يوفر كأس العالم مزيجاً نادراً من الاهتمام العالمي والمشهد الجذاب، الذي يقدم منظوراً فريداً لقضايا سياسية واجتماعية وبيئية تصنع الحدث الكبير وتاريخه الذي لا ينسى، إلى جانب متعة الأهداف والتحديات. وبين الأهداف المنشودة في مونديال قطر الحالي، بحسب ما يقول أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أن "يرى العالم أن إحدى الدول الصغيرة والمتوسطة قادرة على استضافة أحداث عالمية بنجاح استثنائي ومبهر، كما أنها قادرة على أن تقدم فضاء مريحاً للتنوع والتفاعل البناء بين الشعوب".
من اللافت أن حكايات المونديال الأول عام 1930 ارتبطت بمفارقات عكست الأحوال الاجتماعية السائدة حينها، وتمثلت في حيازة المشجعين، الذين حضروا النهائي بين أوروغواي والأرجنتين، أسلحة. وقد جرت مصادرة نحو 1600 قطعة سلاح حملها هؤلاء المشجعون، وذلك بأمر من الحكم البلجيكي جون لانغينوس، الذي تخوف من الحماس الزائد للجماهير خلال المباراة، وغالبيتهم من البلد المنظم، أوروغواي، الذي فاز منتخبه 4-2.
وكان لافتاً أيضاً أن صاحب الهدف الرابع لأوروغواي سجله هيكتور كاسترو، الذي كان قد فقد جزءاً من يده في حادث بمنشار كهربائي حين كان صغيراً.
وشهد مونديال إيطاليا عام 1934 أول ارتباط فعلي للحدث الكروي بالسياسة، وتحديداً بالنظام الفاشي بقيادة الزعيم بينيتو موسوليني، الذي أراد أن تشكل المناسبة فرصة للدعاية والتمجيد للفاشية، وهو ما حصل عبر تتويج منتخبه باللقب.
وعلى إيقاع الشحن السياسي الأعلى على باب الحرب العالمية الثانية، أراد الزعيم النازي أدولف هتلر ترويج الدعاية للنازية عبر إحراز المنتخب الألماني لقب مونديال فرنسا 1938، لكن المهمة فشلت رغم أن هذا المنتخب ضم لاعبين بارزين من المنتخب النمساوي، بعدما احتل النازيون بلدهم.
ومع استئناف منافسات المونديال عام 1950، خف الشحن السياسي الذي عززته استضافة البرازيل البطولة بعيداً عن القارة الأوروبية المنكوبة بالحرب، ثم عاد الاستحقاق إلى القارة العجوز عام 1954، واستضافته سويسرا التي كانت التزمت الحياد خلال الحرب العالمية الثانية. وكان الفائز حينها منتخب دولة ألمانيا الغربية التي تأسست بعد تقسيم ألمانيا إلى دولتين.
وعلى أرض الملعب، تحدث الألمان لسنوات عن "معجزة برن" التي تمثلت في الفوز على المنتخب المجري القوي جداً في النهائي، واللعب بأحذية "أديداس" المبتكرة، لكن دراسة جامعية، عام 2010، أفادت بأن "لاعبين ألماناً حقنوا بمادة ميتامفيتامين المنشطة التي كانت تعطى لجنود الجيش الألماني".
وكانت نسخة 1958 في السويد محطة ولادة إنجازات البرازيل على يد الأسطورة بيليه وزميله الخارق غارينشا الذي شكل ظاهرة جديدة للتفوق على العاهات الصحية، باعتباره كان وُلد بتشوّهات خلقية شملت اعوجاج الركبتين والعمود الفقري والحوض. وهو كان صاحب الفضل الأول في إنجاز احتفاظ البرازيل باللقب في مونديال تشيلي عام 1962، الذي غاب بيليه نفسه عن غالبية مبارياته.
وفي محطة أولى بارزة لعلاقة المونديالات بالكوارث الطبيعية، كاد أن يدمر زلزال بقوة 9.5 درجات على مقياس ريختر، وتسبب في مقتل 3 آلاف شخص وتشريد مليونين، أحلام تشيلي في الاستضافة، لكن رئيس اللجنة المنظمة كارلوس ديتبورن رد على تهديد الاتحاد الدولي (الفيفا) بسحب الاستضافة بالقول: "لم نعد نملك شيئاً، لذا نريد استضافة كأس العالم"، وهو ما حصل.
وفي مونديال إنكلترا عام 1966، ظهرت إلى الواجهة قضية العنصرية، إثر اعتراف "الفيفا" بنظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، والذي ردت عليه دول القارة بمقاطعة النهائيات.
وبعد مونديال بعيد نسبياً عن المفارقات غير الرياضية في 1970، باستثناء تكريس التطور التكنولوجي عبر تنفيذ أول نقل تلفزيوني بالألوان، افتتح مونديال 1974 سلسلة مباريات "الخصوم السياسيين" بلقاء ألمانيا الغربية المضيفة مع ألمانيا الشرقية، وقد عكس الصراع بين العقائد الاشتراكية والرأسمالية الغربية في ذروة الحرب الباردة، وشهد تحقيق منتخب البلد الشيوعي انتصاراً تاريخياً بهدف يتيم.
وفي مونديال 1978، قاومت الأرجنتين "الإهانات الدولية" التي دعت إلى مقاطعة نظام الجنرالات القمعي فيها، وانتزعت اللقب، ربما مع مؤشرات إلى "مؤامرات" رافقت النتائج.
وفي مونديال إسبانيا 1982، رفعت إيطاليا الكأس رغم تلوّث أيدي بعض لاعبيها بفضيحة "توتو نيرو" وانتشار الرشاوى، والتلاعب في نتائج مباريات الدوري، ما أدى إلى توقيف النجم باولو روسي عامين قبل أن يعود هدافاً.
وقبل 8 أشهر من مونديال 1986، ضرب زلزال المكسيك المضيفة، لكن الملاعب لم تتأثر، واستضافت مباريات النهائيات، وإحداها بين "الخصمين السياسيين" بسبب "حرب فوكلاند" (جزر المالوين) الأرجنتين وإنكلترا. وأسفرت المواجهة، التي تحوّلت إلى حديث العالم، عن فوز الأرجنتين بهدفين أولهما بفضل "يد الله" للنجم الراحل دييغو مارادونا، والثاني بتوقيع نجوميته الخارقة التي جعلته يراوغ 7 لاعبين إنكليز.
وإذا كانت شكوك رافقت دور المافيا في تحطيم أسطورة دييغو مارادونا في الملاعب من خلال "إغراقه" بآفة المخدرات بعدما ساهم في خسارة المنتخب الإيطالي في نصف نهائي مونديال 1990، وقفت المافيا الكولومبية مباشرة خلف عملية قتل أندريس إسكوبار الذي سجل هدفاً خطأ في مرمى فريقه في المباراة أمام الولايات المتحدة. وهو أردي بست رصاصات أطلقها شخص انتمى إلى عصابة مخدرات كانت خسرت مبالغ كبيرة من المراهنة على نتيجة المباراة.
وفي مونديال فرنسا 1998، شاهد العالم نسخة جديدة من مباريات "الخصوم السياسيين" بين إيران والولايات المتحدة، والتي انتهت بفوز إيران 2-1، وهي ستتكرر في مونديال قطر الحالي. وفي عام 2002، انتقل المونديال إلى عالم آسيوي غير مألوف ترافق مع تنظيم دولتين الحدث، واكتشف اللاعبون والجمهور عادات اجتماعية مختلفة وظواهر جديدة في التشجيع والتمتع بالأجواء الرياضية. وتكرر ذلك بنكهة أفريقية في مونديال جنوب أفريقيا عام 2010.
وبين هذين المونديالين، كانت إيطاليا على موعد مع تتويج جديد في نسخة ألمانيا عام 2006، بالتزامن مع فضيحة جديدة للتلاعب بنتائج المباريات، كما حصل عام 1982. وفي مونديال 2014 الذي أقيم في البرازيل، بلغت المنافسات غابات الأمازون التي تواجه تحديات بيئية كبيرة جداً، من خلال تشييد استاد بهندسة على شكل سلال من القش التي تشتهر بها المنطقة.