استمع إلى الملخص
- يشدد التقرير على ضرورة تصحيح المصطلحات المستخدمة في سياق الدعارة، مثل استخدام "ضحايا" و"النساء المستغلات في الدعارة" بدلاً من "عاملات الجنس". يرفض التقرير فكرة أن الدعارة مهنة شرعية.
- يوضح التقرير أن نظام الدعارة يتغذى من زيادة الطلب على الأفعال الجنسية، خاصة مع انتشار البورنوغرافيا. يسعى التقرير إلى إلغاء نظام الدعارة عبر وضع برامج حماية دولية ووطنية، وحظر المواد الإباحية، وتقديم الدعم للنساء.
تؤكد المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف ضد النساء، ريم السالم، أن العنف السائد في أنظمة شبكات الدعارة العالمية يمارس عبر آليات تجارية تترافق مع أفعال إجرامية صريحة كالاغتصاب والإدمان على المخدرات، فضلاً عن تعرض بعض النسوة للخداع والاحتيال والسرقة من القوادين الذين يبتزونهن عبر ديون وسندات لا يستطعن تسديدها من خلال الأجر الضئيل الذي يتقاضينه.
وتوضح السالم في مقابلة مع "العربي الجديد"، أن أشكال العنف لا تتوقف عند العنف اللفظي، والممارسات الجنسية القاسية والمهينة، بل تصل أحياناً إلى القتل، مشيرة إلى أن التقرير الأممي الصادر في هذا السياق قوبل بصدى عالمي إيجابي، إذ انطوى على مقاربات جديدة في تناول الدعارة بوصفها نظام استغلال جنسي، ينطوي على عنف يقترب من التعذيب الذي تُحرّمه القوانين الدولية، ورغم أن القوانين واتفاقيات حقوق الإنسان لم تخصص للدعارة تشريعات منفصلة، إلا أنه ينبغي التركيز على ضرورة عدم تجريم النساء ضحايا هذا العنف المنظم.
تضيف: "عمل التقرير على تصحيح المصطلحات التي تحيط بنظام الاستغلال، مثل استخدام مصطلحات (ضحايا) و(النساء المستغلات في الدعارة) عوضاً عن مصطلح (عاملات الجنس) اعترافاً بحجم الضرر الذي يلحق بهن، وبانتقاص حقوقهن الأساسية، وحقهن بالحماية والتعويض، كما استخدم التقرير مصطلح (مشتري الفعل الجنسي) للإشارة إلى أولئك الرجال الذين يشترون الأفعال الجنسية، والذين يتعين توجيه الوصم وإسناد المسؤولية الجنائية إليهم باعتبارهم مرتكبي الجريمة الحقيقيين. لطالما قيل إن الدعارة هي أقدم مهنة في التاريخ، لكن هذا غير صحيح، فمن يعتبر الدعارة عملاً يجب أن يعرف أنها ليست كذلك، بل هي نوع من العنف والاستغلال".
تتابع المقررة الأممية: "هذا النقاش يتناقض مع فكرة أن الدعارة مهنة شرعية، وبعض الدول الأوروبية تسعى إلى شرعنتها قانوناً، فيما ترفض شرعنتها دول أخرى، من بينها الدول العربية والإسلامية، التي تعتبرها أفعالاً جرمية، لكنها تعاقب النساء وحدهنّ، بينما الرجال المنخرطون في هذه الجريمة يفلتون غالباً من العقاب بسبب النظام الذكوري المسيطر. المرأة ضحية، واضطرار النساء إلى ممارسة الدعارة يرجع إلى ظروف غاية في الصعوبة، تجعلهن يقبلن هذا النوع من الجنس القسري، وبينهن ضحايا لنزاعات مسلحة، أو فقر مدقع، ومهاجرات ولاجئات يفتقدن المأوى والحماية، وأخريات عرضة لشتى أنواع الانتهاكات، حتى من أزواج أو أقارب يجبرونهن على ذلك".
وتقول السالم: "حين صدر التقرير لم تكن منظمات حقوق الإنسان الأممية تفكر على هذا النحو، ولذلك لم يتم ربط إشكالية الدعارة باتفاقيات حقوق الإنسان، أو مكافحة التمييز ضد النساء والفتيات، ولم تخصص تشريعات لمكافحة الدعارة كنظام استغلال جنسي يطاول الإناث، وإن كانت روح الاتفاقيات القائمة تسمح بذلك، والتقرير يسعى إلى إلغاء نظم الدعارة عبر وضع برامج حماية دولية ووطنية، وإشراك منظمات المجتمع المدني الدولية والإقليمية والمحلية".
تتابع: "يتغذى نظام الدعارة من زيادة الطلب الذي يقدم عليه الرجال مشترو الأفعال الجنسية، خاصة مع تطور هذا النظام بعد انتشار (البورنوغرافيا) وتداول الأفلام الإباحية على نطاق واسع مع انتشار الإنترنت، وهي منتشرة بين الأطفال والقاصرين على حد سواء، وفي فئات عمرية تبدأ من سن السابعة، وتتسبب بالأضرار نفسها التي تتسبب بها الدعارة المباشرة، كما تشوه العلاقة بين الجنسين، وتجردها من إنسانيتها، كما أن النساء والفتيات اللواتي يظهرن في الأفلام الإباحية يتعرضن للخداع، ويجبرن على تمثيل المتعة المزيفة، والقيام بممارسات شاذة، وخطورتها أنها تجعل من الدعارة أمراً طبيعياً، ما يؤدي إلى آثار مدمرة".
وتضيف السالم: "للأفلام الإباحية تأثير مباشر على العلاقات الزوجية، إذ تزيد من التوقعات، ويجنح الرجال إلى تطبيق ما يرونه فيها مع زوجاتهم، ما يتسبب بمزيد من العنف، فضلاً عن تركيز الأفلام الإباحية على الأعراق لزيادة الإثارة، ما يخلق عنفاً اجتماعياً، ويتسبب بزيادة حالات الاغتصاب والاستغلال الجنسي، وفي دول الشمال، يتضح أن غالبية المغتصبين من الشباب، والمغتصبات من القاصرات".
وتعتقد المقررة الأممية أن "التقرير مجرد بداية من أجل إلغاء نظام الدعارة"، وتعترف أن "القيام بعمل موضوعي في هذا الشأن صعب، إذ نتعرض للشيطنة بسبب الطرح، حتى من بعض النسويات ممن يفكرن سطحياً، والبعض يتهمنا بإفساد المجتمع لأننا نعتبر نساء الدعارة ضحايا، ونصف الخارجات من الدعارة بأنهن ناجيات. بينما البعض يعتبرهن مشاركات لأنهن راضيات ببيع أجسادهن لقاء بدل مادي، فيما يتجاهلون الأسباب والعوامل التي أدت إلى ذلك. لا يمكن تصور وجود الرضا في علاقات القوة، فالرجل في هذه العلاقة في موقع القوة، ويعتبر نفسه محقاً بممارسة الجنس كما يشاء طالما يدفع الثمن، فيما ليس لدى المرأة أي شبكة حماية، حتى من جهات إنفاذ القانون، التي قد تستغلها جنسياً أيضاً بالقوة التي تملكها تلك الجهات. كل إساءة لامرأة هي امتهان لكرامة النساء جميعاً، وتعميم للنظرة الدونية نحو المرأة".
وترى السالم أن "تحديد المداخل لبدء إلغاء نظام الدعارة مهم، وحظر المواد الإباحية قد يكون نقطة دخول أسهل لمكافحة الدعارة، إضافة إلى إيجاد شبكات حماية، ومصادر تمويل لمناصرة النساء للخروج من هذا النظام، والنجاة بأنفسهن. قد نبدأ بتغيير التشريعات الحقوقية الدولية، وآمل أن أتمكن خلال فترة ولايتي من المساعدة على إجراء إصلاحات قانونية لوقف تجريم النساء في الدعارة، وتغيير المصطلحات التي تؤدي إلى عدم فهم هذا النظام، وما ينطوي عليه من عنف واستغلال، وتقديم ما يلزما الناجيات لتشجيعهن على الخروج المستدام، وتقديم العلاج الجسدي والنفسي، والتدريب المهني، والمأوى الآمن، وتجريم الفاعلين الحقيقيين، وملاحقتهم قضائياً لوقف الطلب على الأفعال الجنسية. فالمرأة ليست منتجاً للبيع".