يعمل الفلاح التونسي عبد الرحمن (55 سنة) خلال الفترة من منتصف شهر سبتمبر/ أيلول، إلى نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني تقريباً، في جمع ثمار الرّمان بمنطقة تستور (شمال غرب)، والتي تبعد نحو 75 كلم عن العاصمة تونس.
يعدّ موسم جني الرمان من بين المواسم الفلاحية التي تُوفر شغلاً موسمياً لآلاف العمال في الجهة التي تتميز بوفرة إنتاجها من تلك الثمار بعد محافظة قابس بالجنوب التونسي.
وفي شهر سبتمبر من كل عام، تتزين الطرقات الرئيسية المؤدية إلى الجهة بثمار الرمان التي يعرضها الباعة على مدار أربعة أشهر تقريباً، إذ تنتج منطقة تستور نحو 13 ألف طن سنوياً من إجمالي 70 ألف طن هي حصيلة الإنتاج التونسي.
وتُعتبر تونس من بين الدول العشر الأولى في إنتاج الرمان عالمياً، بحسب المهندس الزراعي عصام العامري، وهو صاحب مشروع لإنتاج الرمان في تستور، منذ العام 1988.
يقول العامري لـ"العربي الجديد"، إنّ "الزراعة بدأت بطرق بدائية تقليدية، وتغيرت اليوم إلى الأساليب الحديثة، والجهة تتميز بالزراعات المروية على غرار زراعة الرمان المتوارثة منذ سنوات، وارتفاع درجة الحرارة في الصيف يساعد على ذلك، إذ يتطلب الرمان تربة غنية، وكميات وافرة من الماء، وكلها أمور متوفرة في المنطقة، كما تتأقلم شجرة الرمان مع برودة الطقس شتاء، ودرجات الحرارة المرتفعة صيفاً". وأضاف أنّه "يمكن استغلال ثمار الشجرة، وأغصانها، وحتى قشرة الثمرة، في الاستعمالات الطبية، أو مواد التجميل، أو العطور. لذا فإنّ الرمان هو مورد رزق لنحو 90 في المائة من الفلاحين في منطقة تستور، وتحتفي به الجهة خلال هذه الفترة من السنة".
ويشير إلى أنّ "هناك عدّة أصناف مـن الرمّان تتجاوز العشرين صنفاً محليّاً، وأشهرها "القابسي" الذي يتوفّر بكثرة في الجنوب التونسي، و"الزهري" الذي يشتهر في مناطق الوسط والشمال الشرقي، و"الشلفي" و"الجبالي" وهما صنفان يتوفّران في مناطق الشمال الشرقي وفي تستور، و"القلعي" الذي يزرع في منطقة الساحل، و"التونسي" الذي يشتهر في منطقة تستور وجهة الجنوب الغربي".
ويستطرد: "على الرغم من وفرة الأصناف في جميع الجهات، إلا أنّه لا يوجد في تونس مصانع لتحويل الرمان، سواء إلى عصائر، أو إلى مربى، أو غيرها، وهذه مشكلة كبيرة مقارنة بوفرة الإنتاج الذي يوجه أساساً إلى الاستهلاك المحلي".
ويؤكد الفلاح عبد الرحمن أن "فلاحي الجهة يعتمدون على طرق تخزين تقليدية للمحافظة على أكبر كمية من المنتج حتى يتمكنون من بيعه على مدى أكثر من أربعة أشهر دون أن تفقد الثمار نكهتها وجودتها، وهي طرق أفضل من تقنيات التبريد الحديثة التي لا تحافظ على نكهة الثمار لمدّة طويلة".
ويشير إلى أنّ "عملية الجمع أيضاً تتطلب دراية كافية بشكل الثمار الطازجة، وكيفية قطفها، وتجميعها. إلى جانب معرفة كيفية العناية بالأشجار على مدار السنة، والتي تعتمد أساساً على السماد البيولوجي بعيداً عن استعمال المبيدات والأسمدة الكيميائية، خاصة أنّها تُغرس في أراض خصبة، ومناطق ذات مناخ معتدل تتوفر فيها المياه العذبة، أو ذات الملوحة القليلة التي لا تؤثر على الأشجار".
ويشير عصام العامري إلى أنه "يتم تصدير 10 في المائة فقط من إنتاج الرمان، نصفه تقريباً إلى ليبيا، والبقية إلى دول أوروبية منها فرنسا وهولندا وإيطاليا، وهناك مشاكل كبيرة في عملية التصدير، وفي كيفية التعريف بالمنتج التونسي، وإذا تم العمل على تحويل ثمار الرمان محلياً، فإنّ الأمر سيشجع الفلاحين أكثر على التوسع، لتصبح تونس من بين أكبر المصدرين". ويؤكد أنّ "إنتاج الرمان يواجه مشكلة أخرى تتمثل في شح المياه أحياناً، وذلك بسبب جفاف بعض السدود، لافتاً إلى أنه "كان يتم تزويد الفلاحين بالمياه يومياً، ومؤخراً بات أغلبنا يتم تزويده بالمياه يومين فقط أسبوعياً".
ويُقام في تستور سنوياً، مهرجان للرمان في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول، وتستقبل المنطقة آلاف الزوار من كافة المحافظات لاقتناء أجود أنواع الثمار، كما تعتبر المناسبة فرصة للقاء فلاحي الجهة مع مسؤولي القطاع الفلاحي.
ويُطالب الفلاحون سنوياً خلال الزيارات التي يجريها المسؤولون للمهرجان، بإحداث ديوان لتجميع الرمان، على غرار ديوان الحبوب، وديوان التمور، بهدف مساعدة الفلاحين على تخزين إنتاجهم الوفير، إضافة إلى إيجاد حلول لمشاكل الترويج التي يعاني منها القطاع، سواء الترويج المحلي، أو التصدير.