أزمات وكالة "أونروا" المالية تنعكس على ملايين اللاجئين الفلسطينيين في مناطقها الخمس. فما الحلول المقترحة لتمويل عملياتها، لا سيما العاجلة؟ وهل يؤدي انتخاب بايدن إلى إعادة المنحة الأميركية التي أوقفها ترامب؟
مرة أخرى يوضع مستقبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) على طاولة التصفية في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، بما يخدم المشروع الصهيوني الرامي لإلغاء الوكالة، فقضية عدم دفع الرواتب وتأخيرها ستعطل عملياتها، وتؤدي إلى اندلاع أزمة إنسانية داخل مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة. ومن الواضح أن الأزمة المالية التي تمرّ بها هي نتيجة ألاعيب سياسية، إذ إنّ المحاور الإقليمية، والقوى الكبرى، تسعى لتوظيف ورقة القضية الفلسطينية في لعبة النفوذ والمصالح.
الأزمة المالية ليست وليدة اللحظة، فقد عانت "أونروا" من أزمة تمويل مزمنة، فُرضت عليها خلال السنوات الماضية في ظلّ إعداد موازنات تقشفية كان لها بالغ الأثر على مستوى الخدمات المقدمة للاجئين، وهي اليوم أمام خطر حقيقي قد يتطور ليتحول إلى وجودي، إذ هناك بين الفينة والأخرى حملات غير مسبوقة ضد الوكالة لنزع الشرعية عن قضية اللاجئين.
بدوره، يقول الناطق الرسمي باسم المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" سامي مشعشع، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا أعتقد أنّ الأزمة المالية الحالية للوكالة تهدد وجودها، بالرغم من أنّها الأصعب، فقد مرت الوكالة بأزمات سابقة، خصوصاً عندما قررت الإدارة الأميركية عام 2017 وقف مساعداتها كافة للوكالة، ومنذ ذلك الحين، والأزمة المالية تتصاعد، وهذا العام زادت احتياجات اللاجئين الفلسطينيين مع تداعيات جائحة فيروس كورونا، ومطالبة الوكالة بالاستجابة لها. وهو ما ضاعف الأزمة المالية، والتي تقدّر بأكثر من 100 مليون دولار أميركي حتى نهاية العام، جزء كبير منها رواتب لـ28 ألف موظف.
ويوضح: "قبل أيام، تمكنا من تحصيل الرواتب لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني للعاملين بشق الأنفس. بعد اقتراض 20 مليون دولار من صندوق الطوارئ التابع للأمم المتحدة، وما زال هناك تحدٍّ كبير لتوفير الرواتب للشهر المقبل". ويضيف: "نأمل أن يكون العام المقبل عاماً أفضل، فنحن ننسق بشكل كامل وكبير مع الحكومة الأردنية والسويد، وهما راعيتا الحوار الإستراتيجي لأونروا، وسنحضر لمؤتمر دولي كبير بدأنا العمل عليه لتأكيد الدعم السياسي الذي تحصل عليه أونروا، وهو دعم من أكثر من 166 دولة، ونريد أن يترجم إلى دعم مالي متعدد السنوات، للدخول في آليات تمويل مستدامة تساعد في استرجاع العافية للخدمات من حيث الكمّ والكيف. كذلك، نحن قلقون جداً من تداعيات كورونا على المخيمات في لبنان، وسورية والأردن والأراضي المحتلة (الضفة الغربية والقدس الشرقية، وقطاع غزة)". يتابع: "خدماتنا في مواجهة الفيروس مرتبطة بالأموال التي حصلنا عليها، ونفتخر جداً بالطواقم التي تعمل في الصفوف الأمامية؛ التعليم والصحة والخدمات البيئية، وغيرها". يلفت أيضاً إلى توفير المساعدات المالية للأشخاص الذين باتوا تحت خط الفقر ما استطاعت الوكالة لذلك سبيلاً، وهم مئات الآلاف، مشيراً إلى الاستمرار بتوزيع المواد الغذائية لمليون إنسان في غزة، ومساعدات أساسية لحياة اللاجئين في سورية.
أما في خصوص مستقبل وكالة "أونروا" مع مجيء الإدارة الأميركية الجديدة، فيقول مشعشع إنّ هناك تصريحات واضحة من الحزب الديمقراطي والبرنامج الانتخابي له، أنّه سينظر في إعادة تمويل الوكالة، وهذا قد يمكّنها من استعادة العافية على صعيد الخدمات التي تقدمها. ويوضح: "لا نعلم، هل ستكون المساعدات المالية التي ستبدأ مجدداً بالحجم السابق 360 مليون دولار، أو ستختلف، لكنّ هذه الإدارة تنظر بنوع من الإيجابية لخدمات الوكالة كعنصر استقرار في المنطقة وعنصر تنمية بشرية، وهذا الاستقرار يمكّن اللاجئ من الالتفات إلى قضايا أساسية أهم من المساعدات المالية وخدمات الوكالة".
المفوض العام لوكالة "أونروا" فيليب لازاريني، حذر في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعضاء اللجنة الاستشارية، من المخاطر المرتبطة بعدم قدرة "أونروا" على دفع رواتب أكثر من 28 ألف موظف وموظفة، إذا لم يصل تمويل كافٍ للوكالة على الفور، موضحاً أنّ "أونروا" عملت على تأمين قرض بقيمة 20 مليون دولار أميركي، من الصندوق المركزي للإغاثة الطارئة، وهو ما من شأنه أن يساعد في التدفق النقدي وتغطية جزء من رواتب شهر نوفمبر، لكنّه سيرتب التزامات مالية إضافية على الوكالة في عام 2021. وأشار إلى أنّ الفجوة التمويلية الفورية تبلغ 114 مليون دولار، مضيفاً: "هذه هي المرة الأولى في الذاكرة التي تصل فيها أونروا إلى حافة الهاوية بعدم توفر أموال لديها أو تعهدات مؤكدة لتغطية راتب شهرين".
الوكالة لم تتعافَ أبداً من قطع التمويل الذي فرضه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في عام 2018، علماً أنّ الدعم السنوي الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة للوكالة يبلغ 365 مليون دولار، ويمثل نحو ثلث ميزانيتها السنوية البالغة 1.24 مليار دولار.
من جهته، يقول المحلل الصحافي المتخصص بالشأن الفلسطيني، داود كتاب، لـ"العربي الجديد" إنّ "أونروا" مؤسسة عريقة، وما يحدث لها حالياً قد يستمر عدة أشهر، لكنّها أزمة عابرة. يضيف أنّ فوز الرئيس الأميركي جو بايدن، سينهي جزءاً كبيراً من الأزمة، خصوصاً المرتبطة بالجانب المالي، وهذا ما أكدته نائبة الرئيس المنتخب كامالا هاريس، وحديثها بأنّ "الإدارة الجديدة ستسعى إلى إعادة الأموال للمؤسسات الإغاثية الدولية وهي تشير إلى الأونروا، وهو أمر مطمئن". يتابع أنّ قضية اللاجئين من مواضيع الحلّ النهائي في معطيات القضية الفلسطينية، فالأردن معنيّ بحلّ عادل للقضية الفلسطينية، ويحظى ذلك بأهمية خاصة في ظل التطورات الإقليمية والدولية، وهكذا فإنّ هناك اهتماماً أردنياً على مستويات عدة، ومن منطلقات عدة، بالحفاظ على وكالة "أونروا" ودورها في خدمة اللاجئين الفلسطينيين، وعدم السماح بتأزيم وضع اللاجئين في الأردن.
ويحاول الأردن اليوم الحفاظ على الوكالة ودورها، لخصوصية ترتبط بدوره السياسي واستضافته أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، ولا رقم محدداً معلناً عنه لأعداد الفلسطينيين في الأردن، لكن وفق الارقام الرسمية يعيش في الأردن نحو 40 في المائة من مجموع اللاجئين الفلسطينيين، وهناك عشرة مخيمات معترف بها من قبل "أونروا" هي: مخيم جرش، ومخيم عمّان الجديد (الوحدات)، ومخيم ماركا، ومخيم البقعة، ومخيم سوف، ومخيم الحصن، ومخيم الطالبية، ومخيم إربد، ومخيم الزرقاء، ومخيم جبل الحسين. وتؤوي هذه المخيمات نحو 17 في المائة من مجموع 2.2 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لدى "أونروا" في الأردن، بحسب بيانات الوكالة.
ولا تغيب "أونروا" عن الأجندة السياسية الأردنية، ففي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أكد العاهل الأردني عبد الله الثاني في لقاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مدينة العقبة، على ضرورة توفير جميع سبل الدعم لاستدامة عمل "أونروا" لتمكينها من المضيّ في تقديم خدماتها الحيوية التعليمية والصحية والإغاثية للاجئين، وفق تكليفها الأممي. وحذر ملك الأردن في رسالة إلى رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، شيخ نيانغ، بمناسبة يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من عدم حصول الوكالة على الدعم الذي تحتاجه، خصوصاً في قطاعي الصحة والتعليم، في ظلّ جائحة كورونا، معولاً على دور اللجنة للتكاتف مع الأردن والمجتمع الدولي، لتسليط الضوء على هذه القضية الإنسانية، ودعم الجهود الدولية للوكالة، ومنها مؤتمر المانحين المقرر عقده في بداية العام المقبل، برعاية المملكة الأردنية ومملكة السويد.
يقول أحمد عيادة، من مخيم البقعة في الأردن لـ"العربي الجديد"، إنّه منذ بدء جائحة كورونا، حُرم كثير من أبناء اللاجئين من تلقي تعليمهم أسوة بأقرانهم في المدارس الحكومية والخاصة بالشكل المطلوب، فالأوضاع الاقتصادية الصعبة، وضيق العيش الذي يعانيه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين حرم أبناءهم من الحصول على الأجهزة الإلكترونية للتعلم عن بعد. يضيف أنّ هناك ضعفاً وتراجعاً في أداء أعمال النظافة، وكذلك الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، في ظل الإغلاق المبكر للعيادات، وقيام الطبيب الواحد بالكشف على عشرات المرضى يومياً.
أما سليم محمود، فيرى أنّ الأزمة المالية للوكالة تنعكس سلباً بشكل مباشر على الخدمات المقدمة للاجئين، في الكمّ والنوع، مشيراً إلى أنّ هناك محاولات لوقف العمل الإنساني المقدم من قبل الوكالة للأشخاص ذوي الإعاقة في المخيم، والأطفال في المدارس، والمرضى، في ظلّ أوضاع وبائية مخيفة بسبب جائحة كورونا.
العام الماضي 2019، قدمت "أونروا" في الأردن خدمات تعليمية لأكثر من 118 ألف تلميذ يدرسون في 169 مدرسة تابعة لها، موزعة في جميع أنحاء المملكة. وقدمت 47 دورة لأكثر من 3081 طالباً يدرسون في مراكز التدريب المهني التابعة لها. كذلك، قدمت الخدمات الصحية لأكثر من 1.2 مليون شخص في 25 عيادة صحية وأربع وحدات طب أسنان متنقلة. ودعمت نحو 59 ألف لاجئ بمساعدة نقدية من خلال شبكة الأمان الاجتماعي. ويستفيد من هذه الخدمات، بحسب محمد آدار، مدير عمليات "أونروا" في الأردن، 2.3 مليون لاجئ فلسطيني مسجل في المملكة حتى عام 2020، ونحو 17 ألفاً من اللاجئين الفلسطينيين الفارين من سورية.
ويقول خالد جوهر، وهو أحد الناشطين في الدفاع عن حقوق اللاجئين في الأردن لـ"العربي الجديد" إنّ الوكالة، منذ نشأتها عام 1949، تعاني من عجز مالي دائم، إذ لا ميزانية ثابتة لها كبقية منظمات الأمم المتحدة، إنّما تعتمد على التبرعات والهبات، والتي تتأرجح من حين لآخر نتيجة الضغوط التي تمارس عليها من أعداء الشعب الفلسطيني لمنع تمويلها.
يضيف: "دأبت وكالة الغوث في التلويح بوجود عجز مالي يعيق مقدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين، والذي يكون مقدمة لإلغاء المراكز الوظيفية، وتقليص الخدمات المقدمة لمجتمع اللاجئين، كما حدث منذ عام 2015 بتقليص التشعيب في الصفوف الدراسية إلى أن وصل الآن إلى 50 تلميذاً في الفصل الواحد، وكذلك وقف التعيينات، واستبدالها بتعيين موظفي المياومة، لكنّنا لا نرى هذه الإجراءات بحق الموظفين الدوليين الذي يتقاضون رواتب هي أضعاف مضاعفة مقارنة برواتب الموظفين المحليين". ويعتبر أنّ الضجة الأخيرة حول الرواتب، تدلّ على سوء التخطيط الإداري، والتخبط في إدارة الأزمة، مما خلق بيئة عمل عدائية، وأزمات مالية ونفسية للعاملين، فميزانية الرواتب ترصد كلّ ستة شهور مرة (على دفعتين سنوياً) وفق مطلعين، لذلك كان الأجدر بالإدارة متابعة الأمر منذ رصد ميزانية الرواتب في منتصف العام الحالي، وليس إثارتها في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ما يضع علامات استفهام كثيرة حولها، كما الأجدر بها عدم المساس برواتب العاملين كونها حقاً مكتسباً وليست منة، ولا يجوز التفاوض عليها، فهي مكفولة بأنظمة عمل الموظفين، وكذلك الأعراف والمواثيق الدولية.
يتابع أنّ الترهل الإداري الذي تعاني منه وكالة الغوث الدولية نتيجة الواسطة والمحسوبية في التعيينات والترقيات والتنقلات، يؤدي إلى سوء التخطيط والتخبط في القرارات الإدارية، وعدم المقدرة على مواجهة الأزمات الطارئة، فمثلاً بالرغم من أنّ الوكالة تضم جيشاً من الخبراء والفنيين، فإنّها حتى الآن لم تتمكن من إنشاء منصة تعليمية لتلاميذها أسوة بالمدارس الحكومية والخاصة. ويشير إلى أنّ تقليص خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية، يزيد المعاناة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة في ظلّ غلاء المعيشة والبطالة، وكذلك يخلق بيئة عمل عدائية بين العاملين وإدارتهم نتيجة الأعباء الوظيفية عليهم بسبب وقف التعيينات، وعدم قدرة عمال صحة البيئة على السيطرة على نظافة المخيمات نتيجة الزيادة المطردة في أعداد سكانها ونقص الكوادر البشرية، ففي مخيم البقعة مثلاً نحو 120 ألف نسمة، خصص له 85 عامل صحة وبيئة، يتواجد منهم يومياً قرابة 50 عاملاً نتيجة حصول بعضهم على إجازات مرضية وسنوية، مما يتسبب في إشكالات مع الأهالي، نتيجة عدم قدرتهم على تغطية كلّ الشوارع والحارات في المخيمات.