مع عدم وجود علامات حقيقية على نهاية وشيكة للحرب الإسرائيلية على غزة والمستمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يعيش معظم الفلسطينيين في العراء بقليل من الغذاء أو المياه النظيفة، ويحاولون تهدئة روع الأطفال الذين يصرخون ليلاً مع تساقط القنابل والقذائف.
ومن بين حكايات المآسي الكثيرة تعيش ثلاث نساء نزحن من منازلهن في أوضاع بالغة الصعوبة، ويسعين بعد أسابيع من الحرب إلى العثور على ملاذ آمن بعدما فررن مع عائلاتهن وأطفالهن من مكان إلى آخر لتجنب الغارات الجوية ونيران المدافع.
تعيش إسراء الجمالة (28 عاما) في خيمة ترعى فيها ابنتها الرضيعة إسراء التي وُلدت ليلاً في أحد أيام الهدنة التي استمرت أسبوعاً نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وتقول وهي تحتضن ابنتها خلال نومها وسط الخيام التي كثر عددها حول مستشفى في دير البلح وسط غزة: "يجب أن توجد الأم التي وضعت مولوداً حديثاً في المنزل، وتربي طفلها مع أمها وأسرتها، لكن الحال غير طبيعية".
وتذكر أن أسرتها تحركت بعد قصف منزلها إلى مخيم مؤقت أمام مستشفى شهداء الأقصى، حيث وضعت طفلتها إسراء في 24 نوفمبر، ثم استؤنف القتال بعد أسبوع في حين ظلت الأسرة في خيمة مشيّدة بسجادة تغطي الرمال، وتنام فيها الرضيعة إسراء على سرير صغير للأطفال.
وتوضح أيضاً أن أسرتها تواجه، مثل أي أسرة أخرى في غزة، صعوبات في العثور على الغذاء وباقي الضروريات. وتقول: "لا يوجد حليب مجفف، وحتى عندما تنتهي الحرب لا نعلم ماذا سنفعل بعدما قصف منزلنا، والأسئلة كثيرة أين سنمكث، وأين سنربي طفلتنا وكيف، وأين يمكن أن نعيش؟".
من جهتها، تسعى زينب خليل (57 عاماً) التي كانت تعيش في حي الشيخ رضوان قرب مخيم الشاطئ شمالي غزة، إلى الانتقال من مكان وجودها مع أسرتها للمرة الرابعة، بعدما اجتاحت الدبابات الإسرائيلية مدينة خانيونس جنوبي غزة.
ووصفت زينب الرحيل عن حي الشيخ رضوان بأنه "أصعب قرار اتخذته في حياتي، إذ تحركت من ملاذ إلى آخر في رحلة مضنية مليئة بالخوف واليأس والنزوح والحزن تحت وطأة القصف الكثيف".
وتخبر أنه حين حاصرت القوات الإسرائيلية مستشفى الشفاء توجهت مع أسرتها وصديقة لها إلى الجنوب سيراً أحياناً، وعلى متن عربة يجرها حمار أحياناً أخرى. وتذكر أن الجنود الإسرائيليين أمروا الناس خلال عبورهم أحد خطوط المواجهة بالمشي قليلاً ثم التوقف، وتكرار ذلك على مدى أربع ساعات. وانتهى المطاف بزينب وعائلتها في مدرسة إيواء في خانيونس، وتقول: "من لا تقتله القنابل في هذه الحرب يقتله المرض والحزن واليأس. وحالياً أمرنا الجيش الإسرائيلي بمغادرة خانيونس، ولا بدّ أن نبحث عن مكان جديد نمكث فيه".
في المحطة الأخيرة
وفيما تبقى مدينة رفح المحاذية للحدود مع مصر الوحيدة المتبقية للفرار إليها، تمر مي سالم أمام هذه الحدود وهي تشعر بخوف من أن تُجبر مع أسرتها على العبور إلى حياة الغربة الدائمة.
ويتحدر معظم سكان غزة من نسل لاجئين فروا أو طُردوا من منازلهم خلال نكبة 1948، ويخشى كثير منهم حالياً أن يصبحوا لاجئين مجدداً عبر إرغامهم على الخروج من غزة .
وكانت مي فرت من منزلها في مدينة غزة، وتوجهت إلى النصيرات ثم خانيونس، قبل أن تنتقل أخيراً إلى رفح بعدما أمر الجيش الإسرائيلي بذلك. وتقول: "بالنسبة لنا هذه المحطة الأخيرة، وبعدها إذا أرادوا تهجيرنا قسراً لن نغادر. يمكن أن يقتلونا هنا، لكننا لن نترك أرضنا وحياتنا بكاملها. لن نفعل ذلك".
(رويترز)