مثل فتيات كثيرات رافقن دمية "باربي" كانت اللبنانية روان حجازي (27 عاماً) في طفولتها. كانت تمضي يومها مع هذه الدمية، وتُصمّم لها الثياب. وأحياناً، تُعيد إنتاج أثوابها، فتقصّها لتجعل منها تنانير قصيرة تليق بها. ولحسن حظها، كان البيت مليئاً بالأقمشة التي عادة ما تستخدمها والدتها في أشغالها اليدوية والأرتيزانا (حرف تقليدية منقوشة)، فيما تأخذ روان ما تحتاجه من أجل الدمية. وكما يقول المثل الشعبي "طبّ الجرّة على تمها تطلع البنت لأمها" (يستخدم للدلالة على الفتاة التي تشبه والدتها بالأفعال والصفات)، ورثت روان عن والدتها حبّ الأشغال اليدوية، لكن على طريقتها، فقد دمجت ما بين حبها للفنون والأزياء، وبين حرصها على البيئة.
اختارت الـ "Upcycling". المصطلح بيئي، ويعني إعادة استخدام للأفضل. ولأنها معنية بالتخفيف من نفايات المنسوجات بشكل كبير، بدأت العمل على إعادة إنتاج الثياب التي كثيراً ما يرميها الناس، بشكل جديد. عالمياً، هُناك نحو 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنوياً، أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يرتفع الرقم إلى أكثر من 134 مليون طن سنوياً.
أطلقت روان مشروعها في ديسمبر/ كانون الأول عام 2020، من دون أن تخطط للأمر، أو حتى تتوقعه. فأحياناً، تقول الظروف كلمتها. والمشروع هو إعادة استخدام الثياب القديمة. فبدلاً من رمي الثياب القديمة، تعيد روان إنتاجها بأشكال مختلفة، وكأن الزبون يشتري ثياباً جديدة من تلك القديمة.
في الجامعة، لم تدرس روان تصميم الأزياء. أصلاً، لم تفكّر في دراسته يوماً. ولأنها تحب الرسم، اختارت دراسة التصميم الغرافيكي. بالتوازي، قررت الالتحاق بدورات تصميم الأزياء. فقبل إطلاق مشروعها، كانت تهوى إعادة استخدام ثيابها القديمة، وأرادت أن تتقن العمل.
لم تصل روان إلى ما وصلت إليه فجأة. والوصول هُنا يعني تجاوز شغفها بالأزياء والحد من نفايات المنسوجات من حدود بيتها إلى الخارج. لنعد قليلاً إلى الوراء. في مرحلة المراهقة، وبعدما وضعت روان دمية باربي في الأدراج، راحت تصنع ثياباً لنفسها. هل ما زلتِ تحتفظين بها؟ تضحك: "لم أكن أرتديها إذ لم أعرف الخياطة في ذلك الوقت. فقط أجلب قطعة قماش وأقص منها ما أريد وألفها بشكل دائري فتصير تنورة. وبالكاد أصل الأطراف بعضها بالبعض الآخر".
لا تحتفظ بالتجارب الأولى هذه، فقد رمت والدتها كل شيء، وحتى الدمية التي ارتدت من تصاميمها. سوي الأمر بين الأم وابنتها، في وقت كانت روان تزداد تعلّقاً بهذا العالم. كانت وما زالت تحب التسوّق إلى درجة كبيرة، وتبديل الثياب، وإجراء تعديلات عليها.
بعدما أنهت دورات تصميم الأزياء والخياطة من خلال الماكينة، بدأت تُعيد استخدام ثيابها القديمة التي تحب. تقول: "في هذه الفترة، شجعني أصدقائي، الذين كانوا يحبون ما أصنعه، بأن أحوّل ما أفعله إلى مشروع. إلا أنني لم أجد نفسي مهتمة بذلك، فما أفعله لنفسي أفعله بدافع الحب، والمساهمة في الحد من نفايات المنسوجات".
في الوقت نفسه، كانت الأوضاع الاقتصادية في البلاد تزداد سوءاً مع ارتفاع سعر الدولار، ولم يعد كثيرون قادرين على تجديد ثيابهم، بعدما ارتفعت أسعارها إلى درجة كبيرة، وحتى في المحال التي تعد أسعارها مقبولة. وفي ديسمبر/ كانون الأول عام 2020، أطلقت مشروعها upcycling_lb على إنستغرام وفيسبوك، وبدأ الناس يجلبون لها ثياباً قديمة لا يرتدونها لتصنع منها شيئاً جديداً. تقول إن زبائنها من مختلف الفئات العمرية، ومن الجنسين، ودائماً يعربون عن صدمتهم بـ"التحوّل" الذي يحدث. تقول: "إحدى السيدات جلبت لي ثلاثة بناطيل جينز قديمة لزوجها علّني أصنع منها شيئاً ما. ولحسن الحظ، كان مقاسها كبيراً، فتمكنت من تحويلها إلى سترة".
بات لدى روان زبائن كثر. تقول إنها تسعى إلى الاستعانة بخياطين في مدينتها صيدا (جنوب لبنان)، حيث تقطن، بسبب عدم قدرتها على تلبية كل الطلبات من جهة، ولإفادتهم مادياً من جهة أخرى في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. بالإضافة إلى شغفها هذا، تعمل في التصميم الغرافيكي، وهي مسؤولة وسائل التواصل الاجتماعي في إحدى الجمعيات.
طموحها ليس تجارياً بقدر ما هو زيادة الوعي البيئي لدى الناس، مشيرة إلى أن ما تتقاضاه من عملها يعد رمزياً. وهذا ما تحرص على التركيز عليه على إنستغرام بشكل خاص.
تُخبر الناس أن نفايات المنسوجات زادت بنسبة 811 في المائة منذ عام 1960. كما تعرض فوائد إعادة استخدام الملابس القديمة، ومنها استهلاك أقل للطاقة، والحد من هدر المنسوجات، والحد من التلوث، والإبداع، ودعم المجتمع المحلي، وتشجيع الاستدامة وغيرها. تختم: "يُفرحني كثيراً أنني أسمع تعليقات إيجابية طوال الوقت من الناس. وفي الكثير من الأحيان، لا يصدقون أنني فعلت ذلك حقاً".