تروي السورية س. م. أنّ زوجها، وهو تركي، طلّقها بعدما سجل ابنة ولدتها باسم زوجته التركية الأولى، ثم توقف عن دفع إيجار المنزل، فاضطرت إلى اللجوء إلى مؤسسة "ريتال" للاستشارات القانونية في إسطنبول، من أجل رفع دعوى قضائية ضده.
وأبلغ مسؤولو المؤسسة القانونية "العربي الجديد" أنّ "قضية س. م. بالغة التعقيد، ولا حلّ لها إلا إجراء تحليل الحمض النووي (دي إن أي) للطفلة من أجل إثبات أمومة المدعية، تمهيداً لمحاولة تحصيل حقوقها الخاصة بالأمومة فقط، لأن الباقي مستحيل، فالقانون المدني التركي لا يسمح بتعدد الزوجات، كما يُعاقب بالسجن من يجمع بين زوجتين، وهو ما تعلمه السيدة السورية التي وافقت على الزواج دينياً من المدعى عليه التركي. ويعني ذلك أن عقد زواجهما غير مسجّل في المحاكم، لأن المادة 143 من القانون المدني التركي لا تعترف بالزواج الديني، والقانون لا يحمي المتغافلين أو الذين يقفزون عليه".
ورداً على سؤال عن سبب عدم إعلام السوريات بشروط الزواج في تركيا في سبيل تجنب مواجهة "كارثة" الزواج بعقد غير مدني لا يحظى باعتراف السلطات، أوضح أحد محامي مؤسسة "ريتال" أن "الشرط الأهم في الزواج أن تتجاوز العروس الـ18 عاماً، علماً أن دوائر البلديات قد تطلب أحياناً حضور الوالدين وتوقيعهما على الوثيقة، في حين أن لا مشكلة في شأن اختلاف أديان الزوجين. أما تعدد الزوجات فممنوع، ولا يحق للمرأة التي سبق لها أن تزوجت، تكرار ذلك إلا بعد مضي نحو سنة، لكن هذا الشرط لا يُطبّق عادة".
وتشهد تركيا منذ بدأ السوريون في اللجوء إليها قبل أكثر من عشرة أعوام، حالات زواج كثيرة بين سوريات وأتراك، وبنسب أقل بين سوريين وتركيات.
في إحصاء نشره المكتب المركزي للدراسات السكانية في تركيا، مطلع عام 2019، تصدّرت السوريات قائمة الأجنبيات اللواتي تزوّجنَ من أتراك عام 2018، وحلّت الأذريات في المرتبة الثانية والألمانيات في الثالثة.
وحدد المكتب حينها عدد النساء السوريات المتزوجات من أتراك بنحو 23 ألفاً، ما شكل نسبة 15.7 في المائة من الزوجات الأجنبيات. أمّا الأذريات فبلغت نسبتهن 13.9 في المائة، والألمانيات 10 في المائة، علماً أن نسبة زيجات الرجال الأتراك من نساء أجنبيات بلغت 4.1 في المائة من مجموع الزيجات ككل في البلاد. أما نسبة زيجات النساء التركيات من رجال أجانب فبلغت 0.7 في المائة من المجموع العام للزيجات. وحلّ السوريون في المرتبة الثانية بعد الألمان في قائمة الرجال الأجانب الذين تزوّجوا نساءً تركيات، وناهز عددهم 4800، أي بنسبة 13.1 في المائة، فيما بلغت نسبة الألمان 34 في المائة.
وعن الأوراق المطلوبة لتثبيت الزواج في تركيا وحقوق الزوجة، يُبلغ المحامي ماجد النكدلي "العربي الجديد" أن "السوري أو السورية يجب أن يُحضرا ورقة إثبات العزوبية من مديرية الهجرة إذا كانا يحملان إقامة سياحية، أو من شعبة الأجانب في منطقة بيازيد بمدينة اسطنبول إذا كانا يقيمان في تركيا وفق قانون الحماية الموقتة. وقد يستبدلان ورقة إثبات العزوبية في حال تعذر الحصول عليها، بإخراج قيد صادر من سورية ومصدّق من القنصلية السورية بإسطنبول ومن القائمقام بعد ترجمته". ويتابع: "بعد ذلك يجري الزوجان تحاليل طبية في مستشفيات حكومية تركية، ويترجمان جوازات السفر ويصدقانها لدى كاتب العدل، مع تقديم ثماني صور شخصية وأوراق التحاليل إلى البلدية. وفي مدة أقصاها 15 يوماً يثبّت عقد الزواج ويمنح دفتر العائلة، علماً أنّ هناك مقدماً ومؤخراً للسيدة في الزواج التركي المدني، وفي حال الانفصال يتقاسم الزوجان أموالهما مناصفة".
ويشير المحامي النكدلي إلى أن "لا غرامة على تأخير تثبيت الزواج في تركيا، كما أن عقد الزواج التركي لا يخضع لأي موافقة في سورية الذي يرفض النظام تسجيله لأنه زواج مدني. أما تثبيت عقود الزواج بمناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سورية فلا تعترف بها تركيا، لأن أختام الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ لا يقبلها القانون التركي". وحول نسَب تثبيت الزواج بين السوريين والأتراك، يوضح النكدلي أن مكتبه "ينفذ نحو عشر عمليات تثبيت زواج شهرياً، بينها نحو تسع بين سوريات وأتراك، لكننا نلاحظ أن غالبية زيجات السوريات بأتراك تنتهي بالطلاق".
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر تركية رسمية أن الأوراق المطلوبة لتثبيت الزواج، هي إخراج قيد للزوج أو الزوجة من الأحوال المدنية في سورية، مصدّق من وزارة الخارجية السورية. وكذلك صورة لجواز السفر مع ترجمته وتصديقه لدى كاتب عدل، مع إمكان استخدام الهوية الشخصية السورية بدلاً من جواز السفر.
ومن الأوراق المطلوبة أيضاً شهادة الطلاق أو بيان وفاة الزوج السابق، وسند استطلاع يثبت عدم تغيير الاسم، رغم أن بعض البلديات لا تطلبه، وموافقة خطية من ولي الأمر، إذا كان عمر طالب الزواج بين 16 و18 سنة. وأيضاً وثيقة إقامة أو عقد إيجار، أو وثيقة سكن من فندق. ويجب التوجه إلى البلدية وتعبئة استمارة إعلان زواج مع تقديم كل الأوراق المطلوبة، تمهيداً لتثبيت عقد القران، وتسليم الزوجين دفتر العائلة التركي الدولي، وهو بعدة لغات، والذي قد يُستخدم وثيقة لاستقدام الزوجة إلى دولة الزوج. ومع ملاحظة أن تثبيت زواج السوريات من أتراك أو غير سوريين يصطدم دائماً بعقبة الزواج الديني "الشرعي"، رغم أن القانون المدني التركي يرفضه، يرى رجل الدين السوري محمد حاج خلف الذي يعقد القران بين سوريين وأتراك أو بين السوريين أنفسهم بالطريقة الدينية أن "عقد الزواج الشرعي ممنوع ويعاقب عليه القانون في تركيا، لكن ليس دائماً إلا في حال خالف القانون عبر حصول زواج ثانٍ تحديداً. ونحن نشرّع الزواج الديني بناء على طلب الطرفين، إذ يأتي أتراك كثيرون يتزوجون في البلديات إلينا لتزويجهم شرعياً كونهم مقتنعين بذلك".
ويكشف حاج خلف أن "البلديات تسأل السوريات عن موافقتهن على عدم تسجيل مهورهن، في حين أشدد حين أعقد قراناً شرعياً على ضرورة إجراء عقد مدني قانوني لتثبيت الحقوق خاصة للمرأة لضمان وضعها وتسجيل الأولاد". أما الأوراق التي يطلبها حاج خلف ليكتب عقد القران، فتقتصر على بطاقة الهوية الشخصية أو جواز سفر، مع توقيع شهود عليه، وتأكيد معرفة الطرفين وولي أمر العروس أكان أباً أم أخاً أم عماً أم ولداً بالغاً بأمر الزواج. ويُشير إلى أنه "يحق لأي فتاة تعدّت الـ 24 عاماً وتتبع المذهب الحنفي أن تزوج نفسها في حال عدم وجود وليّ أمر".
ويقول حاج خلف إنه لا يمانع أن يكتب قراناً شرعياً لتركي متزوج سابقاً، رغم أنه يعلم أن لا قيمة له، ولا يؤمّن أية حقوق للزوجة السورية، و"ذلك إذا وافق الطرفان ووليّ أمر العروس على ذلك. فما نريده هو تحليل الزواج، لكننا نشرح ونؤكد أن هذا العقد لا يضمن أي حقوق، وبينها تسجيل الأولاد، في حين نسعى عبر هذا العقد إلى تعديل ضمانات الحقوق عبر تحصيل مقدم مالي للعروس، علماً أن التزام التركي المتزوج سابقاً يظل أخلاقياً، من دون أي ضمان قانوني لحقوق زوجته السورية".
ويُشير حاج خلف إلى أن بعض عقود الزواج الشرعي كتبها عبر شبكة الإنترنت وتطبيق "واتساب" بعدما جمع بين الخطيب وخطيبته وأهلهما حتى في بلدين مختلفين، وسمع الموافقات بعد التأكد من البطاقات أو جوازات السفر.
وعن دور المؤسسات السورية في تركيا، خاصة الحقوقية، في توعية السوريات، وتجنب تزويجهن تحت عمر الـ18، أو لفت انتباه السوريات إلى عدم الزواج من تركي لديه زوجة، نظم تجمع المحامين السوريين في تركيا أكثر من 40 محاضرة في مختلف مدن تركيا تتعلق بزواج السوريات من أتراك، وأصدر كُتيّبات خاصة لتوضيح هذا النوع من الزواج وغيره في تركيا بالنسبة إلى السوريين.
ويقول محامٍ في التجمّع لـ "العربي الجديد": "يعرف الجميع ما له وما عليه من حقوق، لكن ذلك لا يمنع زواج قصّر دون 18 عاماً في بعض الحالات، أو الاقتران بتركي متزوج لاعتبارات كثيرة، أهمها الحاجة التي تعصف بكثير من السوريات بلا أزواج ولديهن أولاد أو كبيرات في السن". يضيف: "نجحت حالات زواج كثيرة بين أتراك وسوريات بسبب تشجيع كثيرين على الاقتران بسوريات".