أعلنت رئاسة النيابة العامة في المغرب، الإثنين، عن ارتفاع طلبات رفض تزويج القاصرات، الظاهرة التي لم تفلح مدوّنة الأسرة منذ تعديلها في عام 2004 في محاصرتها على الرغم من رفعها سنّ الزواج إلى 18 عاماً، إذ تبين الأرقام منذ ذلك الوقت أنّ الأمر مستمر وأن لا نجاح تحقق في مواجهته.
وقال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة، مولاي الحسن الداكي، اليوم الإثنين بطنجة، إنّ الجهود مكنت من تسجيل ارتفاع ملحوظ في عدد ملتمسات النيابة العامة برفض تزويج القاصر إلى 69.94 في المائة، (20 ألفاً و 235 ملتمساً من أصل 32 ألفاً و 104 طلبات لتزويج القاصر)، بينما لم تتجاوز هذه النسبة 37.81 في المائة في 2018.
وقال الداكي، خلال لقاء دراسي عُقد اليوم بمدينة طنجة (شمال المغرب) لتتبع تفعيل اتفاقية الإطار حول الشراكة والتعاون الموقعة بين رئاسة النيابة العامة ووزارة التربية الوطنية حول الحد من الهدر المدرسي والوقاية من زواج القاصر، إن تلك الاتفاقية مكنت من استرجاع حوالي 20 ألف فتاة إلى فصول الدراسة خلال العام الأول.
وأوضح أن رئاسة النيابة العامة تواصل اهتمامها بالموضوع من خلال التوجيه الدائم لقضاة النيابة العامة لتفعيل أدوارهم المنصوص عليها في القانون، وعدم التردد في التماس رفض طلب تزويج القاصر، والحرص على احترام الشروط المقيدة لهذا الزواج حفاظاً على مصلحة القاصر الفضلى.
ولفت إلى أن تشعب الأسباب التي تشكل بيئة حاضنة لزواج القاصرات، وتغذي الثقافة الممانعة للحد منه، يطرح تحديات كبيرة لا سبيل لتجاوزها إلا باستنهاض الهمم، وتضافر مجهودات الجميع والعمل البناء من أجل تنفيذ أهداف ومبادرات مشتركة، معتبرا أن هذه الاتفاقية كانت في مقدمة المبادرات الرامية للحد من الظاهرة.
ويثير زواج القاصرات جدالاً واسعاً في المغرب، في ظل دعوات جمعيات حقوقية ونسائية إلى تعديل القانون حتى لا يتسنى الزواج لمن هي دون 18 عاماً، خصوصاً مع ما يترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية. وتمنح مدونة الأسرة في المادة 20 منها لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون السنّ الأهلية، وذاك بقرار معلّل يبيّن فيه المصلحة والأسباب المبرّرة لذلك، بعد الاستماع إلى والدَي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.
من جهتها، تنص المادة 21 على أنّ "زواج القاصر متوقّف على موافقة نائبه الشرعي، الذي يوقّع مع القاصر على طلب الإذن بالزواج ويحضر معه إبرام العقد، وفي حال امتناعه أو عدم موافقته على الزواج يبتّ القاضي في الموضوع".
وبحسب دراسة تشخيصية أعدتها رئاسة النيابة العامة وكشف عنها في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإن الزواج المبكر ليس شأنا قضائيا صرفا تنحصر أسبابه في التدبير العملي لمقتضيات المادتَين 20 و21 من مدوّنة الأسرة، بل هو شأن مجتمعي تتعدد أسبابه التي تتوزع بين ما هو اجتماعي واقتصادي وثقافي وديني.
وبينت الدراسة أن "الأوساط الاجتماعية التي تعاني من الهشاشة هي الأكثر إنتاجاً لزواج القاصر، فضلاً عن وطأة الأعراف والتقاليد والتأويل الخاطئ للدين، التي تُعَدّ من الأسباب الأساسية الدافعة لخيار الزواج المبكر"، في حين سجل "إقبال رجال التعليم وأئمة المساجد على الزواج من القاصرات والحال أن هؤلاء من المعول عليهم للمساهمة في التصدي لهذه الظاهرة".
كذلك كشفت الدراسة، أن 11.37 في المائة من حالات القبول بالزواج المبكر كان دافعها الأساس هو الفقر، وأن الزواج يصير أداة تمويل الأسرة سواء من خلال الهدايا العينية التي تتلقاها بعد الزواج بشكل مناسباتي بنسبة 54.73 في المائة أو المساعدات الدورية أو غير الدورية التي تحصل عليها بنسبة 38.69 في المائة.