لا تزال تداعيات الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا في السادس من فبراير/شباط الماضي، تؤرق آلاف الأتراك، ومن بينهم خليل أويصال، المنحدر من ولاية أنطاكيا، أبرز الولايات المنكوبة، والتي شهدت وفاة أكثر من 9 آلاف شخص من أصل 46 ألف ضحية للفاجعة، فضلاً عن آلاف المصابين، والمنازل المدمرة التي خلفت عشرات آلاف النازحين.
يرى أويصال (44 سنة) المقيم بحي درامان في إسطنبول، أن الإسراع بإعادة البناء، والوقوف إلى جانب الضحايا عبر مساعدات مالية، أو تسليمهم بيوتاً جديدة، خفف إلى حد بعيد من هول الأزمة، ويقول لـ"العربي الجديد": "يجب أن لا يتخذ الزلزال كورقة انتخابية. تصويت سكان الولايات العشر المتضررة خلال الجولة الأولى بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو/أيار الجاري، كان تعبيراً عن وقوف الحكومة إلى جانب المفجوعين، كما أن طرد بعض النازحين القاطنين بفنادق من قبل أحزاب معارضة كان أيضاً تعبيراً عن النفعية التي يمثلها زعماء تلك الأحزاب، وهو سلوك لا أخلاقي، وأتوقع أن يزيد من ابتعاد ناخبي تلك المناطق عن المعارضة، أو إحجامهم كلياً عن التصويت".
وقطعت بعض البلديات التابعة لحزب الشعب الجمهوري المعارض الخدمات عن منكوبي الزلزال بعدما أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية عدم تصويت الولايات المتضررة من الزلزال لمرشح "تحالف الأمة" رئيس حزب الشعب كمال كلجدار أوغلو، وأظهرت مشاهد متداولة على منصات التواصل الاجتماعي، تبليغ مسؤولي بلدية تكيرداغ التابعة لحزب الشعب الجمهوري منكوبي الزلزال الذين تؤويهم بفنادق، أوامر بمغادرة أماكن الإيواء التابعة لها، والتوجه إلى مراكز إيواء تابعة للحكومة.
وقد استغل مرشح "تحالف الجمهور" الرئيس رجب طيب أردوغان الفرصة، واتهم بلديات المعارضة باستهداف المتضررين من الزلزال الذين صوتوا لصالحه، مؤكداً أنه يثق في دعم الشباب له، وأوضح الرئيس التركي قبل زيارته إلى الولايات المنكوبة أنه سيواصل الوقوف إلى جانب ضحايا الزلزال، واصفاً تلك الهجمات ضد متضرري الزلزال بأنها "متعارضة مع القيم الإنسانية" وأنّ تصرفات المعارضة تظهر أنها منعدمة الضمير، في إشارة إلى قطع المساعدات عن مناطق الزلزال، وطرد بعض الضحايا من الفنادق المخصصة لهم. وأضاف أردوغان: "لا ينبغي لأحد أن يقلق، ولا ينبغي لأي مواطن أن ييأس في مواجهة هذه التصرفات الشريرة لأن من واجبنا الأساسي المحافظة على الضمير الإنساني لشعبنا، وسنقف دائماً إلى جانب إخواننا المتضررين في مناطق الزلزال".
ويأمل خليل أويصال تنفيذ وعود الحكومة بتسليم منازل وتعويضات للمتضررين خلال العام الحالي، معتبراً أن تكرار زيارات الرئيس أردوغان، وتسليم مستشفى دفنا الحكومي خلال أقل من ثلاثة أشهر، مؤشرات على سرعة الإعمار وصدق الحكومة.
وزار الرئيس أردوغان ولايات أديامان وكهرمان مرعش وهاتاي وغازي عنتاب، للاطلاع على سير العمل بمدينة "الحاويات" التي تنشأ في أديامان، قبل حضوره تدشين المستشفى الحكومة في هاتاي، والذي بني باستخدام الفولاذ الثقيل، والمصمم لتحويل جميع غرفه إلى غرف عناية مركزة ببنية تحتية وتقنية متطورة، في حين يحتوي مستشفى دفنا الحكومي على 300 سرير رعاية، و80 سرير عناية مركزة، و12 غرفة عمليات، وقد تم إنجازه بسرعة قياسية، إذ بدأت الأعمال فيه في مارس/آذار الماضي.
ويقول التركي باست خطيب، من ولاية مرعش، لـ"العربي الجديد": "فقدت اثنين من أفراد أسرتي، وأسرة أخي كاملة، كما فقدنا جميع ممتلكاتنا، لكن كان ذلك قضاء الله، واليوم ننتظر وعود الحكومة بتسليم المنازل، ولدي ثقة بوعود الرئيس أردوغان، والذي اقترعت لمصلحته في الجولة الأولى رغم أنني لازلت حتى اليوم في أواصل تلقي العلاج بمستشفى (نوشهير) الحكومي".
ويقول ويسل سعيد، من ولاية غازي عنتاب، لـ"العربي الجديد": "أقيم في مسكن مسبق الصنع (كرفان)، وأتابع أعمال البناء التي تجري في الولاية، وآمل أن تفي الحكومة بوعودها لنعود إلى حياتنا الطبيعية، فالعيش بالمخيمات أو مراكز الإيواء بدل من طبيعة حياتنا، ويعوق تعليم أولادنا. إنها بيئة جديدة مليئة بالمآسي".
في المقابل، يشكك محمت غل توتان بوعود الرئيس أردوغان وحكومته حول إعادة الإعمار، ملمحاً خلال اتصال مع "العربي الجديد"، إلى عدم وجود مقارنة بين المساعدات المقدمة والأضرار التي تعرض لها الناس، وأن معظم المتضررين في جنوبي تركيا، فقدوا كل شيء، وعلينا دائماً التفريق بين الدولة التركية، وبين الحكومات التي يمكن أن تتبدل.
ووعد الرئيس التركي بأن تنشئ الحكومة 650 ألف شقة سكنية في المناطق المنكوبة بكارثة الزلزال، مشيراً إلى أن المستهدف هو تسليم 319 ألف منزل إلى أصحابها في غضون عام. ولم يكتف أردوغان بتقديم الوعود، بل قدم منحاً مالية عاجلة للمنكوبين بلغت قيمتها 10 آلاف ليرة تركية، ثم 15 ألف ليرة تركية لأصحاب المنازل التي هدمت، أو ستهدم، أو كان تصنيف ضررها متوسطاً، مع دعم بمبلغ 3000 ليرة تركية كبدل إيجار لمن كانوا مستأجرين، فضلاً عن بناء ملاجئ مؤقتة.
وفي قام أردوغان بوضع أساسات عدد كبير من المساكن والمستشفيات والمدارس في الولايات المتضررة، سلّم في مطلع أبريل/نيسان، مفاتيح 1164 شقة إلى أصحابها، ضمن مشاريع الإسكان الجماعي التي تنفذها إدارة توكي للإسكان الجماعي الحكومية.
ويرى المسؤول بهيئة الإغاثة وحقوق الإنسان التركية (إي ها ها) جلال ديميريل، أن "للجميع الحق بقول ما يريدون لأن مصاب الزلزال هو أكبر فجيعة تمر على البلاد منذ مائة عام، إذ تشير التقديرات الرسمية إلى وفاة نحو 50 ألف تركي، وتشريد أكثر من 1.5 مليون من بيوتهم بعد انهيار أو تضرر أكثر من 160 ألف مبنى كانت تضم أكثر من 520 ألف شقة سكنية. تصوروا الآثار الاجتماعية على نحو 1.25 مليون شخص باتوا خلال ليلة بلا مأوى، وتبدلت كل تفاصيل حياتهم. القصة لا تنتهي عند تكاليف إعمار بنحو 100 مليار دولار، فالأهم هو ما لحق بالإنسان، فالبعض فقدوا حياتهم، وفقد آخرون أحباءهم أولاً، ثم لحقتهم إعاقات، ثم خسروا ممتلكاتهم".
وحول وعود الحكومة التركية بتسليم مساكن وتعويض المتضررين، يؤكد ديميريل لـ"العربي الجديد" أنّ "أردوغان لم يخلف أي وعد طيلة العشرين سنة، والمعارضة نفسها تقر بذلك، فحين وعد بتسليم مستشفى هاتاي، نفذ ذلك، وحين وعد بتسليم قرية في نورداغ بغازي عنتاب، سلمها أيضاً، وقد زرت تلك القرية، وهي مجهزة بكل شيء لعودة النازحين، كما أنّ الإعمار وصل إلى مرحلة متقدمة، فيما كثير من المباني لا ينقصه سوى التجهيز الداخلي رغم مرور ثلاثة أشهر فقط".
وحول ما يقال عن استغلال المنكوبين لأغراض سياسية وانتخابية، يلفت المسؤول التركي إلى أن منطقة دفنا التي بني فيها المستشفى، غالبية سكانها غير مؤيدين لأردوغان، بل صوتوا لكلجدار أوغلو في الانتخابات، ولكن ذلك لا يغير من سياسة الدولة شيئاً، ويؤكد الرئيس أنه لا يهم الدولة توجه المتضررين السياسي، فالسلطات تخدمهم لأنّ هذا واجبها تجاه المواطنين.
في السياق ذاته، أكد وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، خلال زيارته لجمعية قرية جوموشان كلكيت شيمنلي في غازي عثمان باشا، الأحد الماضي، إن "الشعب أعطى 27 مليون صوت لكمال كلجدار أوغلو في جولة الانتخابات الأولى، في حين حصل الرئيس رجب طيب أردوغان على أكثر من ذلك بمليوني صوت، وأنّ النتائج في انتخابات البرلمان أظهرت دعم نظام الحكم الرئاسي، حتى أنّ نتائج الانتخابات في المدن المتضررة من الزلزال، مثل كهرمان مرعش، كانت ذات مغزى، مضيفاً: "لقد ظهرت نتيجة تضامن الدولة هناك. فنحن نخدم مواطنينا حتى الوقوف على أقدامهم مجدداً".
وصوتت الولايات التركية الجنوبية في انتخابات 2018 لصالح التحالف الحاكم بنسبة 65 في المائة، وأغلب رؤساء بلدياتها ينتمون إلى الحزب الحاكم، إلا أن المعارضة كانت تسعى إلى قلب النتيجة، والاستحواذ على أصوات الناخبين فيها، معتمدين على ما يزعمون أنه "تقاعس حكومي في التعامل مع تداعيات الكارثة" وقد نجحوا في ولايات مثل ديار بكر وهاتاي.