زرع التعليم والحصاد المُرّ

11 ابريل 2022
لم تحقق المنطقة العربية ما وعدت به تعليمياً (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن غياب قرار التصدي للوباء بأشكاله الأصلية والمتحورة، أو حتى إنكاره، أو العجز عن إدارة مواجهته على نحو فعّال، عفو الخاطر أو من قبيل الصدفة. إذ الفعلي أن السلطات في معظم الدول العربية تعتبر أن همها الأساس هو الحفاظ على مواقعها ودعمها وترسيخها. بالطبع تدخل التربية في هذا المضمار، وإن كانت تأتي في مرتبة متدنية من الاهتمام. 
ضمن هذه المناخات، تتضاعف الخسائر والانهيارات. ويتلوها العجز عن الإفادة من رأس المال البشري المتوفر وتنميته وتعزيزه. وهذا كله قلّص من فرص النمو والترقي الاجتماعي والاقتصادي أمام ملايين الشبان والشابات الذين يبحثون عن مواقع لهم في المجتمع، لاسيما أولئك الذين يوشكون على الدخول إلى سوق العمل أو دخلوه فعلاً، وإن بكفاءات متدنية، نتيجة ما تعرضوا له من انقطاعات عن مناهجهم التعليمية والتأهيلية، وعدم مجاراة ما يتطلبه منهم سوق عمل لا يكف عن فرض المزيد من المؤهلات. ولكن ما يجب التذكير به أن الوباء المتجدد أتى على قاعدة خلل أصلي في الحصول على حق التعلم بين أبناء البشر، ومن بينهم بالطبع في منطقتنا ودولنا العربية التي انفجرت على نحو دراماتيكي منذ العقد الأول من القرن الحالي، وما تزال العديد منها مسرحاً للتدخلات الإقليمية والدولية وللحروب والصراعات.  
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن منظومة التعليم العربية هي المسؤولة عن تراجعها في  أداء دورها، بل على العكس، فقد حصدت زرعاً لم تكن مسؤولة عنه بالكامل. خصوصاً وأن التفكك والانحلال له مستتبعاته في كل ميدان ومجال ومنه التعليم. وقد أمكن الوصول إلى هذا المردود بفعل تضافر عوامل متداخلة، لم يكن نتاجها حاصل السياسات الرسمية فقط، بل إن مواقف الشرائح والفئات في المجتمع أتاح بلوغ مثل هذه النتيجة. فالفعلي أنه لم تنوجد في المنطقة العربية قوى فعلية منظمة ضاغطة من أجل تنفيذ إصلاحات حقيقية في مجال التعليم العام والأكاديمي. 

موقف
التحديثات الحية

فالطبقة التي توصف بالليبرالية والمتعلمة عموماً، عمدت إلى أحد خيارين أو كليهما معاً. فقد أرسلت أبناءها إلى مدارس وجامعات مميزة في الداخل أو إلى الخارج للدراسة، وهي في بلادنا قليلة العدد محدودة الاستيعاب، خصوصاً وأن الفئات القادرة على دفع أكلاف باهظة على التعليم صغيرة بالقياس إلى اتساع باقي الفئات. والأحزاب والنقابات التي تنتمي نظرياً في معظمها إلى مفاهيم الطبقة الوسطى كان همها ودافعها الأساسي هو تحسين أوضاع العاملين في القطاع مادياً، بصرف النظر عن مردوده على تطور المجتمع. وروابط ونقابات ومؤسسات أساتذة التعليم العالي كانت جزءاً من الموجة المطلبية، وإن كان بعضهم بذل جهوده الممكنة في تنمية الدور الذي يفترض القيام به على صعيد الأداء التدريسي لطلابه والأبحاث التي يتولاها. لكن هذه لم تشكل تياراً يُعتد به على الصعيد العام. والفئات الدنيا في المجتمع رضيت أو اكتفت بأحسن الأحوال بتدبير مقعد دراسي لأبنائها، دون الوقوف عند نوعية التعليم المقدم لهم ومخرجاته المستقبلية. وهكذا دارت المنطقة في حلقة مفرغة كانت أثمانها فادحة. أبرز هذه النتائج غياب المقياس الفعلي لعناصر تفوق الدول والمجتمعات والأفراد وأساسات نهضة الشعوب مما تعانيه. والواقع أنه ومن دون العودة إلى الأرقام والنسب المئوية والرسوم البيانية يمكن الجزم أن المنطقة العربية ما تزال دون الوصول إلى تحقيق ما سبق وتعهدت به - وهو بدائي - أمام الهيئات الدولية من القضاء على الأمية الحروفية، ولا نتحدث عما هو أبعد من ذلك. وما يحدث هو عكس ذلك تماماً، إذ ما تزال أعداد مليونية في مرحلة الطفولة تعاني من الأمية نتيجة التهميش.
(باحث وأكاديمي) 

المساهمون