الأناضول)
فتاة سورية في مخيم في إدلب وسط كورونا (بكر القاسم/ الأناضول)

بالنسبة إلى العمري فإنّ "الزواج المبكر ينتهك حقوق الفتاة بكل المقاييس، بل يهدد المجتمع بخلق مشاكل أسرية ذات أثر سلبي واسع. فزواج الفتاة يحرمها من التعليم، فينتج عن ذلك جيل من الفتيات غير المتعلمات، ما يؤثّر مستقبلاً على أسلوب حياتهنّ وتعاملهنّ مع أولادهنّ وتحقيق بعض التوازن مع الرجال في العمل والإنتاج. كذلك يساهم الزواج المبكر وعدم تعلم الفتاة في جعل النساء مهمشات غير قادرات على الإنتاج، الأمر الذي ينعكس على الأبناء. فالأمّ غير المهتمة بالتعليم وغير المهتمة بتعليم أولادها، سوف تؤدّي إلى أجيال غير متعلمة. والأمر يطاول خصوصاً الفتيات اللواتي إن لم يكن التعليم من بين اهتماماتهنّ الأولى، فلن يجدنَ أمامهنّ إلا الزواج المبكر. وهكذا يتكرّس أحد المفاهيم المدمّرة للمجتمعات".
من جهتها، تعيد الطبيبة بتول خضر السبب الرئيسي لتزويج الفتيات المبكر أو القسري إلى "الفقر والجهل". وتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "واقع فتيات كثيرات سيّئ بشكل عام، إذ يمكن للواحدة منهنّ أن تنقطع عن التعليم بسبب بُعد المدرسة عن مسكنها، أو عدم وجود إحساس بالأمان أو الاستقرار، أو غياب جهات مسؤولة عن ضبط عملية التسرّب من المدارس. ولعلّ السبب الأهم هو غياب الإحساس بمنفعة من جرّاء متابعة التعليم، في حين أنّ المستقبل مجهول". وتلفت خضر في الإطار نفسه إلى أنّه "إلى جانب زواج القاصرات، ثمّة حالات طلاق. فالمشكلة أنّ الفتيات لا يملكنَ الوعي الكافي ليدركنَ مشاكل الزواج في سنّ صغيرة. حتى مسألة الطلاق، يتعاملنَ معها بالبساطة نفسها وبعدم الاكتراث".

وتوضح خضر أنّ "في العائلات التي تعيش وسط الحرب ومخاطر النزوح، ثمّة أمهات يدعمنَ تزويج بناتهنّ في سنّ صغيرة، بل ويبذلنَ ما في وسعهنّ من جهود لذلك أكثر من الأب، خوفاً من أن تُلحق الفتاة العار بالعائلة، بالإضافة إلى فكرة التخفيف من الأعباء الاقتصادية".
تجدر الإشارة إلى أنّه لا تتوفّر إحصاءات عن نسب تسرّب الفتيات من المدرسة في مرحلة التعليم الأساسي، لدى مديريات التربية في شمال غربي سورية التي تسيطر عليها فصائل مسلحة معارضة مدعومة من تركيا وفصائل متشددة. لكنّ مصادر تفيد "العربي الجديد" بأنّ نسبة تسرّب الفتيات أكبر من نسبة تسرّب الفتيان.

المساهمون