كان مجرد طريق جبليّ يربط بين القرى في بلدة إصلاحية بولاية غازي عنتاب، جنوبي تركيا، ويمر بجانبه نهر صغير من مخلفات ذوبان ثلوج الجبال وهطول الأمطار، ليأتي الزلزال ويغير طبيعة المكان ويجعل الجبال تتلاقى، فتتشكل بحيرة جديدة في المنطقة.
الزلازل الكبرى التي ضربت المنطقة قبل نحو شهرين، أسفرت عن لقاء تلّتين جبليتين وإغلاق الطريق، بحيث باتت إمكانية شقه مجدداً أمراً صعباً مع تشكل بحيرة طبيعية خلف الجبل المنهار.
ويكشف انهيار الجبل بشكل كبير وكتل الصخور التي انهارت بفعل الزلزال حجم الزلزال وقوته وتأثيره، حيث رصدت عدسة "الأناضول" هذا الانهيار وانتقاله للجبل الآخر، مغلقا الوادي والطريق المار عبره، ومشكلاً بحيرة جديدة جميلة بين الأشجار الخضراء.
انسداد الطريق
انجراف تلة جبلية بفعل الزلازل أدى إلى انهيار الصخور وتفتتها وانهيار الأتربة على مسافة مائة متر وقطع الطريق الذي كان يوصل إلى قرية إيديللي وما وراءها من قرى وصولاً إلى التلة الأخرى.
فالصخور التي تغلق الطريق ترتفع قرابة 50 متراً، وبات يتعذّر إعادة فتح الطريق مجدداً بعدما تجمعت المياه وراء هذا السد الطبيعي الذي حصل بفعل الزلزال، نظرا للكميات الكبيرة من الصخور التي تشبه ردم السدود.
هذه الصخور العملاقة قطعت بداية طريق النهر الذي تجري المياه فيه شتاءً وتجف صيفًا كونه من الأنهار الصغيرة، ما أدى إلى غمر المياه للطرف الآخر للطريق وأعمدة الكهرباء، وتشكل بحيرة طبيعية جديدة لم تكن موجودة بالمنطقة.
سكان المنطقة فوجئوا بداية بهذا التغيير الحاصل، حيث وصلوا إلى نهاية طريق أغلق بفعل الزلزال وهو الطريق الذي اعتادوا أن يسلكوه للتنقل وزيارة أقاربهم.
هذا التغير الجغرافي يظهر قوة الزلزال وتأثيره في تشكل الطبيعة، وكل زائر للمنطقة يفاجأ كيف أن الطبيعة قطعت الطريق وغيرت ملامحه.
بحيرة بلا اسم
على امتداد الطريق وقبل الوصول إلى مكان انجراف التلتين، يمكن ملاحظة سقوط الصخور من الجبال، وعند الوصول تكون المفاجأة بهذا الارتفاع وحجم الانجراف الكبير، وكأن ثمة شيئاً انفجر من داخل الجبال.
السلطات المحلية المعنية بالأمر عملت على تقليل المخاطر في المنطقة عبر تسوية الأطراف حول التضاريس الجديدة، وتسوية الأوضاع حول البحيرة حديثة التكوين التي لا اسم لها بعد، في حال اختارت الطبيعة أن تبقى بحيرة على المدى الطويل.
ومع هطول الأمطار، ارتفعت مياه البحيرة ومنسوبها لتغمر كامل الأعمدة الكهربائية وتتوسع مساحة البحيرة السطحية، وليكون الجسم الحاجز الجديد مانعا لسيلان المياه، كي تعكس المشاهد حول البحيرة امتزاج زرقة المياه بخضرة الجبال.
وعلى الرغم من أن السلطات المعنية عملت على وضع الرمال والأتربة وفتحت قناة تصريف للمياه الزائدة من خلف السد الجديد، إلا أن الطبيعة والمياه وجدت لنفسها طريقا أيضا للتصريف، حيث عاد النهر للتدفق والسيلان من البحيرة الجديدة المتشكلة من انجراف التربة.
خطر محتمل
سكان المنطقة وزائروها لا يخفون دهشتهم من هول ما حصل، حيث أن إنشاء كيان يحجز المياه خلفه من قبل البشر يستغرق شهوراً طويلة وربما سنوات، وأول ما يخيل للزائرين لدى رؤيته هو: كيف حصل ذلك خلال دقيقة من الزلزال!
كتل صخرية كبيرة وصغيرة ومختلفة الأحجام تتناثر من التلة الجبلة وصولا إلى الطرف الآخر، تظهر قوة الزلزال التي كسرتها وفتتتها، فيما يتسلق الناس طريق القناة باتجاه البحيرة لمشاهدة ما فعلته الطبيعة.
ومع كثرة هطول الأمطار وتواصل الدراسات لتحديد ما يجب عمله مستقبلًا، تعمل السلطات عند اشتداد الأمطار، على إخلاء القرى المجاورة خوفا من انهيار آخر قد يؤدي إلى تدفق كبير للمياه، وهو ما يمثل خطراً محتملاً يهدد حياة الناس في هذه القرى.
وتقع المنطقة بالتحديد قرب مدينة إصلاحية، من جهة مدينة نورداغي، والمدينتان على مقربة من مركز الزلزال في ولاية كهرمان مرعش، وتعتبر الأكثر تضررا في ولاية غازي عنتاب.
وفي 6 فبراير/ شباط الماضي، ضرب جنوبي تركيا وشمالي سورية زلزالان عنيفان بلغت قوتهما 7.7 و7.6 درجات، تبعتهما آلاف الهزات الارتدادية العنيفة، ما أودى بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص وخلَّف دماراً مادياً هائلاً.
(الأناضول)