روس عالقون... المواطنون العزّل في ورطة بسبب العقوبات الأوروبية

05 مارس 2022
الاتحاد الأوروبي يغلق مجاله الجوي أمام الطائرات الروسية (مايكل ميتزيل/ Getty)
+ الخط -

لم يعد وقف حركة الطيران يعرقل عودة السياح الروس إلى بلدهم فحسب، بل بات يهدّد أيضاً لم شمل العائلات الروسية التي يعيش أبناؤها في الخارج. إيرينا (إسم مستعار) امرأة روسية في نهاية العقد الثالث من العمر تعيش مع أسرتها في الولايات المتحدة الأميركية منذ أكثر من 15 عاماً وتحمل الجنسية الأميركية، وقد خطّطت لاستقدام والدها بعد وفاة والدتها العام الماضي.
إلا أنها اليوم تتخوف من عدم القدرة على تحقيق هذه الخطة. وتقول لـ "العربي الجديد": "كنت أخطط لجلب والدي إلى هنا بموجب تأشيرة سياحية، ثم استخراج البطاقة الخضراء له. لكن هذا النوع من التأشيرات لم يعد يصدر من القنصلية الأميركية بموسكو منذ فترة طويلة. لذلك، خططنا لسفره إلى بولندا أولاً للحصول على التأشيرة الأميركية والحصول على اللقاح المضاد لكوفيد-19 معترف به أميركياً، لكن الاتحاد الأوروبي أغلق الباب في وجهنا أيضاً".
ومع وقف حركة الطيران، وجد بعض المشاهير الروس أنفسهم عالقين في الخارج، من بينهم الممثلة المسرحية والسينمائية يلينا زاخاروفا (46 عاماً)، التي تمكنت من العودة إلى روسيا في نهاية المطاف. كانت زاخاروفا تؤدي مع فرقتها المسرحية عروضاً في إسبانيا عندما علمت بوقف حركة الطيران. وعادت الفرقة المسرحية إلى موسكو بعد معاناة كبيرة وصلت إلى حد اضطرار الفنانين للانتظار جالسين على الأرض في المطارات والمرور ببضع محطات ترانزيت قبل الوصول إلى بلدهم.
وبعد إعلان أكثر من 35 بلداً عن وقف حركة الطيران مع روسيا على خلفية بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، وجد عشرات آلاف السياح والمسافرين الروس أنفسهم عالقين في الخارج، وسط تساؤلات حول كيفية عودتهم إلى بلدهم ومن يتحمل مسؤولية ترتيب ذلك.  
وبحسب بيانات اتحاد الشركات السياحية الروسية، فإن أكثر من 150 ألف مسافر روسي كانوا موجودين في الخارج مع وقف حركة الطيران، بمن فيهم 27 ألفاً في الدول التي يتعذر السفر منها إلى روسيا في الوقت الحالي. وتشير تقديرات وكالة السياحة الروسية "روس توريزم" إلى أن نحو 2500 شخص ما زالوا عالقين في اليونان و3500 آخرين في بلغاريا و1600 في قبرص و18 ألفاً في بلدان الكاريبي التي لم تعلق حركة الطيران مع روسيا. لكن تنفيذ الرحلات الجوية المباشرة إليها أصبح أمراً بالغ الصعوبة بسبب إغلاق المجال الجوي للاتحاد الأوروبي أمام شركات الطيران الروسية.   
ويذكر ما حدث بوضع أكثر من 100 ألف سائح روسي كانوا موجودين خارج البلاد مع بدء تفشي فيروس كورونا الجديد في مارس/ آذار 2020 بسبب فرض قيود مواجهة الجائحة، في وقت تمكنت غالبية دول العالم آنذاك من تنظيم رحلات الإجلاء لإعادة مواطنيها إلى أرض بلدهم. إلا أن الوضع اليوم يبدو مختلفاً في ظل إبداء الدول الغربية حزماً غير مسبوق في معاقبة روسيا وقطع كافة أنواع التعاون معها، مما لا يترك للمسافرين العالقين خياراً سوى البحث عن سبيل العودة بمعرفتهم أو الاستنجاد بالبعثات الدبلوماسية الروسية أو بالشركات السياحية في حالة السياح المنظمين من عملائها. وما يزيد من متاعب السياح الروس العالقين هذه المرة، هو توقف بطاقات بعضهم المصرفية عن العمل خارج روسيا بعد فرض الدول الغربية عقوبات على عدد من المصارف الروسية الكبرى.   
مع ذلك، أكدت وكالة السياحة "روس توريزم" على استمرار العمل على إعادة السياح الروس العالقين من أوروبا، معلنة عن تنظيم رحلتين خاصتين من العاصمة البلغارية صوفيا وجزر ماديرا التابعة للبرتغال في المحيط الأطلنطي يومي 4 و7 مارس/ آذار. وأشارت إلى أنه يجري النظر في ترتيب رحلات إنسانية خاصة مع الدول التي أغلقت أجواءها بوجه روسيا، بما فيها بلغاريا والمجر وفرنسا وقبرص وغيرها، معربة عن أسفها لاستغراق ترتيبها وقتاً طويلاً لأسباب خارجة عن سيطرتها.  

تمكنت من العودة إلى بلدها (مايكل ميتزيل/ Getty)
تمكنت من العودة إلى بلدها (مايكل ميتزيل/ Getty)

وفي هذا الإطار، يلفت كبير الخبراء القانونيين في موقع "السائح على حق" ميخائيل جيتنوخين، إلى أن السياح المنظمين وحدهم يمكنهم انتظار العون من الشركات السياحية، بينما يتعين على السياح المستقلين البحث عن مخرج من وضعهم بمعرفتهم. ويقول جيتنوخين في حديث لـ "العربي الجديد": "لدينا فئتان من السياح، وهما السياح المنظمون المسافرون بواسطة الشركات السياحية والمستقلون. تتحمل الشركات السياحية المسؤولية عن السياح المنظمين، وهذه مسؤوليتها أن تعيدهم إلى الوطن. وفي ما يخص السياح المستقلين، فهم يتحملون بأنفسهم المسؤولية عن عودتهم".  
وحول حدود مسؤولية شركات الطيران عن عدم تنفيذ رحلاتها، يضيف: "يصنف وقف حركة الطيران وإغلاق المجال الجوي ضمن الظروف القهرية التي لا يتحمل أي من الأطراف، بما فيها شركة الطيران، المسؤولية عنها. لذلك، يتحمل السياح المستقلون المسؤولية الكاملة عن ترتيب عودتهم بمعرفتهم".   
ويعطي أمثلة على الطرقات المتاحة لعودة الروس، قائلاً: "أغلب السياح في الدومينيكان منظمون، فتتولى الشركات السياحية إعادتهم. وفي حالتي اليونان وقبرص، يمكن السفر عبر تركيا وأرمينيا وأذربيجان أو إلى أحد بلدان البلطيق الثلاثة، لاتفيا وليتوانيا وإستونيا، ثم إلى روسيا براً".  

وفي انتظار الانفراجة في تنظيم الرحلات الإنسانية إلى روسيا، قرر بعض السياح حل مشاكلهم بأنفسهم دون انتظار مساعدة الدولة والعودة إلى بلدهم عبر محطات ترانزيت نائية وغير اعتيادية على المسارات بين روسيا وأوروبا. ونقلت صحيفة "كوميرسانت" الروسية عن مسافرة تدعى آنا قررت العودة من العاصمة المجرية بودابست إلى روسيا عبر الإمارات، قولها: "نسعى للانتقال من فندق إلى آخر. بطاقاتنا المصرفية معطلة ويقبلون منا الدفع نقدا فقط. ذهبنا إلى مطار بودابست (رومانيا)، وتسنى لنا حجز التذاكر، فأصبح لدينا أمل في السفر إلى دبي ثم إلى موسكو".  
في المقابل، سعى آخرون للجوء من دون جدوى إلى القنصليات الروسية في الخارج. وحكت امرأة تدعى يانا تجربتها في الاستنجاد بالقنصلية الروسية في مولدافيا بالقول: "لا يسمحون لنا بالدخول. بدأنا نسأل ماذا نفعل، ونحن من دون أموال وليس لنا مكان نبقى فيه. حاولت أن أعرف ما إذا كانوا سيقدمون أي تعويض مالي، وقالوا إنهم لم يتلقوا أي تعليمات". 
أما غيورغي، فيروي تجربته في العودة من أثينا (اليونان)، قائلاً: "عند وصولنا إلى المطار، توجهنا إلى مكتب شركتنا، فاستبدلوا تذكرتنا بأخرى إلى سانت بطرسبرغ عبر إسطنبول، وكانت هناك أيضا تذاكر إلى موسكو مع محطة الترانزيت ذاتها. سنضطر لاستئجار سكن لأننا من مدينة أخرى، ولكن هذه أقل مشكلاتنا في الوقت الحالي".  

إجلاء المواطنين الروس من كازاخستان (غليب إيريزوف/ Getty)
إجلاء المواطنين الروس من كازاخستان (غليب إيريزوف/ Getty)

ويمكن حجز رحلة من أي عاصمة أوروبية تقريباً إلى روسيا مع محطة ترانزيت في إسطنبول أو العاصمة الصربية بلغراد بأسعار تبدأ من 250 دولارا للتذكرة ذهاباً فقط.  
ولا يواجه السياح الروس في الخارج صعوبات متعلقة بوقف حركة الطيران فحسب، وإنما أيضاً غضباً من السياح الأوكرانيين العالقين بالمنتجعات ذاتها بسبب إغلاق المجال الجوي الأوكراني أمام الطيران، وبصفة خاصة بمنتجعات البحر الأحمر في مصر التي تعد وجهة رائدة لحركتي السياحة الروسية والأوكرانية في الموسم الشتوي.  
وتداولت وكالة الأنباء الأوكرانية "يونيان" على قناتها على "تيليغرام" مقطع فيديو لعاملة في أحد الفنادق المصرية تتحدث باللغة الأوكرانية وتدعو الأوكرانيين إلى الامتناع عن ضرب الروس، قائلة: "من فضلكم، توقفوا عن ضرب الروس. ستطردكم الفنادق إلى الشارع أو ستسجنكم بسبب قيامكم بمثل هذه الأعمال. فقد تعبت من الاتصالات".  

وتشير البيانات الرسمية المصرية إلى أن الأوكرانيين والروس يتصدرون حركة السياحة الوافدة إلى البلاد، وسط مخاوف قطاع السياحة المصري من أن يؤدي اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا إلى انخفاض نسب إشغال الفنادق بالبحر الأحمر بما بين 20 و25 في المائة.  
واللافت أن السياحة الأوكرانية استحوذت على حصة هامة من السوق السياحية بمنتجعي الغردقة وشرم الشيخ خلال فترة غياب السياح الروس على خلفية وقف حركة الطيران المباشر من المدن الروسية إلى المنتجعات المصرية بسبب واقعة تفجير طائرة "إيرباص-321" فوق سيناء نهاية عام 2015، ولم يتم استئنافها على نحو كامل إلا في العام الماضي.  

المساهمون