- الشهود يصفون ظروفًا مروعة، بما في ذلك البحر الهائج والتيارات القوية، ويروون كيف يتدافع الناس ويتقاتلون على الطعام الملقى من الطائرات، مما يؤدي إلى إصابات وأحيانًا استخدام السلاح.
- الأزمة الإنسانية تتفاقم بسبب الحصار والقيود على إدخال المساعدات، مع تزايد الدعوات لإيجاد طرق أكثر أمانًا وكرامة لتوزيع المساعدات وضرورة تدخل دولي فوري لمنع مجاعة وضمان وصول المساعدات إلى من هم في حاجة في غزة.
عندما سقطت بعض المظلات في البحر بالقرب من الشاطئ، شمال غرب مدينة غزة، "دخل شباب وأولاد في البحر حتى يحصلوا على الأكل من المظلات والصناديق التي فيها. ماتوا. هم لا يعرفون السباحة. راحوا وما رجعوا".
بهذه الكلمات روى عدي نصار (البالغ 27 عاماً) من سكان جبالياً، شمال مدينة غزة، الثلاثاء لـ "فرانس برس" ما حدث لاثني عشر شاباً وفتى خاضوا غمار البحر، الاثنين، لانتشال بعض علب الطعام التي تلقيها الطائرات العسكرية فوق شمال قطاع غزة المهدد بالمجاعة، فكانت تلك رحلتهم الأخيرة.
الثلاثاء، أكد مكتب الإعلام الحكومي التابع لحركة حماس أن 12 شخصاً "استشهدوا غرقاً قبالة محافظة شمال قطاع غزة حيث دخل (الاثنين) عشرات المواطنين الجائعين إلى البحر للحصول على مساعدات ألقتها الطائرات داخل البحر" عن طريق الخطأ.
وأضاف أن ستة آخرين قتلوا "نتيجة التدافع في أكثر من مكان حين كانوا يحاولون الحصول على مساعدات ألقتها الطائرات بشكل خاطئ أيضاً في ظل المجاعة المستمرة" في شمال القطاع الذي يقدر أن 300 ألف شخص ما زالوا فيه وسط الركام بلا ماء ولا طعام. وأصيب ستة أشخاص آخرون بجروح، وفق المصدر نفسه.
وقال شهود عيان إن البحر كان هائجاً، وإن الشباب الذين دخلوا الماء لم يتمكنوا من مقاومة التيار. من جانبه أشار المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان إلى أن عدداً منهم قضوا "بعدما علقوا في حبال مظلات طرود المساعدات التي ألقتها الطائرات وسقطت في البحر".
وليست المرة الأولى التي يُقتل فيها فلسطينيون أثناء جمع المساعدات منذ أن بدأت مطلع فبراير/شباط دول عدة ولا سيما الأردن ومصر وفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا، بإسقاط رزم المساعدات، أملاً في التخفيف من معاناة سكان الشمال.
لكن حماس دعت إلى "وقف عمليات إنزال المساعدات بهذه الطريقة المسيئة والخاطئة وغير اللائقة وغير المُجدية".
طريقة مذلة
وقال عدي نصار، الذي كان يعمل سائق أجرة قبل الحرب المدمرة التي اندلعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول، فيما كان ينتظر مع مئات آخرين عند شاطئ السودانية "نسمع صوت الطائرة وننتظر أن تلقي المساعدات بالمظلات. أحياناً نشاهد الناس ينظرون إلى السماء فنعرف أن الطائرة جاءت".
وأضاف "عندما ترمي المظلات، ينزل بعضها قريباً منا وأخرى بعيداً، فنجري نحوها علنا نحصل على أي شيء. عندما نصل للصندوق يكون قد تجمع عدد كبير جداً من الناس حوله، فتحصل مشاكل وضرب وإصابات. يتدافع الناس ومنهم من يقع على الأرض".
وقال بحزن: "القوي يأكل الضعيف. ينتزع منه العلبة، وأحياناً يُخرج أحدهم سكيناً، وقد يحصل إطلاق نار، ويصاب الناس".
وأضاف "هذه الطريقة مُذِلة لنا ولا تحفظ كرامتنا. نحن نواجه الموت حتى نحصل على المساعدات، عدا عن المشاكل والضرب والخبط".
وقال: "نريد طريقة محترمة تصل بها المساعدات لكل دار، فلا ندفع حياتنا ثمناً بهذه السهولة"، داعياً إلى فتح كل المعابر في غزة "لتوصل الشاحنات المساعدات بشكل كبير للناس، حتى لا يموتوا من الجوع".
ليس بعيداً منه، وقف أحمد الريفي، وهو من سكان مدينة غزة، ويبلغ 32 عاماً، ينظر إلى السماء.
وقال الميكانيكي الذي دمرت جرافات الجيش ورشته عندما اجتاحت دباباته أحياء الدرج والشجاعية والرمال قبل شهر ونصف الشهر: "والله، الأكل نحصل عليه بصعوبة ونرى الموت على طريق صلاح الدين عند دوار الكويت (حيث تصل شاحنات المساعدات القليلة) أو لدى انتظار ما تلقيه الطائرات. كله موت وخطر".
وأضاف أن "الناس لم تعد تحتمل بعضها، الكل يقاتل ويضرب للحصول على طحين أو معلبات ومياه وعدس وفول وحمص وطحينة".
وقال: "الكل جائع، لذلك يموت الناس للحصول على طرد غذائي. لا أحد يأتي بمساعدات للناس. كل واحد يجري وراء المساعدات بنفسه، وتحصل عمليات إطلاق نار وقتل وإصابات. هناك أشخاص قتلوا".
وعدا عن مخاطر الموت دعساً أو غرقاً أو بالرصاص من أجل لقمة العيش، لا ينتهي الخطر عند الظفر ببعض الطعام. وقال رافي: "هناك لصوص يعتدون على الناس في الطرق ويسرقون الطحين والمعلبات والطرود".
وأضاف "نريد حلاً. حرام ما يحدث لنا. لا طائرات ولا شاحنات المساعدات توصل ما نحتاج إليه. نريد أن تأتي وكالة الأونروا وتوزع بصورة محترمة لكل أسرة في غزة" ما تحتاج إليه.
لكن إسرائيل منعت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) من العمل في شمال غزة، وقالت إنها ستتعاون مع وكالات أممية أخرى.
وتطالب وكالات الإغاثة بفتح المعابر البرية التي تسيطر عليها إسرائيل وإدخال ما يكفي من المساعدات واتخاذ "إجراءات عاجلة" لدرء المجاعة التي ستقع خلال أسابيع في القطاع الذي يعاني سكانه وعددهم 2,4 مليون شخص من سوء التغذية الحاد وسط دمار شامل.
ويشنّ الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حرباً مدمرة على غزة خلّفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، معظمهم أطفال ونساء، وفق مصادر فلسطينية، ما استدعى محاكمة تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بدعوى "إبادة جماعية".
(فرانس برس)