بلغت عمليات عبور البحر الأبيض المتوسط من قبل المهاجرين غير النظاميين مستويات غير مسبوقة، وذلك مع إنتاج عصابات التهريب التي تنظّم صفوفها أكثر فأكثر قوارب بدائية بسهولة أكبر، بحسب ما أفاد رئيس الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) هانز ليتينز وكالة فرانس برس.
وخلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2023 الجاري، ازداد عدد عمليات عبور المنطقة الوسطى للبحر الأبيض المتوسط بنسبة 300 في المائة تقريباً مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022 ماضي، مع رصد نحو 42 ألفاً و200 عملية دخول.
وقال رئيس وكالة فرونتكس في مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس: "لم أشهد ذلك إطلاقاً في الماضي"، مضيفاً أنّ عمليات العبور باستخدام هذا المسار شكّلت أكثر بقليل من نصف 80 ألفاً و700 عملية دخول غير منظمة إلى الاتحاد الأوروبي في هذا العام. وأشار إلى أنّه "نرى الآن زيادة نسبتها 1.100 في المائة" في عبور المهاجرين "من تونس خصوصاً مقارنة بالعام الماضي".
وبيّنت وكالة فرونتكس في بيان أنّ مستوى عمليات عبور المنطقة الوسطى للبحر الأبيض المتوسط هو الأعلى منذ بدأت الوكالة بجمع المعطيات بهذا الخصوص في عام 2009. وترتبط الزيادة الكبيرة من وجهة نظر ليتينز بالتغيّر في طريقة عمل مهرّبي البشر وتراجع كلفة عملية العبور الواحدة. وشرح: "هم يستخدمون الآن قوارب بدائية معدنية صغيرة يمكن إنتاجها على الشاطئ في غضون يوم واحد، أي 24 ساعة، بكلفة 1.000 يورو تقريباً (نحو 1.090 دولاراً أميركياً)". وتابع أنّ "انخفاض الأسعار يعني أنّهم يحتاجون إلى أعداد أكبر. لذا ثمّة مبرر يدفعهم إلى الضغط أكثر. وقد يفسّر ذلك الأعداد الحالية". كذلك لفت ليتينز إلى أنّ المهرّبين باتوا أكثر تنظيماً ويتنافس بعضهم مع بعض.
"معضلة حقيقية"
وأفاد ليتينز وكالة فرانس برس بأنّه في حالة واحدة على أقلّ تقدير، أغرقت مجموعة تهريب منافسة قارباً. واتّهمت مجموعات حقوقية بينها "هيومن رايتس ووتش" وكالة فرونتكس بالتواطؤ في انتهاكات ارتُكبت بحقّ مهاجرين في ليبيا عبر التعاون مع خفر السواحل الليبي لاعتراض القوارب. وشدّد ليتينز على أنّ الوكالة لم تتعاون بأيّ شكل من الأشكال مع ليبيا، ونفى الاتهامات لها بالتحريض على عمليات إبعاد المهاجرين من خلال إبلاغ الليبيين بمواقع القوارب في مناطق البحث والإنقاذ الأوروبية.
وشرح أنّ "ما نقوم به هو إطلاق نداء استغاثة فقط عندما يواجه القارب صعوبات وتتلقى السلطات الليبية والتونسية هذا النداء كذلك". أضاف: "وفي حال وافق مركز التنسيق على أنّ خفر السواحل الليبي هو الذي سوف يقوم بعملية البحث والإنقاذ، فإنّ هؤلاء سوف يبحرون وينقذون حياة الناس. الإبعاد أمر مختلف تماماً".
وتابع ليتينز: "وإن بدا ذلك قاسياً بعض الشيء، غير أنّنا لا نأبه بمن ينقذ حياة الناس طالما أنّ عملية إنقاذهم تتمّ". وأكّد: "بالتأكيد، تأمل (فرونتكس) بألا ينتهي بهم الأمر في المراكز التي تحدّثت عنها الأمم المتحدة في تقاريرها. وبالنسبة إلينا، مهنياً، يمثّل الأمر معضلة حقيقية".
تجدر الإشارة إلى أنّ بعثة أممية لتقصّي الحقائق حذّرت من أنّ المهاجرين غير النظاميين العالقين في ليبيا، خلال محاولتهم الوصول إلى أوروبا، يتعرّضون لتعذيب ممنهج وكذلك عبودية جنسية.
منع عمليات الإبعاد
بعد استقالة سلفه فابريس ليجيري، تعهّد رئيس وكالة رونتكس الجديد في يناير/ كانون الثاني الماضي بإعادة الثقة بالمنظمة، ووقف عمليات إبعاد المهاجرين عند حدود الاتحاد الأوروبي. كذلك تعهّد بإعادة هيكلة الوكالة التي هزّتها في الماضي مزاعم التورّط في انتهاكات لحقوق الإنسان.
لكنّه بعد شهرين على تولّيه منصبه، أفاد ليتينز بأنّه "غير قادر على التأكيد" أنّ عمليات الإبعاد غير القانونية للمهاجرين لا تتمّ في الاتحاد الأوروبي. وأوضح: "بالتأكيد، لا يمكنني أبداً منع أمور معيّنة من الحدوث"، مضيفاً: "يمكنني خلق ظروف نستطيع من خلالها معرفة أمر ما فور حدوثه ومحاولة الحضور إلى المكان لمنع حدوثه. ونحن نحاول توعية الناس لدينا".
وأكّد ليتينز أنّه بقي على تواصل مع المنظمات غير الحكومية التي سبق أن ندّدت بأفعال وكالة فرونتكس، وحاول استخدام نفوذه في محادثات مع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي اتُّهمت بالسماح بعمليات الإبعاد.
ولدى سؤاله عن دور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زعزعة الاستقرار على حدود الاتحاد الأوروبي، أجاب ليتينز بأنّ "ذلك من ضمن قواعد اللعبة بالنسبة إليهم بالتأكيد، سواء استخدموها أم لا، فإنّ الأمر يعود إليهم. لديهم الإمكانيات للقيام بذلك". وأردف: "لا يمكنني قراءة أفكار السيّد بوتين أو غيره، وإن كان سوف يقوم بذلك، لكنّه لا شكّ في أنّ الأمر من ضمن قواعد اللعبة المتّبعة من قبلهم".
(فرانس برس)