مثّل قطاع سيارات الأجرة في روسيا فرصة لمن توقفت أعمالهم بسبب كورونا، والإجراءات الوقائية، فازداد عدد السائقين على مستوى البلاد، بالترافق مع مخاوف الركاب من التقاط العدوى في الحافلات
على عكس غيرها من مجالات القطاع الخدمي، في روسيا، لم تتضرر خدمات سيارات الأجرة من جائحة كورونا، بل شهدت تطوراً ملحوظاً خلال عام، في ظلّ سعي أعداد كبيرة من الروس لتجنب وسائل النقل العام الكبيرة تفادياً للإصابة بكورونا، وزيادة إنفاقهم على التنقل بسياراتهم الخاصة أو سيارات الأجرة الصغيرة. ولعلّ هذا الوضع هو الذي دفع بالعديد من الروس للبحث عن العمل في قيادة سيارات الأجرة، كبديل عن العمل في القطاعات الأخرى المتضررة من الجائحة. وبحسب بيانات حديثة صادرة عن موقع "أفيتو" للإعلانات، فإنّ اهتمام مستخدميه بإعلان تأجير السيارات للعمل بها كسيارات أجرة ازداد بنسبة 51 في المائة خلال عام بحلول منتصف فبراير/ شباط الماضي. ومنذ بداية العام الجاري، واصل الطلب على استئجار السيارات ارتفاعاً بلغت نسبته 11 في المائة على مستوى عموم البلاد وأكثر من الثلث في موسكو وحدها.
أرجع الموقع هذه الزيادة الكبيرة إلى ارتفاع أسعار خدمات النقل وتوصيل الطلبات، مما يتيح تغطية نفقات استئجار السيارة والبالغة في المتوسط على مستوى عموم البلاد 1200 روبل (نحو 16 دولاراً أميركياً) يومياً، وتحقيق هامش ربح جيد في ظل استمرار رفع القيود المتعلقة بمكافحة كورونا وعودة الموظفين إلى المكاتب واستئناف عمل المطاعم والحانات في الساعات الليلية، بالإضافة إلى تساقط ثلوج غزيرة في الشتاء الماضي، مما أدى إلى ارتفاع تعرفات النقل بشكل مؤقت.
وفي هذا الإطار، يرجع رئيس نقابة سائقي سيارات الأجرة في موسكو، نيقولاي كودولوف، تزايد الإقبال على استئجار السيارات للعمل سائقي أجرة إلى زيادة مداخيل السائقين وسهولة إجراءات الالتحاق بمثل هذا العمل. يقول كودولوف في حديث إلى "العربي الجديد": "في الفترة الأخيرة، ازداد دخل السائقين، لا سيما في فترة تساقط الثلوج الغزيرة، إذ ارتفعت تكلفة الوصول من المنزل إلى أقرب محطة مترو من نحو 150 روبلاً (نحو دولارين) إلى ما بين 700 و800 روبل (10 دولارات تقريباً). لكنّني أتوقع استقراراً للأسعار خلال الفترة المقبلة في ظلّ تزايد عدد السائقين مع بقاء عدد الركاب كما هو".
مع ذلك، يؤكد أنّ سائقي سيارات الأجرة لم يسلموا، شأنهم في ذلك شأن العاملين الآخرين بالقطاع الخدمي، من التداعيات السلبية للجائحة وموجتها الثانية، مضيفاً: "أثرت الجائحة وتشديد إجراءات مواجهتها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في نظام عمل السائقين، إذ أصبحت المطاعم والحانات تغلق أبوابها عند الساعة الحادية عشرة مساء". ويلفت إلى أنّ إغلاق الحدود بسبب جائحة كورونا وعدم حضور العمالة من آسيا الوسطى لم يؤديا إلى ارتفاع أجور سائقي الأجرة في ظل مجيء العمالة الداخلية من المدن الصغيرة إلى موسكو، مقدّراً الأجر الصافي اليومي الذي يجنيه السائق في العاصمة بما بين ألفين و5 آلاف روبل (بين 30 و70 دولاراً) بعد خصم جميع النفقات مثل أسعار الوقود وعمولة تطبيقات استدعاء السيارات وقيمة استئجار السيارة إن لم تكن مملوكة له.
وإلى جانب مجيء العمالة من المدن الصغيرة، يتحول أصحاب مهن أخرى للعمل كسائقين، إذ يؤكد سائق سيارة أجرة في موسكو، وقد فضل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، أنّه كان يعمل في مجال تنظيم الحفلات، لكنّ تعليق الفعاليات كافة اضطره للبحث عن مصدر رزق بديل. ويعرب سائق آخر عن أسفه للاضطرار لقبول الطلبات من الفئة الاقتصادية في الربيع الماضي على الرغم من عمله على سيارة "كيا أوبتيما" المندرجة ضمن فئات الخدمات المميزة وارتفاع تكاليف صيانتها.
وفي الوقت الذي تحصل فيه تطبيقات استدعاء السيارات الروسية مثل "ياندكس تاكسي" على عمولات تصل إلى نحو ربع سعر الرحلة، وهو أمر يشكو منه السائقون، يعتبر كودولوف أنّه يصعب تقدير مدى أحقيتها في ذلك في ظلّ عدم كشفها عن النفقات التي تتكبدها لتقديم خدماتها الرقمية المتقدمة تكنولوجياً وتوفير الزبائن للسائقين. وأظهرت دراسة سابقة أجراها مصرف "روس سلخوز بنك" ونشرت نتائجها في يناير/ كانون الثاني الماضي أنّ الطلب على استدعاء سيارات الأجرة ارتفع العام الماضي بنسبة 52 في المائة مقارنة بعام 2019 مع ارتفاع حصة الإنفاق على سيارات الأجرة بين جميع وسائل النقل من 6.4 في المائة إلى 7.5 في المائة.
في المقابل، تراجع الطلب على استخدام تطبيقات السيارات بالمشاركة بنسبة 32 في المائة من جهة عدد التعاملات أو 7 في المائة من جهة إجمالي الإنفاق على ذلك، لتتراجع حصتها بين وسائل النقل على مستوى عموم البلاد من 0.2 إلى 0.1 في المائة. وأرجع "روس سلخوز بنك" هذا التراجع إلى إجراءات مكافحة كورونا التي شملت حظراً على استخدام خدمة السيارات بالمشاركة في موسكو، خلال أشهر الربيع من العام الماضي، واقتصار استخدام هذه الخدمة على غيرها من المدن الكبرى.