بعدما انتكست حالته الصحية فجأة بشكل كبير، وبات لا يستطيع التحرك والأكل، جرى تشخيص إصابة الطفل عمران البالغ ثلاث سنوات بمرض "مويا مويا" النادر الذي يصيب أوعية في الدماغ لدى الأطفال، ويتسبب في شلل نصفي لهم.
وربط طبيب الأطفال في ريف إدلب بالشمال السوري، خالد باريش، سبب مرض عمران بزواج والده أبو محمد من ابنة عمه التي تعاني عائلتها من أمراض وراثية تسببت في إعاقة وشلل بعض إخوتها، ووفاة بعضهم في سن صغيرة. ونقل عمران إلى تركيا، حيث يحاول والده منذ خمسة أشهر إيجاد علاج له.
يقول باريش لـ "العربي الجديد": "تعتبر الأمراض الوراثية مزمنة ولا علاج جذرياً لها غالباً، وأصبحت أكثر انتشاراً مع انتشار ظاهرة زواج الأقارب في المجتمعات السورية، لا سيما في الريف، بسبب عادات وتقاليد تحظر زواج الفتاة من غير ابن عمها أو قريبها، وكذلك بسبب غياب الفحوص الطبية قبل الزواج". يضيف: "من هذه الأمراض التلاسيميا وأمراض خلل الاستقلاب الدسم، والحموض الأمينية، واضطرابات مخزون الغلوكوجين والربو".
ويؤكد طبيب أمراض الدم الدكتور جميل الدبل، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن "زواج الأقارب سبب مباشر في انتشار الأمراض الوراثية، خصوصاً إذا كان الأقارب يعانون منها. وهذه الأمراض كثيرة ويصعب حصرها، لذا يفضل إجراء تحاليل وراثية قبل الزواج، وأهمها تحاليل للدم والجينات تشمل كريات الدم الوراثية العائلية، والكريات البيض، وفقر الدم المنجلي، والبروتين سي، ونقص المناعة، ومتلازمة داون، ومرض التلاسيميا، وأمراض العضلات. والتحاليل الجينية تحديداً غير متوفرة في منطقة إدلب، كما يصعب إجراء تحاليل الأمراض الوراثية النادرة بسبب عدم وجود المختبرات اللازمة".
وينصح الدبل بتجنب الزواج من الأقارب، خصوصاً إذا كان هناك أمراض لدى أفراد في العائلة، "فقد يتسبب ذلك في معاناة طويلة لهم، إذا انتقلت هذه الأمراض إلى أطفالهم في المستقبل، ومشاكل مجتمعية أخرى تفكك أسراً كثيرة."
لكن بعض المجتمعات الريفية لا تزال تتمسك بعادات تعزز الزواج ضمن العائلة الواحدة، من دون أن تفكر في ما يمكن أن يسببه زواج الأقارب من أمراض وراثية تجعلهم يواجهون مشقات في العلاج وملاحقة الأطباء والعناية بطفل معوق.
وكان فارس أحمد النازح من ريف حلب إلى شمال إدلب تزوج من ابنة عمه، وهي ابنة خالته في نفس الوقت، وكلاهما في عمر متقارب، بعدما استجاب لقرار أهله تزوجيهما منذ الصغر (وهو عرف ينتشر في المجتمعات الريفية جنوب حلب)، رغم أن أطفالاً من العائلتين كانوا توفوا في مقتبل العمر.
وعانى الطفل الرابع لفارس من اضطراب في الدم، وانتكست حالته الصحية من دون أن يتوفر العلاج المطلوب في الشمال السوري، فجرى تحويله إلى تركيا حيث واجه والده معاناة استمرت عدة أشهر في التنقل بين المستشفيات، قبل أن يعود إلى سورية من دون أن يتماثل ابنه للشفاء، بل ساءت حالته بعدما أصيب بضمور في الدماغ وعانى من تأخر في النمو. وهو بات يخضع حالياً لعلاج فيزيائي مستمر، ما يدفع والده فارس إلى التكرار بأنه دفع مع أولاده ضريبة باهظة بسبب إرادة أهله تزويجه من ابنة عمه.
ويروي زكريا الجمعة الذي يقيم في مخيم بشمال إدلب لـ "العربي الجديد" أن جيراناً له نزحوا من ريف معرة النعمان الشرقي جنوبي إدلب لديهم أكثر من 20 شخصاً من ذوي الإعاقة ضمن عائلتهم وأقاربهم، ويعيشون في ظروف معيشية صعبة. ويخبر أنه يرى معاناتهم اليومية عند متابعة أحوال المعوقين والعناية بهم، والتي ترتبط بانتشار زواج الأقارب في شكل كبير بينهم، ما أدى إلى ولادة عدد كبير من الأطفال المعوقين جسدياً أو عقلياً.
ويقول: "يجلب الزواج بين شخصين متباعدين فوائد مجتمعية وصحية، فهو يقوي الروابط المجتمعية بين الناس ويعزز التعارف والتآلف، وكذلك يوفر فوائد صحية تتمثل في تمتع المولود بجسم سليم يخلو من أمراض وراثية وصحة عقلية مثالية فيتحول إلى شخص أكثر فعّالية وإنتاجية في المجتمع.
وتشير تقديرات الى أن نحو 7.9 ملايين مولود في العالم يشكلون نسبة 6 في المائة من المجموع السنوي للمواليد، يعانون من خلل وراثي المنشأ. ومع ارتفاع معدل انتشار الاضطرابات الوراثية، مثل التلاسيميا وفقر الدم المنجلي، تشارك دول الشرق الأوسط في جزء كبير من هذا العبء يشمل نسبة 26 في المائة من المجموع السنوي للمواليد المصابين بالتلاسيميا في العالم.