دق ناقوس الخطر في المغرب بعد وفاة 107 أشخاص نصفهم أطفال بداء الحصبة

31 ديسمبر 2024
داخل أحد مستشفيات المغرب، في 12 إبريل 2020 (فاضل سينا/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- يشهد المغرب تفشيًا خطيرًا لداء الحصبة مع 19,515 إصابة و107 وفيات، معظمها بين الأطفال، بسبب تراجع معدلات التلقيح خلال جائحة كورونا وظهور بؤر في مناطق متعددة.
- يُعتبر داء الحصبة مرضًا فيروسيًا شديد العدوى، ويرتبط تفشيه بانخفاض معدلات التلقيح وضعف الترصد الوبائي، حيث لا تصل أي منطقة في المغرب إلى التغطية الضرورية بنسبة 95%.
- وضعت وزارة الصحة خطة شاملة تشمل تعزيز التلقيح الروتيني وحملات استدراكية، وتطوير نظام مراقبة وبائي، لكن تواجه تحديات مثل المعلومات المغلوطة وضعف الإبلاغ.

بات داء الحصبة خطراً حقيقياً يُهدّد حياة الأطفال في المغرب، بعد تنامي عدد الإصابات المطّرد في الأشهر الأخيرة، وذلك في وقت وصفت فيه السلطات الصحية الوضعية الوبائية في البلاد بـ"الحرجة". وكان لافتاً كشف وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، أمس أمام مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، أن عدد الوفيات نتيجة مضاعفات داء الحصبة المعروف في المغرب بـ"بوحمرون" بلغ، منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وإلى حدود أمس الاثنين، 107 حالات، وذلك بنسبة 0,55 %. وأوضح الوزير أن العدد التراكمي لمجموع الحالات على الصعيد الوطني بهذا المرض، منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بلغ 19 ألف و515 حالة، وذلك بمعدل 52.2 حالة لكل 100 ألف نسمة. فيما سجلت أكثر من نصف الوفيات في صفوف الأطفال أقل من 12 سنة. وتبعاً لذلك، وصف الوزير المغربي الوضعية الوبائية لهذا المرض بـ"الحرجة"، مشيراً إلى أن تراجع معدلات التلقيح خلال وبعد جائحة كورونا ساهم في ظهور بعض بؤر هذا الوباء.

داء الحصبة مرض بمضاعفات خطيرة

وداء الحصبة هو مرض فيروسي شديد العدوى، حيث إن كل مريض ينقل العدوى إلى ما بين 18 و20 شخصاً من محيطه، وقد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة وحتى الوفاة. ووفقاً لمعطيات وزارة الصحة، بدأ تفشي الوباء الحالي للحصبة بالمغرب منذ أواخر 2023، بجهة سوس ماسة، ثم امتد تدريجياً ليشمل مناطق مجاورة في جهة مراكش آسفي، قبل أن ينتشر في الجهات الأخرى للمملكة.

وبحسب الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية، الطيب حمضي، فإن تفشي وانفجار عدة حالات إصابة بالحصبة في الآونة الأخيرة، مع وفيات بين الأطفال المصابين، يرتبط بانخفاض معدلات التلقيح لدى الأطفال وانخفاض مستوى الترصد الوبائي لهذه الأمراض. وقال حمضي، في حديث مع "العربي الجديد" اليوم الثلاثاء، إن الطفل غير الملقح (صفر جرعة) أو غير الملقح بشكل كامل (جرعة واحدة بدلاً من جرعتين) معرض لخطر الإصابة بالمرض ومضاعفاته، لافتاً إلى أن السكان الذين تقل تغطيتهم عن 95 % من التطعيم ضد الحصبة سيعانون تفشي المرض على شكل وباء وفاشيات بشكل مستمر ودوري.

وأوضح أنه وفقاً لوزارة الصحة، لا توجد منطقة في المغرب تصل حالياً إلى التغطية الضرورية بنسبة 95 في %، وأن المعدلات في بعض المناطق أقل بكثير من هذا الرقم، لافتاً إلى أنه بسبب التراخي في التطعيم وضعف الترصد الوبائي لأمراض الطفولة تأثرت منطقة بني ملال-خنيفرة في بداية عام 2023، ومنطقة سوس ماسة في سبتمبر/ أيلول 2023، ومؤخراً منطقة طنجة تطوان الحسيمة. وقال: "من الضروري البحث عن جميع الأسباب الكامنة وراء هذا التردد وضعف التلقيح وتراخي المراقبة الوبائية بالمغرب، البلد المعروف منذ فترة طويلة بأنه بطل التطعيم ضد الأمراض المستهدفة لدى أطفاله". وشدد حمضي على أن التحليل المتعمق لأسباب هذا التراخي، والتزام الأسر بتلقيح أطفالهم، وببرامج استدراك التلقيح بالنسبة لمن لم يتم تلقيحهم بشكل جيد، وتعبئة خدمات وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وتعبئة جميع المهنيين الصحيين، واستئناف المراقبة الوبائية على الشكل الأفضل من قبل الوزارة، هي شروط أساسية لحماية أطفالنا وصحتهم وحياتهم وجميع السكان".

إلى ذلك، اعتبر حمضي أن التطعيم "آمن وفعال، وهو أفضل طريقة لتجنب تفشي العدوى والمرض وتجنب الحصبة"، موضحاً أن "التطعيم أنقذ وحده حياة 56 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بين عامي 2000 و2021"، ولفت إلى أن الفئات الأكثر تعرضاً للأشكال الخطيرة والمميتة للمرض هم الأطفال دون سن 5 سنوات، والبالغون فوق سن 30، والنساء الحوامل، والأطفال الذين يعانون سوء التغذية، والأشخاص الذين يعانون أمراض ضعف جهاز المناعة.

ولمواجهة تفشي المرض، وضعت وزارة الصحة خطة متكاملة تهدف إلى الحد من انتشار المرض والوقاية منه، تشمل أساساً تعزيز التلقيح الروتيني لتحقيق تغطية تفوق 95 % جرعتين من لقاح الحصبة. وتتضمن خطة الوزارة تنفيذ حملات تلقيح استدراكية موجهة للأطفال الذين لم يتلقوا الجرعات اللازمة، خاصة الفئات المزدادة بين 2020 و2023، وتطوير نظام مراقبة وبائي أكثر دقة وشمولية لرصد الحالات والتدخل الفوري.

كذلك، قررت الوزارة تفعيل المركز الوطني للعمليات الطارئة للصحة العامة (CNOUSP) و12 مركزاً إقليمياً للطوارئ الصحية، وتنظيم حملة وطنية بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ووزارة الداخلية للتحقق من حالة التلقيح لفائدة الأطفال أقل من 18 سنة. وإلى حدود 20 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، جرى التحقق من حالة التطعيم لحوالي 6 ملايين طفل بمعدل تحقق قدره 54.7 %، وإعطاء 138 ألف جرعة ضد الحصبة والحصبة الألمانية، بمعدل استدراك قدره 38 %.

وبالرغم من هذه الجهود، لا تزال مواجهة هذا المرض تعترضها إكراهات متعددة، أبرزها انتشار المعلومات المغلوطة التي يتم تداولها على نطاق واسع، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، وضعف الإبلاغ عن الحالات في بعض المناطق النائية، وفجوات مناعية ناتجة عن التّراكم في أعداد الأطفال غير الملقحين، وفق وزير الصحة والحماية الاجتماعية في المغرب، معتبراً أن "التلقيح يبقى هو السبيل الوحيد لإعادة محاصرة هذا الداء ومنع انتشاره".

المساهمون